الطهارة للصلاة بتاريخ 9/11/2012م 24 ذو الحجة 1433 هــ لطالب العلم // إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
الخطبــــــــــــة الأولـــــــــــــــى
الحمدلله ذو الجلال والإكرام، جعل الصلاة ثانيةَ أركانِ الإسلام، وأمر بإقامتها والمحافظة عليها على الدوام، وأخبر أنها تنهى عن الفحشاء والآثام، وجعل مفتاحها الطَّهورُ في كلِّ الأيام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته، وصفاته وأسمائه العظام، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله، كانت الصلاةُ قُرّةَ عينه، ونعيمَ قلبه، وكان يفزعُ إليها عند الأحداثِ العِظام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد :
فاتقوا الله تعالى وحافظوا على صلواتكم، ولازموا حضور الجُمعِ والجماعات، كما أمركم بذلك ربُّكم، وحثكم عليه نبيُّكم، لأن الصلاة هي ثاني أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، وهي شعار النبيين، وعلامة المتقين، والصلة بين العبد ورب العالمين، وهي محل عناية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال إبراهيم عليه السلام: (( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَوةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي))، وقال: ((رَبَّنَا إِنِّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلَوةَ))، وقال عن زكريا عليه السلام: ((فَنَادَتْهُ الْمَلَئِكَةُ وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ))، وقال عيسى عليه السلام: ((وَأَوْصَانِي بِالصَّلَوةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيّاً))، وقال الله لنبينا محمدٍ : ((أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً))، وقال له أيضاً: ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)).
وقد فرض الله على هذه الأمة خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، في أوقاتٍ مناسبةٍ لا تعطلهم عن مصالحهم، بل تعينهم عليها، ليكرروا الاتصالَ به سبحانه، والوقوفَ بين يديه، فيُقبل عليهم بوجهه الكريم، ويسمع نداءهم، ويستجيب دعائهم، ويغفر ذنوبهم، ويرفع درجاتَهُم، وقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصلواتِ الخمس بالنهر الجاري على باب المسلم، يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة، فيستمر نظيفاً، فكذلك الصلوات الخمس تطهر العبد من الذنوب.
عباد الله: واعلموا أن الطهارة مفتاح الصلاة، ومن أعظم شروط صحتها، قال تعالى: يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جا أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .
ففي هذه الآية الكريمة الأمر بالطهارة للصلاة من الحدث الأصغر بالوضوء، ومن الحدث الأكبر باغتسالِ جميعِ البدن، وفيها أن الطهارة من الحدثين تكون بالماء الطهور عند وجوده، والقدرة على استعماله، فإن لم يجد الماءَ أو وجده ولم يقدر على استعماله لمرضٍ أو لكون الماءِ قليلاً لا يكفي لطهارته، وحاجته إليه للشرب والطبخ، فإنه يتيمم بالتراب بدلاً من الماء.
وفي الآية تيسير الله لعباده، ورفعُ الحرجِ عنهم فيما شرعه لهم من الطهارة بالماء، أو بالتراب عند عدم الماء، أو العجز عن استعماله.
وفي الآية الكريمة أيضاً بيانُ أعضاء الوضوء، وهي الوجه واليدان، والرأس والرجلان، وأن الفرض في الوجه واليدين والرجلين الغُسل، والفرض في الرأس المسحُ بكامله، وأنه في الحدث الأكبر، وهو الجنابةِ ونحوها، فيجبُ فيه غَسلُ جميعِ البدن.
وأما صفة التيمم بالتراب، بأن يضرب بيديه على ترابٍ طهورٍ له غبارٌ يَعْلقُ باليد، ويمسح بها وجهه وكفيه.
عباد الله: ومن أراد أن يتوضأ أن ينوي بقلبه رفع الحدث، ثم يشرع في الوضوء، ويجب تعميمُ أعضاءِ الوضوء التي تحتاج للغسل بالماء، فإن بقي منها شيءٌ لم يصل إليها الماءُ لم يصحَّ وضوؤُه، لقول النبي للرجل الذي ترك موضع ظفرٍ من قدمه اليمنى فقال له: ((ارجع فأحسِنْ وُضوءَك)) رواه مسلم.
وقد قال النبي : (( إذا قُمْتَ إلى الصّلاةِ فأَسْبغِ الوضوء )) رواه البخاري.
وإذا كان في بعض أعضاء الوضوء جرحٌ يتضرر بالماء، فإنه يُجنب الماءَ الجرح، ويغسل باقيَ العضو، ويتيمم عن موضع الجرح، وإن كان على الجُرحِ غطاءٌ من لصوقٍ أو ضمادٍ أو جبيرةٍ على كسر، فإنه يمسحُ عليه بالماء، ويكفيه عن غسله.
وإذا كان على الرجلين خُفَّينِ ساترينِ للكعبين وما تحتهما، فإنه يمسح عليهما، ويكفيه ذلك عن غسل الرجلين، ومدةُ المسح على الخفين؛ يومٌ وليلةٌ للمقيم، وثلاثةُ أيامٍ بلياليهنَّ للمسافرِ الذي يُباحُ له قصرُ الصلاة أيضاً.
ودليلُ المسحِ على الخفين حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: (( كُنْتُ مَعَ اَلنَّبِيِّ فَتَوَضَّأَ, فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ, فَقَالَ: "دَعْهُمَا, فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ" فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وإذا فرَغ المسلمُ من الطهارة استُحِبَّ له أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، وذلك لقول النبي : ((ما منكم من أحدٍ يتوضأُ فيُسْبِغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فُتِحت له أبوابُ الجنّةِ الثمانية، يدخلُ من أيُّها شاء)) رواه مسلمٌ، وفي روايةٍ أخرى يقول: ((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)).
والحكمة في قول هذا الذكر ليجمع بين طهارة الباطنِ بشهادةِ التوحيد، وطهارة الظاهرِ بالوضوء.
ويستحبُّ السواكِ مع كل وضوء، كما قال رَسُولِ اَللَّهِ : (( لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ )) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ, وأَحْمَدُ, وَالنَّسَائِيُّ.
وقد قال رَسُولُ اَللَّهِ : (( إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ اَلْوُضُوءِ, فَمَن اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم.
ولا تُسرفوا في الماء في الوضوء والاغتسال، فقد نهى النبي عن ذلك، وكان يتوضأُ بالمـُــــد، ويغتسلُ بالصاع إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ.
وأما صفةُ الغُسل من الجنابة ونحوها: أن ينويَ الاغتسال، ثم يُسمي، ثم يغسلَ كفيهِ ثلاثاً، ثم يستنجي، ثم يتوضأُ وضوءَهُ للصلاة، ثم يُحثيَ الماءَ على رأسه ثلاث مرات، يُعممهُ بها، ويَرويَ أصولَ شعره، ثم يُفيضُ الماءَ على سائرِ بدنه، ويعمِّمُهُ به، ولا يتركُ منه شيئاً لا يصل إليه الماء؛ لأنه لو بقي منه شيءٌ قليلٌ لم يغسله، لم تصحَّ طهارتُهُ حتى يغسلَه.
فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على الطهارة للصلاة، وتطهروا كما أمركم ربكم جل وعلا، واقتدُوا بنبيكم ، فقد قال سبحانه في كتابه: من يطع الرسول فقد أطاع الله .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلتُ ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطئاً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبـــــــــــــــــــــــــة الثانيــــــــــــــــــــــــــة
الحمدلله رب العالمين، يحب التوابين ويحب المتطهرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً له الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله تعالى إنما جعل التيممَ بدلَ الماء عند فقده أو العجزِ عن استعماله، فمن تيممَ وهو واجدٌ للماء، وقادرٌ على استعماله، لم تصحَّ صلاتُه؛ لأنه صلى بغيرِ طهارة، فترك شرطاً من شروط صحة الصلاة.
واعلموا أن الطَّهورَ شطرُ الإيمان، وكما تجبُ الطهارةُ من الحدثِ بالوضوء أو الاغتسال، فكذلك تجبُ الطهارةُ من النجاسةِ في الثوب والمكان، فيجبُ أن يصليَ المسلم ببدنٍ طاهرٍ، وبثيابٍ طاهرة، وفي مكانٍ طاهر، وإذا أصابت النجاسة؛ الثوبَ أو البدن أو المكان، وجب غسلُها بالماء حتى تزول.
هذا؛ وصلُّوا رحمكم الله على خير البرية، وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك في قوله: إِنّ الله وملائكته يُصلون عَلَى النّبي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق كلَّ من يريدُ الخيرَ للبلاد، وأيدهم بتأييدك، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، اللهم انصر بهم دينك، وأعلِ بهم كلمتك، وارزقهم البطانةَ الصالحة، ووفقهم إلى ما فيه عِزَّ الإسلام وصلاحٍ للمسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين المؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم يا قويُّ يا عزيز.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .