شرح بعض أسماء الله الحسنى بتاريخ 30/11/2012م 16 محرم 1434 هــ لطالب العلم // إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
إبراهيم البغدادي ينقل خطبه من العلماء الثقات أمثال الشيخ محمد بن عثيمين وعبدالعزيز بن باز رحمهم الله وصالح الفوزان وصالح آل الشيخ حفظهم الله
الخطبــــــــــــــــة الأولــــــــــــــــى
الحمد لله المتفردِ بكمالِ الصفات، المتنزَّهِ عن العيوبِ والنقائصِ والآفات، خلق السماوات والأرضَ وما بينهما في ستةِ أيام، ولو شاء لخلقها في لحظات، له الملك وله الحمد، وله الأمر في جميع الأوقات، فسبحانه من إلهٍ عظيم، وملكٍ ربٍّ رحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته والأسماء والصفات، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، المصطفى على جميع البريات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسانٍ مدى الأوقات، وسلم تسليماً.
أما بعـــــــــــــــــد:
فاتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله لا شريك له في جميع صفاته، ولا مضاهي له في أسمائه وتقديراته، واعرفوا ما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا فإن معرفةَ ذلك زيادةٌ في الإيمان، وتثبيتٌ على الحق؛ فمن أسمائه تعالى (القدوس السلام) أما القدوسُ فهو الذي تقدس وتعالى عن كل نقصٍ وعيب؛ فالنقص لا يجوز عليه، ولا يمكن في حقه، لأنه تعالى الرب الكامل، المستحِق للعبادة، وأما السلام فهو السالمُ من كل نقصٍ وعيب، ومن مشابهةِ المخلوقين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ومن أسمائه تعالى (الرحمن الرحيم) الذي هو أرحم بعباده، فما من نعمةٍ وُجدِت إلا من رحمته، وما من نقمةٍ دُفِعت إلا من آثار رحمته، وهو (الملك) مالكُ العالمِ كلِّه، لا يتحركُ مخلوق إلا بعلمه وإرادته، وما يسكن من ساكن إلا بعلمه وإرادته، وهو (القدوس) الذي تقدس وتنزه عن النقائص والعيوب، فلقد خلق السماوات بما فيها من النجوم والأفلاك، وخلق الأرض بما فيها من البحار والأشجار والجبال، خلق كلَّ ذلك، وما بين السماوات والأرض في ستة أيام، وما مسه من تعب، وهو (القوي القهار) فما من مخلوقٍ إلا وتحتَ قدرتهِ وقهرِه، وما من جبروتٍ إلا وقد ذل لعظمته وسطوته، وهو (العليم) الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبين، يعلم ما توسوسُ به نفسُ العبد قبل أن يتكلم.
وهو (العلي) في ذاته فوق عرشه، العليُّ في صفاته، فما يشبههُ أحدٌ من خلقه، وهو (الغفور) الذي يغفر الذنوبَ وإن عَظُمتْ، ويسترُ العيوبَ وإن كَثرتْ، وفي الحديث القدسي عنه تبارك وتعالى يقول: { يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بملءِ الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بملئها مغفرة }رواه الترمذي، ومن أسمائه تعالى (القدير) ذو القدرةِ الكاملة، فما كان الله ليعجزهُ من شيء في السماوات ولا في الأرض، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، وهو (الحكيم) في شرعهِ وقدرِه، فما خلق شيئاً عبثاً، ولا شرعَ من عبادةٍ لهواً ولعباً، ومع ذلك فله الحكم أولاً وآخراً، وهو (الغني) بذاته عن جميع مخلوقاته، وهو (الكريم) بجزيل عطائه وهباته، وفي الحديث يقول الله تعالى: { يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيدٍ واحد، فسألوني فأعطيت ُكلَّ إنسانٍ مسألتَه، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقصُ المخيطُ إذا أُدْخِل البحر } رواه مسلم وغيره.
ومن أسمائه تعالى (السميع البصير) يسمع كلَّ شيء، ويرى كلَّ شيء، لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلقٍ في ظلماتٍ ثلاث، إن جَهَرْتَ بقولكَ سَمِعَه، وإن أَسْرَرْتَ به لصاحِبك سَمِعَه، وإنْ أخفيتهُ في نفسِك سَمِعَه، وأبلغُ من ذلك أنه يعلم ما توسوسُ به نفسُك، وإن لم تنطق به، إن فعلتَ فِعْلاً ظاهراً رآك، وإنْ فعلْتَ فِعْلاً باطناً، ولو في جوف بيتٍ مظلمٍ رآك، وإن تحركْتَ بجميعِ بَدَنِكَ رآك، وَإِنْ حرّكْتَ عضواً من أعضائِك رآك، وأبلغُ من ذلك أنه يعلم خائنةَ الأعينِ وما تخفي الصدور.
ومن أسمائه تعالى (الحي القيوم) وهو اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، فهو الحي الكامل في حياته، حياةٌ لم يسبقها عدم، ولا يلحقُها زوال، فهو الحي الذي لا يموت، وهو الباقي، وكل من عليها فان، أما القيوم الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميعِ خلقه.
وللقيوم معنى آخر وهو القائم على غيره، فكلُّ ما في السماوات والأرض؛ فإنه مضطرٌّ إلى الله، لا قِيامَ له ولا ثباتَ ولا وجودَ إلا بالله: { وَمِن ءَايَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ }.
ومن أسمائه تعالى (الرزاق) الذي عم برزقه كلَّ شيء، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، قال تعالى: { وَمَنْ يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبْ وَمَنْ يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهْوَ حَسْبُهُ } ، وهو سبحانه المعطي المانع، فكم من سائلٍ أعطاه سُؤلَه، وكم من محتاجٍ أعطاهُ حاجتَه، وإنه تعالى ليستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردَّهُما صُفراً، وكم منع سبحانه من بلاء، فلا مانع لما أَعطى، ولا مُعطيَ لما مَنَع، وهو سبحانه الذي بيده النفعُ والضر، إن جاءك نفعٌ فمن الله، وإن حصل عليك ضر لم يكشِفه سواه، ولوِ اجتمعتِ الأُمَّة على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمع الناس على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك.
فالجأ إليه أيها المسلمُ عند الشدائد تجده قريباً، وافزعْ إليه بالدعاء تجده مجيباً، وإذا عملت سوءاً أو ظلمت نفسك فاستغفره تجده غفوراً رحيماً.
ومن أسمائهِ تعالى (العزيز) فلله العزة جميعا، ولرسوله وللمؤمنين، فهو العزيز الذي لا يُغلبْ، فما من قوةٍ إلا وهي ذليلةٌ أمام عزةِ الله تعالى، ذَلَّتْ لعزتهِ الصِّعاب، ولانت لقوته الشدائدُ الصلاب.
يقول الله تبارك وتعالى: { وَللهِ الْأَسمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبــــــــــــــــــة الثانيـــــــــــــــــــة
الحمد لله العليِّ الأعلى، الكاملُ في الأسماء الحسنى والصفاتِ العليا، ربُّ السماواتِ وربُّ الأرضِ، وربُّ الآخرةِ والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الفضلِ والجودِ الذي لا يُحصى، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، أفضل من تعبد لله ودعا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم واهتدى، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعـــــــــــــــــــــــــــــــد:
فاتقوا الله تعالى
أيها الناس: ومن أسمائه تعالى (المتكبر) أي ذو الكبرياءِ والعظمة، فليس لأحدٍ من المخلوقين أن يُنازعَه في ذلك، ومن نازعه في الكبرياء أذاقه الله الذُلَّ والهوان، والمتكبرون يُحشرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّر، يطؤُهم الناسُ بأقدامهم، والذَّر هو اسمٌ يُطلقُ على صغار النمل.
عباد الله: اعلموا أن الله حكيم، يضع الأمورَ في مواضعِها، فلم يَخلُقْ خلقاً عبثاً، ولم يَشرع شَرعاً سَفَهاً، فكلُّ ما قضاه وقدَّرَه إنما لحكمة، وكلُّ ما شرعه لعباده من أمرٍ ونهيٍ؛ فإنما ذلك لحكمة، فإذا آمنتم بذلك حقَّ الإيمان، أوجب لكم أن تقفوا عند أفعالِ الله وأحكامه، وأن لا تعترضوا على شرعه، فإنْ تبينت لكمُ الحكمة، فذلك من فضل الله ونعمته، وإن لم تتبين لكمُ الحكمة، فكِلوا الأمرَ إلى العليمِ الحكيم، واعرفوا كمالَ علمِ الله وحكمته، ونقصِ علمِكم وحكمتِكم، وقولوا رضينا بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً.
أيها الناس: تفكروا في أسماء الله وصفاته، واعرفوا معناها وتعبدوا لله تعالى بها، وانظروا في ملكوت السماوات والأرض، وما خلق الله فيهما، من الآيات الدالة عليه، التي هي مقتضى أسمائه وصفاته، فإنَّ في كلِّ شيءٍ له آية، تدلُّ على أنه واحد.
واعلموا أن الله قد أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبحةِ بقدسه، فقال في كتابه: إِنّ الله وملائكته يُصلون عَلَى النّبي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيدهم بتأييدك، ووفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وانصر بهم دينك، وأعلِ بهم كلمتك، يا ودودُ يا كريم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين المؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات.
اللهم احقِن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم نفِّس كربَهم، وفرِّج همَّهم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم يا قويُّ يا عزيز.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .