خطبة عن ما بعد رمضان بتاريخ 24 /8 /2012م 6شوال1433هـ للشيخ إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
الخطبـــــــــــة الأولـــــــــــــــــى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد ، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل .
أيها المسلمون :
كنتم في شهرٍ عظيم ، شهر الرحمة والمغفرة ، تصومون نهاره ، وتقومون ليله ، ثم انتهت تلك الأيام ، فليحاسب كل منا نفسه ماذا قدم في هذا الشهر، فمن قدم خيراً فليحمد الله على ذلك ، وليتب إلى ربه من كان مفرطاً فيه ، قال تعالى :- (( وأقم الصلوة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )) ، وقال تعالى :- (( إلا من تاب وءامن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً )) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- (( وأتبع السيئة الحسنة تمحها )) رواه أحمد.
أخي المسلم : يا من عرفت الله في رمضان كيف نسيته بعد رمضان ؟ ... يا من عرفت في رمضان أن الله قد أوجب عليك الصلوات الخمس في المساجد كيف تجاهلت ذلك بعد رمضان ؟ ... يا من كنتم تملؤون المساجد في رمضان وتتلون القرآن فيها ، كيف هجرتم المساجد والقرآن بعد رمضان ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- (( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفاة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )) رواه مسلم .
ولله عبادات تدى في مواقيتها المحددة منها ما هو أركانٌ للإسلام ، ومنها ما هو مكملٌ له ، فالصلوات الخمس تؤدى في كل يوم وليلة ، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين ، وهي عمود الإسلام ، والجمعة تؤدى كل أسبوع ، وهي من أعظم شعائر الإسلام ، والزكاة قرينة الصلاة ، وصيام رمضان يجب في كل سنة ، وحج بيت الله الحرام يجب على المسلم المستطيع في العمر مرة ، وكذلك العمرة .
وإلى جانب هذه العبادات الواجبة عبادات مستحبة مثل : نوافل الصلاة ونوافل الصدقات ونوافل الصيام ونوافل الحج والعمرة ، وهذا يدل على أن حياة المسلم كلها عبادة إما واجبة وإما مستحبة .
فالذي يظن أن العبادة مطلوبة منه في رمضان فقط فهو جاهل بذلك ولم يعرف دينه ، إن هذا الإنسان مقطوع الصلة بالله ، ولم يطع ربه إلا في رمضان ، وهناك من لا يصلي إلا في رمضان ، فيترك الصلوات أحد عشر شهراً ، بئس هؤلاء القوم كيف سيقبل الله منهم صيام رمضان ، وعليهم أن يتوبوا من هذا العمل توبة نصوحاً ، ويشترط لصحة التوبة ثلاثة شروط : أولها :- ترك الذنوب تركاً نهائياً . أما من تاب بلسانه وهو قائم على الذنوب فتوبته غير مقبولة .
أما الشرط الثاني : أن يندم على ما حصل منه من الذنوب .
أما الشرط الثالث والمهم : أن يعزم على أن لا يعود إلى المعاصي ، ولكن من تاب من المعاصي في رمضان ، وفي نيته العودة إليها بعد رمضان فتوبته غير مقبولة . قال تعالى : (( يأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون )) .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الخطبــــــة الثانيـــــة
الحمدلله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعــد :
أيها المسلمون اتقوا الله تعالى حق التقوى ، وتابعوا فعل الأعمال الصالحة بعد رمضان ، وتنبهوا لأنفسكم ، وانظروا لحالكم بعد رمضان ، واعلموا أن الأعمال الصالحة كثيرة لا تعد ولا تحصى ، فمن الأعمال الصالحة بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال لما فيه من الأجر والثواب ، قال صلى الله عليه وسلم : (( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر )) رواه مسلم . لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فرمضان عن عشرة أهر ، وستة أيام من شوال عن شهرين ، فصُم أيها المسلم هذه الأيام الست سواءٌ أكان في أول الشهر ، أو في وسطه ، أو في آخره ، متتابعةً أو متفرقة ، ولا تبخل على نفسك بصيام هذه الأيام ، فكما تحملت صيام ثلاثين يوماً ، فتحمل أيها المسلم وصم هذه الأيام ، ولا تتركها فتحرمَ الأجرَ العظيم .
أيها المسلمون : حافظوا على ما اكتسبتم من الحسنات في رمضان ، ولا تفسدوه بالرجوع إلى المعاصي ، فتهدموا كا ما بنيتموه ، قال تعالى : (( فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون )) .
فمن فاتته التوبة في رمضان فلا يقنط من رحمة الله فإن الله يتوب على من تاب ، ويغفر الذنوب لمن رجع إليه واناب . قال تعالى : (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم )) .
هذا ؛ وصلُّوا رحمكم الله على خير البرية ، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله ، فقد أمركم الله بذلك في قوله : إِنّ الله وملائكته يُصلون على النبئ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة : أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين .اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين .
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .عباد الله ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ،
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .