آداب رمضان بتاريخ 3/8/2012م 15 رمضان 1433هـ للشيخ إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
الخطبـــــــــة الأولــــــــــــــــى
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ شَهْرَ رَمَضَانَ مَوْسِماً لِلطَّاعَاتِ, وَأَفَاضَ عَلَى الصَّائِمِينَ نَعِيمَ الرِّضْوَانِ وَالنَّفَحَاتِ, وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَرَعَ الصَّوْمَ صِحَّةً لِلأَبْدَانِ وَالأَرْوَاحِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ هَدَى أُمَّتَهُ لِطَرِيقِ الْبِرِّ وَالْفَلاَحِ, اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي التُّقَى وَالنُّهَى, وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى طَرِيقِهِمْ وَاقْتَفَى, وَسلِّمْ تَسْلِيمًا كثيرا .
أما بعــــــــــــد:
معاشر المؤمنين:
شهر رمضان شهر الصبر والسماحة والغفران ،شهر تفتح الجنان والعتق من النيران ، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، هذا شهركم الذي من صام نهاره ايمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه، ومن قام ليله غفر له ماتقدم من ذنبه ،هذا شهركم الذي لله فيه عتقاء من النار في كل يوم وليلة ، هذا شهركم الذي تجاب فيه الدعوات وترفع فيه الدرجات وتغفر فيه الزلات ، هذا شهركم الذي فيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر.
فاحمدوا الله تعالى واشكروه ،وتوبوا اليه واستغفروه ،وارغبوا اليه واعبدوه ،"ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون" :"واستبشروا ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم ((قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)).
معاشر المؤمنين:
لكل عبادة حقيقة تتحقق ومقاصد ترتجى وثمار تبتغى ، وما الافعال الحسية من الامساك عن المفطرات الا تمرين وتهيئة نفسية ووجدانية تغذيها النية الصالحة لتحقيق المقصد والثمرة ، وثمرة الصيام ومقصوده هو تحقيق التقوى في قلب العبد كما بين ربنا جل وعلا عند فرض الصيام فقال سبحانه : يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] .
واعلموا أن هذه التقوى إنما تتحقق بصيام التعبد لله ،صيام الرجاء في رحمته والخوف من سخطه ،صيام السعي لمرضاته والحذر من سخطه ، صيام المجاهدة للنفس وتزكيتها ، صيام الصبر وحسن الخلق ، صيام العفة والورع ، صيام البر والرحمة ،صيام الاحسان والصلة ،ذلكم –عبادالله-الصيام الشرعي صيام محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه: ((الصيام جنة)) أي وقاية من الشهوات المحرمة ومن عذاب الله وسخطه ‘هو صيام العبادة لله الذي قال فيه ربنا جل وعلا في الحديث القدسي "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به "،انه الصيام الذي تفتح لصاحبه الجنان وتغلق عنه النيران ويغفر له ماتقدم من ذنبه وتجاب فيه دعوته وتعتق فيه رقبته، ليس صيام العادة وليس هو الإمساك عن المفطرات ثم الانغماس في الشهوات واطلاق الالسنة في الاعراض واللغو والكذب وإطلاق البصر في الموبقات والجرأة على أكل المحرمات ، قال : ((من لم يدع قول الزور ـ أي: الكذب ـ والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه))،
ألا فاتقوا الله أيها المؤمنون، واستجيبوا لربكم لعلكم تفلحون، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]. تعرّضوا لأسباب رحمة الله في هذا الشهر الكريم فإنها كثيرة لا يحصرها بيان، واعلموا أن الله تعالى يعطي فيه الكثير من الأجر على قليل العمل، ويتجاوز عن عظيم الذنب وكثير الزلل، وهذا كله من فضله وجوده وكرمه عز وجل فاستكثروا فيه من أنواع الإحسان، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، لا تحقروا معروفًا تبذلونه ولو كان قليلاً، ارحموا الضعفاء من اليتامى والنساء والمساكين، وأعطوا المحرومين، وأسعفوا المضطرين، وأغيثوا الملهوفين، وواسوا المنكوبين، وأكثروا من تلاوة القرآن، واشتغلوا بالذكر والدعاء، وانتصروا على ذواتكم وأنفسكم التي بين جنوبكم وطهروا قلوبكم ، تفوزوا برضوان ربكم وتظفروا بجنته " سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ،والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين "(آل عمران 133-136)
ومن أراد أن يستوفي أجره فليهتدي بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويتحرى آدابه ،فقدكان من هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان الجود الذي كان فيه المثل الاعلى ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ). وجاء في رواية أخرى: (... وكاَنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَة(متفق عليه) ، الجود في طاعة الله والجود في الكرم والسخاء والعطاء والجود بحسن الخلق والاحسان، كما كان هديه ملازمة القرآن تلاوة وتدارسا وصلاة فرمضان شهر أنزل فيه القرآن وقد تدارسه في عامه الاخير مع جبريل عليه السلام مرتين وهكذا سار على هديه الصحابة والتابعون يقبلون على كتاب الله يلتزمونه ويدعون ماسواه.
وفقنا الله لرضاه وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، أقول ماتسمعون وأستغفرالله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الخطبــــــة الثانيــــــــــــــــة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأكرمنا بالإيمان وشرفنا بالقرآن ، وأشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له جعل أمتنا خير أمة أخرجت للناس، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعـــــــــــــــــد:
معاشر المؤمنين :
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم قيام الليل طوال شهر رمضان وحث عليه بقوله "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه " فقام لياليه هو وأصحابه وكان اكثر اجتهادا في العشر الأواخر من رمضان ، ومن سنن الصيام التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجيل الفطر وتأخير السحور ، قال صلى الله عليه وسلم "لايزال الناس بخير ماعجلوا الفطر " متفق عليه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه .
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الدعاء عند الإفطار:
قال صلى الله عليه وسلم: "إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة – يعني في رمضان –وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوةً مستجابة " (رواه البزار وقال الالباني:صحيح لغيره ) وسن الدعاء :"اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" وكان من هديه صلى الله عليه وسلم التسامح والإعراض عن الجاهلين: قال صلى الله عليه وسلم: "الصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب - وفي رواية: ولا يجهل- فإن امرؤ سابه أو قاتله فليقل: إني صائم، مرتين" (متفق عليه عن أبي هريرة).
الا فاتقوا الله عباد الله وأقبلوا على ربكم واقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم وأحسنوا وفادة شهركم تكونوا في لياليه وأيامه من عبادالله المقربين وأولياءه المتقين وعند ختامه من السعداء المقبولين وعتقاءه المرحومين ، هذا وصلوا وسلموا على خير الانام وسيد الرسل الكرام كما قضى ربكم وأمر في كتابه " يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة : أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين،
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ، اللهم ألِّف بين قلوبهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احقِن دماءهم وأعراضهم وأموالهم يا حي يا قيوم، يا سميع الدعاء.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً.
اللهم وحِّد صفوف المسلمين، ، وألِّف بين قلوبهم يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة : 201].
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) ، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] .