فضل صيام يوم عاشوراء بتاريخ 23/11/2012م 9 محرم 1434 هــ لطالب العلم // إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
الخطبــــــــــــــــــــة الأولــــــــــــــــى
الحمد لله مُدّبرُ الأحوال، ومنشئُ السحابَ الثقال، أحمدُه سبحانه وأشكره مُسبغِ النعم والأفضال، له الحمد في الأولى والآخرة وإليه المآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، المتفردِ بالعظمة والجلال، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله ربَّى الصفوة من الرجال الذين قضوا على معالم الكفر والضلال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، وسلم تسليماً كثيراً.
أمــــــــــــا بعـــــــــــــــــــــــــد:
فــاتقوا الله عزوجل، وتوبوا إليه واستغفروه.
أيها المسلمون: إن شهرَ محرم من الأشهر الحُرم التي ذكرها الله تعالى في كتابه، فقال:
( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثٌ متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ) رواه البخاري ومسلم.
وسمي هذا الشهر محرماً لتحريمِ القتال فيه .
وتأملوا ما قصه الله في كتابه المبين؛ عن أنبيائه وأتباعهم، وما حصل لهم من النصر والتمكين، وما قصه عن أعدائه الكافرين، وما حل بهم من العقاب والخسران المبين ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ .
وإن مما قصه الله علينا في كتابه الكريم، في هذا الشهر، شهر الله المحرم، قصةُ موسى عليه السلام مع فرعون، تلك القصةُ التي تبينُ انتصارَ الحقِّ على الباطل، وإنَّ فرعونَ على ما أوتي من القوة والجبروت، كان يتخوفُ من ظهور الحقِّ على يدِ خصومه من بني إسرائيل، فعملَ كلَّ ما بوسعه من الاحتياطات، فجعل يستضعف خصومَه، ويقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم، ولكن مشيئة الله نافذة، وقدرتُهُ قاهرة، فشاء الله أن يولد موسى عليه السلام في بني اسرائيل، وأن ينجو من القتل، وأن يتربى في بيت فرعون، تحرُسُهُ عنايةُ الله، حتى كبِرَ وبلَغ أشده، وقتل رجلاً من آلِ فرعون، ففرَّ هارباً إلى أرض مدين، ومكث معهم عدَّةَ سنين، ثم عاد إلى أرض مصر، وفي طريقه كلمه الله بوحيه، وبعثه برسالته إلى فرعون، وآتاه من الآيات ما يدل على صدقه، ولكنَّ فرعونَ عاندَ وكابر ﴿ فَكَذَّبَ وَعَصَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ﴾ .
وادعى أن ما جاء به موسى سحر، وأن عنده من السحر ما يبطله، وجمع السحرة من جميع مملكته، فعرضوا ما عندهم من السحر، وعرض موسى ما عنده من الآيات البينات ﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ .
وعند ذلك لجأ فرعونُ إلى القوة والبطش، وهدد وتوعد، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يخرج بالمؤمنين ويتوجه بهم إلى حيثُ أمره الله، فعند ذلك استنفر فرعونُ جنوده، وجمع قوته وخرج إليهم لكي يبيدهم، فانتهى موسى بمن معه من المؤمنين إلى البحر، ولحِق بهم فرعونُ وجنوده، وهناك تزايدَ خوفُ المؤمنين البحرَ أمامهم، والعدوُّ من خلفهم ، ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَا الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ ، فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه ذلك البحرُ الهائج، فضربه فانفتح طُرُقاً يابسةً على قدر القوم، فسار فيها موسى وقومه لا يخاف دركا ولا يخشى، ودخل فرعونُ وجنودُه في أثرهم، فلما تكامل قوم موسى خارجين من البحر، وتكامل قومُ فرعون داخلين فيه، فانطبق عليهم وأغرقهم أجمعين.
وهكذا انتصر الحقُّ على الباطل، وصدق الله وعده، وأعز جنده، وحصل ما أخبر به موسى عليه السلام قومه حين قال لهم: ﴿ قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ ، وتحققت إرادةُ الله التي أخبر عنها بقوله: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ .
وقد حصل هذا الحدثُ العظيم في اليومِ العاشر من شهر الله المحرم، وهو يومُ عاشوراء، يومٌ له فضيلة عظيمة، قد صامه موسى عليه السلام شكراً لله عز وجل، وصامه نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه، مع صومِ يومٍ قبله أو بعده، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما هذا اليوم الذي تصومونه !؟ ) ، قالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فنحنُ أحقُّ وأولى بموسى منكم ) . فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه .رواه البخاري ومسلم
وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء، فقال: ( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) ، وقد عزم النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره على أن لا يصومه مفرداً، بل يضم إليه يوماً آخر، مخالفةً لأهلِ الكتاب في صيامه .
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه . قالوا يا رسول الله: إنه يومٌ تعظمه اليهودُ والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإذا كان العامُ المقبلَ إن شاء الله صمنا اليومَ التاسع ) . قال: فلم يأتِ العامُ المقبل حتى تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( صوموا يومَ عاشوراء، وخالفوا اليهود صوموا قبله يوماً وبعده يوماً ) . وفي روايةٍ أخرى : ( أو بعده يوماً ) .
ومن كان ناسياً ، فإن هذا اليوم هو اليومُ التاسعُ من شهر الله المحرم، وغداً هو اليومُ العاشرُ، فمن كان سيصومُ يومَ الغد، فليضف إليه يومَ الأحد، لمخالفةِ اليهود في صيامه.
أما قولُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افْـتُرض عليكم ) رواه الترمذي وأهل السنن.
ويُكره إفراد يوم السبت بصيام ، ويُحرمُ قصدُ صيامه .
وقد روى البخاري عن جويريةُ بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: أصمت أمس ؟ قالت: لا ، قال: تريدين أن تصومي غداً ؟ قالت: لا ، قال: فأفطري .
وبهذا يصح صيامُ يوم السبت إذا أُضيف إليه غيره، قبله أو بعده .
وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ ) رواه مسلم.
فصوموا أيها المسلمون هذه الأيام، ولا تبخلوا على أنفسكم، بطلب هذا الأجر من الله تعالى، وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السمواتُ والأرض.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبــــــــــــــــــــــة الثانيــــــــــــــــــــــة
الحمد لله رب العالمين، لا رب لنا سواه ولا معبود لنا غيره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى تركنا على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واشكروا ربكم على نعمه يزدكم، واعرفوا له قدره وحقه، واستعينوا بنعمه على طاعته،
واستعدوا لما أماكم من الجزاء والحساب، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، فتقوى الله كفايةُ كلُّ هم، وزوالُ كلُّ غم.
﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ .
واعلموا أن الله قد أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبحةِ بقدسه، فقال في كتابه: إِنّ الله وملائكته يُصلون عَلَى النّبي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق كلَّ من يريدُ الخيرَ للبلاد، وأيدهم بتأييدك، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، اللهم انصر بهم دينك، وأعلِ بهم كلمتك، وارزقهم البطانةَ الصالحة، ووفقهم إلى ما فيه عِزَّ الإسلام وصلاحٍ للمسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين المؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات.
اللهم وفق الطلاب في امتحاناتهم، وبارك لهم في أوقاتهم، وارزقهم حب المذاكرة ياربَّ العالمين.
اللهم احقِن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم نفِّس كربَهم، وفرِّج همَّهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في فلسطين وسوريا وبورما وفي كل مكان، اللهم انصرهم يا قويُّ يا عزيز.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .