خطبة عن نواقض الإسلام بتاريخ 4/1/2013م 22 صفر 1434هـ لطالب العلم// إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
الخطبـــة الأولـــى
الحمد لله الذي رضي الإسلامَ لنا ديناً، وأمرنا بالتمسك بهذا الدين والثبات عليه إلى الممات، وحذرنا من التخلي عنه فقال سبحانه: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيأيها الناس اتقوا الله تعالى وراقبوه في السر والعلن.
أيها المسلمون: إن دينَ الله واحد، وطريقه واضحٌ مستقيم، وإن الضلال طرق متشعبة، ومتاهات كثيرة، قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
وعلى كلِّ سبيلٍ من سبلِ الضلال، شيطانٌ يدعو إليه؛ فالسالك على طريق الحق، تعترضه صوارفُ عن المضي في طريقه، إلى طرقِ الضلال، تارةً بالترغيب وتارةً بالترهيب، فهو يحتاج إلى علمٍ بالطريقِ المستقيم، وعلمٌ بتلك الطرقِ المضلة، ويحتاج إلى صبرٍ وثباتٍ على الحق.
أيها المسلمون: والارتداد عن دينِ الإسلام إلى الكفر، تارةً يكون بترك الإسلامِ بالكلية، إلى ملةٍ من مللِ الكفر، وتارةً يكون بارتكاب ناقضٍ من نواقض الإسلام، مع بقاءِ التسَمِّي بالإسلام، وأداءِ شعائره، فيكونُ محسوباً من جملةِ المسلمين وهو ليس منهم، وهذا أمرٌ خطيرٌ وموقفٌ دقيقٌ يحتاج إلى بصيرةٍ وتَمَعُّن، يحصل بها الفرقان بين الحق والباطل والهُدَى والضلال. إذ كثيراً ما يلتبس هذا الموقف على كثيرٍ من الناس، بسبب جهله بنواقض الإسلام، وأسبابِ الردة، فيظن أن من أدى شيئاً من شعائر الإسلام، صار مسلماً ولو ارتكب شيئاً من المكفرات، وهذا الظنُّ الفاسدُ إنما نشأ من الجهلِ بحقيقةِ الإسلام، وما يناقضُه، وهذا واقعٌ مؤلم يعيشه كثيرٌ من الناسِ في عصرنا هذا، ممن لا يميزون بين الحقِّ والباطل، والهُدَى والضلال، فصاروا يُطلِقون مُسمَّى الإسلام على من يؤدي بعضَ شعائره، ولو ارتكبَ ألفَ ناقض، ولم يعلم هؤلاء أن منِ ادعى الإسلام، وأدى بعضَ العبادات ثم ارتكب شيئاً من نواقِضِه، يكونُ بذلك قد خرجَ من الإسلامِ من حيثُ لا يَدْري.
إن الإسلام هو الاستسلامُ لله بالتوحيدِ، والانقيادِ له بالطاعة، والخلوصُ من الشرك، ولا بد من القيام بشعائره وحقوقه، وتجنُّبِ نواقضِه .
عباد الله: إن نواقضَ الإسلام ِكثيرة، وأسبابُ الرِّدَّةِ متعددة، فمنها:
الشركُ في عبادة الله تعالى، مثل ما يُفعلُ اليومَ عند القبور، من التقربِ إلى الموتى بطلبِ الحاجات منهم، وصرفِ النذورِ لهم، والذبحُ لأضرحتهم، والذبحُ للجن لطلبِ شفاءِ المريض، وهذا واقع اليوم وكثير فيمن يدعون الإسلام، والمعلومُ أن الذبحَ لغير اللهِ شركٌ أكبر.
ومن نواقض الإسلام: أن يجعل المرء بينه وبين الله وسائطَ يدعوهم، ويسألُهُم الشفاعة، ويتوكلُ عليهم، كما يفعله كثيرٌ من الجهلة، فيمن يُسمُّونَهُم بالأولياء، فما أشبهَ هؤلاء بمشركي القرون الأولى القائلين: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى .
ومن أنواع الردةِ عن الإسلام، الاستهزاءُ بشيءٍ مما جاء به الرسول ، قال الله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
ومن أنواع الردة عن الإسلام الحكمُ بغير ما أنزل الله؛ فمن حكم بغير ما أنزل الله وهو يرى أنه أحسنُ من حكمِ الله ورسوله، وأصلحُ للناس، أو يرى أنه مخيرٌ بين أن يَحْكمَ بما أنزل الله، أو يحكمَ بغيره من القوانين؛ فهو كافرٌ مرتدٌ عنِ الإسلام، قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ. وكذلك الذي يطلبُ التحاكمُ إلى غير شرع الله، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً إلى قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً .
ومن نواقض الإسلامِ المنتشرة بين كثيرٍ من المسلمينَ اليوم: تركُ الصلاة؛ فتاركُ الصلاةِ إما أن يكون قد تركها جحداً لوجوبها، فذلكم كافرٌ بإجماع العلماء، وإما أن يكونَ تركها تهاوُناً وتكاسلاً، فهذا يُدْعَى لها ويُؤمرُ بها؛ فإن أقامها كان من المسلمين، وإنْ أصر على تركها؛ فهو كافرٌ والعياذُ بالله. قال تعالى: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وقال تعالى: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ . وقد قال : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر رواه أحمد، دلَّ الحديث على أن الصلاةَ، هي الفارقةُ بين الكافر والمسلم، فمن لم يصل فليس بمسلم، وقال : بينَ العبدِ وبين الكفرِ أو الشركِ تركُ الصلاة رواه مسلم، وعلى المسلم أن يُراعِى واجبَ الله فيهم، وأنْ يناصِحَهم، وأن يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، أو يقاطعهم .
أيها المسلمون: ومن نواقض الإسلام التي كثر انتشارها اليوم في المجتمعات الإسلامية اعتناق المبادئ الهدامة كالشيوعية والاشتراكية، والقومياتِ المناهضة للإسلام، فمن صوَّب شيئاً منها، أو دافعَ عنها، أو ظاهَرَ أهله على المسلمين، فقد ارتد عن دين الإسلام.
ومن نواقض الإسلام أنّ من لم يكفرِ المشركين، أو يشكُّ في كفرهم، أو يُصححُ مذهبهم، فقد ارتد عن دين الإسلام .
أما الناقض الآخر من نواقض الإسلام: السحر، من عمِل به أو رضيه، فقد كفر، كما قال تعالى: (( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ )) ، ومن ذلكم مظاهرتُهُم مظاهرةَ المشركين، ومعاونَتِهِم على المسلمين، كما قال تعالى:وَمَنْ يَتَوَلَّهُم مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ.
ومن نواقض الإسلام: أن يعتقد أن أحداً من الناس يسعه الخروجُ من دينِ محمدٍ ، كما وسع الخِضر الخروجَ من شرعِ موسى عليه السلام .
ومن نواقضِ الإسلام: الإعراضُ عن دينِ الله، وعن تعلُّمِ شرعِه، وعنِ العملِ به، قال تعالى:وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا .
فاتقوا الله أيها المسلمون، وعَضُّوا على دينِكم بالنواجد، واحفظوه، واسألوا الله الثبات على ما أكرمكم به من دين الإسلام، واستعيذوا بالله من زيغ القلوب، وابتعدوا عن الأسباب التي قد تجر إليكم ما يناقض أصل دينكم عياذاً بالله .
أقول ماتسمعون وأستغفرالله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الخطبـــــــــــــــة الثانيـــــــــــــــــة :
الحمد لله، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبه ربنا ويرضاه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها النجاة يومَ نلقاه، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وعلى من تمسك بهديه إلى أن يلقى الله.
أما بعــــــــــــــــــد :
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، واعلموا أنكم في زمانٍ غدا الإسلام فيه غريباً بين أهله، غريباً حتى بين المنتسبين إليه، وزَعَمَ الإسلامَ مَن هو منه براء، وأصبح الإسلام، يَـــتَسَمَّى به الموحِّدُ والمخَرّف، والمتبعُ والمبتدع، والمحقُّ والمبْطِل.
إن الإسلام ليس مجردَ دعوى بلا حقيقة، وإن ارتكابَ ناقضٍ من نواقض الإسلام، كفيلٌ بأن يُزيح هذا الشرفَ العظيمَ عن فاعله، ولو أدى كثيراً من شعائره، أو حُسِب على المسلمين، وهو في الحقيقة ليس منهم.
فاتقوا الله عبادَ اللهِ حقَّ التقوى، واعرفوا نواقضَ دينِكُم، واستمْسِكُوا مِنَ الإسلامِ بالعروةِ الوثقى.
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبينا محمد، كما أمركم اللهُ بالصلاة والسلام عليه، فقال سبحانه: إِنّ الله وملائكتَهُ يُصلُّونَ عَلَى النّبي يَــأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيدهم بتأييدك، ووفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وانصر بهم دينك، وأعلِ بهم كلمتك، يا ودودُ يا كريم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين المؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات.
اللهم احقِن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم نفِّس كربَهم، وفرِّج همَّهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، في فلسطين وسوريا وفي كل مكان، اللهم انصرهم يا قويُّ يا عزيز.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .