ألقى فضيلة الشيخ / إبراهيم البغدادي إمام وخطيب مسجد عبدالرحمن الغافقي أول خطبة في هذا المسجد بعنوان استقبال شهر رمضان وذلك في الأول من رمضان الموافق 20 / 7 / 2012م يوم الجمعة .
1 - رمضان - 1433 هــ
استقبال شهر رمضان
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد ، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل .
أيها المسلمون :
شرع الله الصيام لتهذيب النفوس وصقلها وتدريبها على مراقبة الله جلا وعلا .
يقول الله عزوجل : (( يأيها الذين ءامنُوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات)) .
ثم بين سبحانه وتعالى أن هذه الأيام المعدودات هي شهر رمضان بقوله جل جلاله : (( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه )) .
إن الصيام فريضة فرَضَه الله على عباده، فهو أحد أركان الإسلام، مَن أنكر وجوبه فهو كافر بالله، مُكذبٌ لله ورسوله، خارجٌ عن جماعة المسلمين، فهو فرضٌ على كل مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ قادرٍ مقيمٍ، فأما الصغير الذي لم يبلغ فلا صيام عليه لكن يؤمر به إذا كان يستطيعه ليعتاد عليه .
فاغتنموا هذا الشهر الكريم بالتوبة والرجوع إلى الله ؛ فإن الله سبحانه يدعو عباده المقصرين بقوله : (( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) .
فمن الحكم التي من أجلها شُرع الصوم التضييق على الشيطان فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
وقال صلى الله عليه وسلم
إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار،وصفدت الشياطين) رواه البخاري ومسلم.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة،ورمضانَ إلى رمضانَ مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم .
لقد خابَ مَن يصوم ويضيّع الصلاة، ومَن يتسحَّر وينام عن صلاة الفجر مع الجماعة وربما نامَ ولم يصلِّ الفجر إلا بعد طلوع الشمس .
وكذلك فإن الحسنات تضاعف في رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم : { كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف يقول الله عز وجل إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به } رواه ابن ماجه .
وتزودوا بالأعمال الصالحة في هذا الشهر الكريم والتي منها :
القيام لقوله صلى الله عليه وسلم { من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } متفق عليه .
ولا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط ، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) [أخرجه البخاري] .
احفظوا صيامكم عن كل قول مُحرّم: من السب والشتم والكذب والغِيبة والنّميمة واللغو والفحش .
احفظوا صيامكم عن كل عمل محرّم من الغش والخيانة في البيع والشراء والربا تحيّلاً عليه أو صراحةً .
واحرصوا على صلاة التراويح مع الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم { من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة} رواه الترمذي.
وكان صلى الله عليه وسلم «لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة»البخاري ومسلم و«ربما صلى ثلاثة عشر ركعة»البخاري ومسلم ؛ ولهذا لَمّا سئلت عائشة - رضي الله عنها - كيف كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ؟ فقالت: «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة» متفق عليه ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة» البخاري ومسلم .
ومن الأعمال أيضاً الاكثار من الصدقة ومن الصدقة تفطير الصائمين لقوله صلى الله عليه وسلم :{ من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء}.
وعمرة في رمضان تعدل حجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأكثروا من الاستغفار والدعاء خاصةً عند الإفطار.
وقد وعد الله عباده بالفرح في الآخرة : كما جاء في الحديث : (للصائم فرحتان : فرحةٌ عند فطره ، وفرحةٌ عند لقاء ربه) رواه البخاري ومسلم.
أما فرحُهُ عند فطره فيفرح بِما أنعم الله عليه من إكمال صوم يومه، ومِمَّا أباح الله له من تناول ما كان ممنوعًا منه في الصيام، وأما فرحُهُ عند لقاء ربه فيفرح بِما أَعَدَّ الله له من الثواب الجزيل والفوز بدار السلام والنعيم المقيم .
وكذلك فإن في السحور أجر عظيم لقوله صلى الله عليه وسلم :- (تسحروا فإن في السحور بركة) رواه البخاري وأهل السنن.
وقال صلى الله عليه وسلم : (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) رواه الترمذي .
وكذلك التعجيل بالفطر فقد قال صلى الله عليه وسلم :- (أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا) رواه الدارقطني .
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الخطبــــــــــة الثانيـــــة :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
فقد خص الله الصائمين بباب يدخلون منه إلى الجنة : لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة بابا يقال له: الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرُهُم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد)) رواه البخاري ومسلم .
شهر رمضان هو شهر القرآن ينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته ، فقد كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان ، وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يختم القرآن كل يوم مرة ، وكان بعض السلف يختمون في قيام رمضان في كل ثلاثِ ليال ، وبعضهم في كل سبع ، وبعضهم في كل عشر ، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها ، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة ، يقرؤها في غير الصلاة .
هذا ؛ وصلُّوا رحمكم الله على خير البرية ، وأزكى البشرية : محمد بن عبد الله ، فقد أمركم الله بذلك في قوله : إِنّ الله وملائكته يُصلون على النبئ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب : 56] .
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة : أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ، اللهم ألِّف بين قلوبهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احقِن دماءهم وأعراضهم وأموالهم يا حي يا قيوم، يا سميع الدعاء.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً.
اللهم وحِّد صفوف المسلمين، ، وألِّف بين قلوبهم يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة : 201].
عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) ، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45]