أركــــان الإيمــان بتاريخ 14/12/2012م 1 صفر 1434 هــ لطالب العلم// إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
الخطبـــــــــــــــة الأولــــــــــــــــــــى
الحمد لله الذي خلق كلَّ شيء فقدره تقديراً، ودبر عباده على ما تقتضيه حكمته، وكان لطيفاً خبيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وكان على كل شيءٍ قديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يديِ الساعةِ بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسانٍ وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله وآمنوا به وبرسوله؛ فالإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن تُؤمنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره))، ولا شك أن الإيمان نورٌ يقذفه اللهُ في قلبِ العبد، وهو اعتقادٌ وعملٌ، كما قال الحسنُ البصريُّ رحمهُ الله: ليس الإيمانُ بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلبِ، وصدقته الاعمال، ولهذا عرَّفهُ أهلُ السنةِ والجماعة؛ بأنه قولٌ باللسان، واعتقادٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح، يزيدُ بالطاعةِ وينقصُ بالمعصية، وقد رتب الله على الإيمان خيراتٌ كثيرة، منها توفرُ الأمنِ والهدايةِ في الدنيا والآخرة، يقول الله تبارك وتعالى: ((الَّذين ءَامنواْ ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون))، كما رتب الله عليه حصولُ الحياةِ الطيبة، وتوفرِ الأجر، كما قال الله جل وعلا: ((من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حيوةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون))، هذا وقد تكفل الله بالدفاع عن أهل الإيمان، كما قال الباري جل وعلا: ((إن الله يُدَافِعُ عن الذين ءَامُنواْ))، والإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، أعلاها قولُ لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان)).
أما الإيمان بالله فيتضمَّنُ أربعة أمور : الإيمانُ بوجودهِ تعالى، والإيمان بربوبيَّته؛ أي بأنه وحده الرب، لا شريك له ولا مُعين، والإيمانُ بألوهيَّته أي : أنه وحده الإله الحق، لا شريك له، والإيمانُ بأسمائه وصفاته.
وكذلك الإيمانُ بالملائكة، علينا الإيمانُ بوجودهِم، والإيمانُ بما علمنا من صفاتهم، كصفةِ جبريل، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه رآه على صفتِه التي خُلِق عليها، وله ستمائةِ جناحٍ قد سَدَّ الأفُق .
ومن الإيمانِ إخوةَ الإسلام، الإيمانُ بالكتبِ السماوية، فقد انقسم الناسُ حيالَ هذهِ الكتب إلى ثلاثةِ أقسام:
قسم ٌكذَّب بها كلَّها، وهم أعداءُ الرسلِ من الكفارِ والمشركينَ والفلاسفة.
وقسمٌ آمن بها كُلَّها، وهم المؤمنون الذين آمنوا بجميعِ الرسل، وما أُنزِل إليهم؛ قال تعالى: ((ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ))، وقسمٌ آمنَ ببعضِ الكُتُبِ وكفرَ ببعضِها، وهم اليهودُ والنصارى، ومن سار على نهجهم، الذين يقولون نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهْوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ، وقال تعالى فيهم: ((أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)).
ولا شك أن الإيمانَ ببعضِ الكتب، والكفرُ بالبعضِ الآخر، كفرٌ بالجميع.
أما الركن الآخرُ من أركانِ الإيمان، فهو الإيمانُ بالرسُل، علينا أن نؤمنَ بجميعِ الرسل، من أولهم وهو نوحٌ عليه السلام، إلى آخرهم وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وألا نفرق بين أحدٍ منهم، كما قال تعالى: ((إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً أولئك هم الكفرون حقا وأعتدنا للكفرين عذاباً مهيناً والذين ءَامنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحدٍ منهم أولئك سوف نؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيماً)).
أما الركنُ الخامس ُ من أركانِ الإيمان، الإيمانُ بِاليوم الآخر: يوم القيامة الذي يُبْعثُ فيه الناس للحساب، والجزاء، وسُمِّي باليومِ الآخر؛ لأنه لا يومَ بعده، حيث يستقرُّ أهلُ الجنةِ في منازلهم، وأهلُ النارِ في منازلهم.
والإيمان باليوم الآخر يتضمنُ ثلاثةَ أمور :
الإيمان بالبعث، والإيمان بالحساب والجزاء، فإن الله تعالى يحاسِبُ العبدَ على عمله، ويجازيهِ عليه، وقد دلَّ على ذلك الكتابُ والسنة، وإجماعُ المسلمين، قال تعالى: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثـُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ).
ومما يتضمنه الإيمانُ باليومِ الآخر: الإيمانُ بالجنة والنار، وأنهما المآل الأبديُّ للخلق.
فالجنة دارُ النعيم التي أعدها الله تعالى للمؤمنين المتقين، الذين آمنوا بما أوجب الله عليهمُ الإيمانُ به، وقاموا بطاعة الله ورسوله ، مخلصين لله ، مُتَّبـِعِـين لرسوله، هذه الجنة فيها من أنواع النعيم، ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وأما النار: فهي دارُ العذاب، التي أعدَّها الله تعالى للكافرين الظالمين، الذين كفروا به وعصوا رسله، فيها من أنواع العذاب والنـَّـكال، ما لا يخطر على البال، قال تعالى : (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ).
