فضائل أشهر الحج وعشر ذي الحجة بتاريخ 12/10/2012م 26 ذو القعدة1433هـ للشيخ وطالب العلم إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
الخطبــــــــــــــــــة الأولـــــــــــــى:
الحمدلله على ما خصنا به من الفضل والإكرام، فما زال يوالي علينا مواسم الخير والإنعام، ما انتهى شهرُ رمضان حتى أعقبه بأشهر الحج إلى بيته الحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، وطاف بالبيت الحرام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، واشكروه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ومن أعظمها أن جعل لكم البيت الحرام، يتجه إليه المسلمون في صلواتهم من جميع أقطار الأرض، ويفدون إليه حاجين ومعتمرين من كل فج عميق، وبيت الله الحرام أُسس على التوحيد حين أمر الله إبراهيمَ وإسماعيلَ ببنائه، حيث قال تعالى: ((وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ)) ، وقال تعالى: ((وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكَ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَآئِمينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ)) .
وبيت الله الحرام له خصائصُ عظيمةٌ منها :
أنه أولُ بيت وُضِع للناس على الأرض، قال تعالى: ((إن أولَ بيتٍ وُضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين فيه ءاياتٌ بيناتٌ مَّقامُ إبراهيم ومن دخله كان ءامناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً )).
فأخبر سبحانه أنه أول المساجد في الأرض، فهو قبل بيت المقدس، وإليه يتجه الناس في صلاتهم، ويأتون إليه حجاجاً ومعتمرين ، وقوله تعالى: ((فيه ءاياتٌ بيناتٌ)) ، أي : دلالات واضحات على التوحيد، من الركن والمقام، والصفا والمروة والشعائر كلها.
وقوله تعالى: (( ومن دخله كان ءامناً )) ، أي أن الله جعل حول هذا البيت حرماً إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، حتى إن الصيد فيه لا يُقتل، ولا يُقطع شجره، ولا يُقلع حشيشه.
ومن خصائص بيت الله الحرام:
أنه لا يُشرع الطوافُ بغيره على وجه الأرض، فلا يُشرعُ أن يطافَ بالقبور والأضرحة.
ومن خصائص هذا البيت : أن الله أوجب على الأمة كلها حجَّهُ كلَّ عام، وأوجب على الأفراد حَجَّه مرةً واحدةً في العمر مع الاستطاعة، قال تعالى: (( ولله على الناس حجُّ البيت من استطاع إليه سبيلاً )) .
وإنما شرع الله للناس الحج إلى بيته ليشهدوا منافع لهم، لا لحاجةٍ به إلى الحجاج، كما يحتاج المخلوق إلى من يقصده ويعظمه.
وقد حكم الله بكفر من ترك الحج وهو قادرٌ عليه، فقال تعالى: (( ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين )).
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( من ملك زاداً وراحلةً، ولم يحج بيت الله، فلا يضره مات يهودياً أو نصرانياً)) ، وذلك بأن الله قال: (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غنيٌّ عن العالمين )) رواه الترمذي.
وقال الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: (( من أطاق الحج فلم يحج، فسواءٌ عليه مات يهودياً أو نصرانياً )).
والحجٌّ عباد الله جهادٌ في سبيل الله، يُنفَقُ فيه المال، ويُتعَبُ فيه البدن، ويُتركُ من أجله الأولاد والبلاد، إجابةً لداعي الله، وتلبيةً لندائه على لسان خليله، إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال الله له: (( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُوماتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقيرِ ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)).
أيها المسلمون: ونحن الآن في أشهر الحج التي جعلها الله ميقاتاً للإحرام به، والتلبس به، حيث قال تعالى: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ ولَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهِ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى واتَّقُونِ يَأُولِي الْأَلْبَابِ)).
يخبرنا الله تعالى في هذه الآية أن الحج يقع في أشهرٍ معلومات : وهي شوال وذو القعدة وعشرة أيامٍ من ذي الحجة، أما قوله تعالى : ((مَعْلُومَاتٍ)) ، لأن الناس يعرفونها من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه )) رواه البخاري.
والحكمة في تأخير فرضية الحج عن الصلاة والزكاة والصوم، لأن الصلاة عماد الدين، وأنها تتكرر خمسَ مراتٍ في اليوم والليلة، ثم الزكاة لكونها قرينة الصلاة في أكثر المواضع، ثم الصوم لتكرره كلَّ سنة، هذا وقد فُرض الحج سنةَ تِسْعٍ من الهجرة، على أكثر قول الجمهور، ولم يحُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإسلام إلا حجَّةً واحدة هي حجة الوداع، وكانت سنة عشرٍ من الهجرة، واعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربعَ عُمر.
والعُمرة واجبةٌ في حق المسلمين، على قول كثيرٍ من العلماء، لقوله صلى الله عليه وسلم لما سُئل: هل على النساء من جهاد ؟ ، قال : (( نعم، عليهن جهادٌ لا قتال فيه: الحج والعمرة )) . رواه أحمدُ وابن ماجه بإسنادٍ صحيح.
فيجب الحج والعمرة على المسلم مرةً واحدةً في العمر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (( الحجُّ مرة، فمن زاد فهو تطوع )) رواه أحمدُ وغيره.
ويجب على المسلم أن يبادر بأداء الحج الواجب مع الإمكان، ويأثم إن أخره بلا عذر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (( تعجلوا إلى الحج، يعني (الفريضة)، فإن أحدكم لا يدري ما يَعرضُ له )) رواه أحمد.
وإنما يجب الحج بشروطٍ خمسة : هي الإسلام والعقل، والبلوغ والحرية، والاستطاعة، فمن توفرت فيه هذه الشروط وجب عليه المبادرة بأداء الحج.
ويصح الحج والعمرة من الصبي إذا كان نفلاً، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : (( أنّ امرأةً رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيّاً ، فقالت: ألهذا حج ؟ ، قال: نعم، ولكِ أجر)) رواه مسلم.
وقد أجمع أهل العلم على أن الصبي إذا حجَّ قبل أن يبلغ، فعليه الحجُّ إذا بلغ واستطاع، ولا تُجزئهُ تلك الحجة عن حجة الإسلام، وكذا عمرته.
إخوة الإسلام : أيامٌ قلائل تفصلنا عن شهر ذي الحجة، ففي أوله العشر المباركة، التي أقسم الله بها في كتابه، حيث قال سبحانه: (( والفجر وليالٍ عشر )) ، والمقصود بالليالي العشر هي عشر ذي الحجة، والله سبحانه وتعالى أقسم بهذه الليالي تعظيماً لشأنها وتنبيهاً لفضلها، وقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام )) ، يعني أيام العشر ، قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله ، قال: (( ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء )).
فدلّ هذا الحديث على أن العمل في هذه الأيام العشر أحبُّ إلى الله، وأنها أفضل إليه من الجهاد في سبيله، إلا جهادُ النفسِ والمال، وقد شرع الله لعباده صيام هذه الأيام، ما عدا اليوم العاشر، وهو يوم النحر، ومما يُشرعُ في هذه الأيام الإكثار من ذكر الله ولا سيما التكبير، حيث قال سبحانه: (( ويذكروا الله في أيامٍ مَّعْلُوماتٍ )) ، وهي أيامُ العشر عند جمهور العلماء، وأما الأيامُ المعدودات فهي أيام التشريق، لذلك يستحب الاكثارُ من ذكر الله في هذه الأيام العشر من التهليل والتكبير والتحميد، وأن يُجهرَ بذلك في الأسواق، كما روى البخاري عن ابن عمر وأبى هريرة رضي الله عنهما أنهما كانا يخرجان إلى السوق، فيُكبرانِ ويكبرَ الناسُ بتكبيرهما، وهذا من رحمة الله وفضله.
وقد جُعل موسم العشر مشتركاً بين الحجاجِ وغيرهم، فمن لم يقدر على الحج، فإنه يقدرُ على أن يعمل في هذه الأيامِ العشر، عملاً أفضل من الجهاد.
فاتقوا الله عباد الله، وبادروا بالعمل الصالح في هذه الأيام المباركة، ولا تضيعوا على أنفسكم هذا الأجر، واشكروا الله على نعمه التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.
أقول ماتسمعون وأستغفرالله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
الخطبــــــــــــــــــــــــــــــة الثــانيـــــــــــــــــــــــــــــــــة:
الحمدلله الذي جعل الأوقات مواسم للطاعات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وألوهيته وماله من الأسماء والصفات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حثَّ على اغتنام مواسم الخير قبل الفوات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين يسارعون في الخيرات، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى، واحفظوا أوقاتكم بفعل ما شرع لكم فيها من الطاعات، لتجدوا ثوابها مدّخراً، ولا تكونوا ممن ضيعوا أوقاتهم، فيتحسرون ويندمون على ما أضاعوه من الأوقات.
فكما أن من صام وقام رمضان، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن حجَّ البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكذلك من عمل صالحاً في الأيام العشر، من ذكرٍ وصيامٍ وبذلٍ للصدقات، فإن أجرَهُ يُضاعف، وسيئاتهُ تُكفَّر.
فبادروا بالطاعات والعمل الصالح في هذه الأيام، واحفظوا أوقاتكم فيما يسركم، ولا تُضيعوها فيما يضركم، وتسابقوا إلى الخيرات، كما قال تعالى: (( سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )).
وقال في آيةٍ أخرى: (( سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللهِ وَرُسِلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَّشَآءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )).
هذا ؛ وصلُّوا وسلموا على خير البرية ، وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك في قوله: (( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءّامَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) .
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين .
اللهم وفق قيادة البلاد لما فيه خير العباد والبلاد .
اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحب العفو فاعف عنا، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
اللهم انصر إخواننا في سوريا، اللهم فرج عنهم، اللهم اشف جرحاهم، وارحم موتاهم.
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله :
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ،
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
- المرفقات
- فضائل عشر ذي الحجة.doc
- لا تتوفر على صلاحيات كافية لتحميل هذه المرفقات.
- (55 Ko) عدد مرات التنزيل 0