ومن الإيمان أن تؤمن بقضاء الله وقدره، والله سبحانه وتعالى يعلمُ ما كان، وما سيكون جملةً وتفصيلاً، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ ونَعلمُ ما تُوسوِسُ به نفسُهُ)) ، آمنوا بكمالِ علم الله وسعة علمهِ، وآمنوا بكمالِ حفظهِ وتمامِ رعايته، وأنه كَتَبَ في اللوحِ المحفوظ، قبل أن يخلقَ السماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنة، فإن أول ما خلق الله القلم؛ قال له اكتب؛ قال رب وماذا أكتب، قال اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يومِ القيامة، وقد قال تعالى: {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتابٍ إنَّ ذلك على الله يسيرٌ} ، {مَا أَصَابَ مِن مُّصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسيرٌ }، فإنه ما من شيء في السمـاوات والأرض إلا وهو مُـلكٌ لله ، قال تعالى: { لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيءٍ قديرٌ }، فبيده الملك، وبيده مقاليدُ السماوات والأرض، فما من شيءٍ يحدث من رخاءٍ وشدةٍ، وخوفٍ وأمنٍ، وصحةٍ ومرض، وقلةٍ وكثرةٍ إلا بمشيئته عزوجل.
أيها المسلمون: آمنوا بعمومِ خلقِ الله لكلِ ما في السماوات والأرض: {الله خالقُ كلِّ شيءٍ وهْوَ على كلِّ شيءٍ وكيلٌ}،{وَاللهُ خلقكمْ ومَا تعمَلُون}.
عباد الله: إن الإيمانَ بالقدر أحدَ أركانِ الإيمانِ الستة، لا يتمُّ الإيمانُ إلا به، لكنه ليس حجةٌ للإنسانِ على فعل المعاصي، ذلك أن الله أعطى الإنسانَ عقلاً يتمكنُ به من الإرادة، وأعطاهُ قدرةً يتمكنُ بها من العمل، فلذلك إذا سُلِبَ عقلُ الإنسان، لم يعاقَبْ على معصيةٍ، ولا بتركِ واجب، وإذا سلبَ قدرتَهُ على الواجب، لـم يُؤاخَذ بتركِه.
إن الاحتجاج بالقدر على المعاصي، أو ترك الواجبات حجةٌ باطلة، أبطلها الله في كتابه ويبطلها العقلُ والواقع، أبطلها الله في كتابه بقوله: {رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِين لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل} ، ولو كان القدرُ حجةً لم ترتفع بإرسال الرسل؛ لأن القدرَ ثابتٌ مع إرسال الرسل، قال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ءَابآؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلهمْ حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ} ، فلو كان الاحتجاجُ بالقدرِ حجةٌ صحيحة، وعذراً مستقيماً، لَمَا أذاقَ اللهُ المحتجين به على شركهم بأسَه؛ لأن الله لا يظلم أحداً.
إن الإنسانَ العاقل كلما تأمل الواقع، وقاسَ الأمورَ بعقله، ونظر في كتاب الله وسنة رسوله، عَلِم عِلْماً يقيناً أن لا حجةَ للإنسانِ بقضاءِ الله وقدره، على ما يفعلُهُ باختياره، وأن الاحتجاجَ بذلك على ترك الواجب، أو على فعل المحرم، حجةٌ داحضةٌ باطلةٌ، لا يفعلها إلا الباطلون المكابرون، أما الأمورُ غير الاختيارية كالموت والمرض، وسقوطُ شيءٍ على الإنسانِ حتى يقتله، أو نحوِ ذلك؛ فهذه حجةٌ للإنسانِ، ولذلك لا يؤاخِذُ الله المجنون على ما ترك من الواجبات، أو فعل شيئاً من المحرمات، وكذلك لا يؤاخِذُ الله العبد لفعلٍ محرم، جاهلاً به أو ناسياً؛ لأنه ليس مختاراً لفعله، لو عَلِم بتحريمه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبـــــــة الثانيـــــــــــــــــــة
الحمد لله الذي استأثر بالخلق والتدبير، له ملك السموات والأرض، وهو اللطيف الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العليُّ القدير، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله، البشيرُ النذير، والسراجُ المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وآمِنوا بقضاءِ الله وقدره، واجعلوه وسيلةٌ لكم للاستعانةِ بالله، وطلبِ الهدايةِ منه، لأن بيده أزِمَّةُ الأمورِ ومقاليدُها، فإن الصحابةَ رضي الله عنهم، قالوا للنبي : أفلا ندعُ العملَ ونتكلُ على القضاء، قال اعملوا، فكلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلق له، أما أهلُ السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} رواه البخاري، فاتقوا الله عباد الله ولا تجعلوا قدر الله حجةٌ لكم على شريعته ومخالفتـه فَتَضـِلوا ضـلالاً بعيـداً.
واعلموا أن الله قد أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبحةِ بقدسه، فقال في كتابه: إِنّ الله وملائكته يُصلون عَلَى النّبي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيدهم بتأييدك، ووفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وانصر بهم دينك، وأعلِ بهم كلمتك، يا ودودُ يا كريم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين المؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات.
اللهم احقِن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم نفِّس كربَهم، وفرِّج همَّهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، في فلسطين وسوريا وفي كل مكان، اللهم انصرهم يا قويُّ يا عزيز.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .