بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الزوج أختي الزوجة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد
فإن الجماع من أهم الأمور التي راعاها الشرع الحكيم وجعل لها ضوابط وآداب ، حتى لا تكون طبية الإنسان كالبشر ، فقد كرم الله هذا الإنسان وفضله على كثير ممن خلق ، قال تعالى
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الاسراء:70)
وغرس سبحانه في الإنسان غريزة الشهوة وجعل له السبيل الشرعية التي يقضي فيها وطره وشهوته ، وهذا القضاء لا يكون فوضوياً ... لا ... بل جعل له ضوابط وآداب لها .
ومن الأمور المهمة التي ينبغي مراعاتها عند الجماع :
1. إخلاص النية لله عز وجل في هذا الأمر ، فينوي بفعله حفظ نفسه وأهله عن الحرام ، وأن يساهم في تكثير النسل ، فقد حث صلى الله عليه وسلم بالزواج ، وأخبر أنه يكاثر بأمته الأمم يوم القيامة ... وفيه كذلك عز للأمة وتكثير لسوادها .
وأنت أخي الكريم مأجور على ذلك متى أحسنت النية فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( وفي بُضع أحدكم صدقة ) - أي في جماعه لأهله - فقالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال عليه الصلاة والسلام : ( أرأيتم لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) رواه مسلم
فياله من فضل ، قضاء وأجر .
2. المداعبة والملاطفة :
نعم المداعبة والملاطفة أدب ينبغي مراعاته فكثير من الأزواج لا يهتم بهذا الأمر ، أهم شئ يقضي وطره فقط ، وينسى أن المداعبة قبل الجماع لها أثر في تحريك شهوة المرأة وزيادة رغبتها حتى تستعد له ، وتتبادل معه لذة الجماع ، أما إذا بدأ بالجماع مباشرة ، فقد ينتهي من شهوته وقضاء وطره قبل أن تصل هي إلى ذلك .... قال ابن قادمة رحمه الله: ويستحب أن يلاعب امرأته قبل الجماع لتنهض شهوتها، فتنال من لذة الجماع مثل ما ناله، وقد روي عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال: لا تواقعها إلا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك، لكيلا لا تسبقها بالفراغ.
ومن الملاطفة : القبلة ، وتحريك الثديين ،والصاق البشرة بالبشرة ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقبل أهله قبل الجماع ... وقال صلى الله عليه وسلم: "فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" (رواه الشيخان)، ولمسلم "تضاحكها وتضاحكك"
3. قول الذكر الوارد في ذلك :
( بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإنه إن يُقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطانٌ أبداً ) رواه البخاري ومسلم ، ومعنى قوله
لم يضره شيطان أبداً ) أي: لم يضر الولد المذكور، بحيث يتمكن من إضراره في دينه أو بدنه، وليس المراد رفع الوسوسة من أصلها. فتح الباري .
4. استحباب التستر عند الجماع ،
فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده-رضي الله عنه- أنه قال قلت يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها ومنا نذر؟ قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) . قال قلت يا رسول الله: إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: (إن استطعت أن لا يرينها أحدٌ فلا يرينها) . قال قلت يا رسول الله: إذا كان أحدنا خالياً ؟ قال: (الله أحق أن يستحيا منه من الناس ) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وحسنه الألباني .
5. إتيان المرأة في الموضع الذي الطبيعي وهو الفرج ، ويجوز له أن يأتيها من أي جهة إذا كان في الفرج ، قال تعالى : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة:223)
وعن جابر رضي الله عنه قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول ! فنزلت : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج ) رواه البخاري ومسلم .
أما إتيان المرأة في الدبر فهو محرم لا يجوز ، ومخالف للفطرة التي فطر الله الناس عليها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ) رواه أبو داود
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ملعون من يأتي النساء في محاشِّهن ) : أي أدبارهن . رواه ابن عدي و صححه الألباني في آداب الزفاف.
تنبيه : أفضل أوضاع الجماع أن يعلو الرجل المرأة ، يقول الإمام ابن القيم في زاد المعاد:
( وأحسن أشكال الجماع أن يعلو الرجل المرأة مستفرشا لها بعد الملاعبة والقبلة، وبهذا سميت المرأة فراشا، كمال قال صلى الله عليه وسلم:"الولد للفراش"، وهذا تمام قوامة الرجل على المرأة ، كما قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء)، وكما قيل:
إذا رمتها كانت فراشا يقلني وعند فراغي خادم يتملق
وقد قال تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) وأكمل اللباس وأسبغه على هذا الحال، فإن فراش الرجل لباس له، وكذلك لحاف المرأة لباس لها، فهذا الشكل الفاضل مأخوذ من الآية، وبه يحسن استعارة اللباس من كل من الزوجين للآخر، وفيه وجه آخر وهو أن تنعطف عليه أحيانا فتكون عليه كاللباس. قال الشاعر:
إذا ما الضجيع ثنى حيدها تثنت كانت عليه لباسا
وأردأ الأشكال أن تعلوه المرأة ويجامعها على ظهره، وهو خلاف الشكل الطبيعي، الذي طبع الله عليه الرجل والمراة، بل نوع الذكر والأنثى، وفيه من المفاسد أن المني يتعسر خروجه كله، فربما بقي في العضو منه فيتعفن ويفسد فيضر. وأيضا فإن الرحم لا يتمكن من الاشتمال على الماء واجتماعه فيه، وانضمامه عليه لتخليق الولد، وأيضا فإن المرأة مفعول بها طبعا وشرعا، وإذا كانت فاعلة خالفت مقتضى الشرع والطبع.
7. تحريم إفشاء ما يدور بين الزوجين :
كثير من الناس يظن أن إفشاء ما يدور بينه وبين أهله من أمور الجماع ، أنه جائز ، والبعض يرى أنه من الرجولة ، بل وحتى بعض النساء تتحدث بذلك بين بني جنسها ... ولا شك أن هذا خطأ ومحرم وصاحبه من أشر الناس ، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجلُ يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه ثم ينشر سرها ) رواه مسلم .
قال النووي رحمه الله : وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه. فأما مجرد ذكر الجماع، فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجه فمكروه لأنه خلاف المروءة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) . وإن كان إليه حاجه أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها أو تدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( إني لأفعله أنا وهذه ) . وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة : ( أعرستم الليلة ؟) . وقال لجابر: (الكيس الكيس ) والله أعلم .اهـ
8. استحباب الوضوء إذا أراد العود للجماع : فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ ) .رواه مسلم
9. وجوب الغسل من الجنابة :
فمتى التقاء الختانين ، أو أنزل المني وجب الغسل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "( إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ ) وفي رواية : ( مسّ الختان الختان ) فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل ) رواه مسلم
ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الماء من الماء " رواه مسلم .
تنبيه:
* يجوز لمن وجب عليه الغسل أن ينام ويؤخر الغسل إلى وقت قيامه للصلاة أو غيرها ،
* من أراد النوم يستحب له أن يتوضأ قبل نومه استحباباً مؤكداً لحديث عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أينام أحدنا وهو جنب ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( نعم ، ويتوضأ إن شاء ) رواه ابن حبان
* كيفية الغسل :
- يبدأ المغتسل أولاً بغسل الكفين ثلاث مرات .
- غسل الفرج من الإمام والخلف ـ بيده اليسرى أما اليمنى فمنهي عنه .
- الوضوء كوضوء الصلاة ، مع ملاحظة المحافظة على الوضوء من نواقضه .
- تخليل شعر الرأس بالأصابع ثلاث مرات ، وهو أن يبلل الرجل يديه بالماء ثم يخلل شعره بأصابعه ، أى أن يمرر أصابعه خلال شعره .
- صب ثلاث حفنات ـ ملء الكفين ـ ماء على الرأس ، حتى تبتل فروة الرأس .
- غسل الجانب الأيمن من الجسم ، يبدأ بالشق الأعلى ثم الأسفل .
- غسل الجانب الأيسر من الجسم ، بدأ بالشق الأعلى ثم الأسفل .
- غمر الجسم بالماء جيداً .
- مع ملاحظة الإعتناء بغسل الإبط والسرة وخلف الركبة ، بعدها يخرج المغتسل إلى صلاته دون الحاجة إلى الوضوء مرة أخرى .
ـ روى مسلم في صحيحه في كيفية اغتساله صلى الله عليه وسلم :"إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ "
ولا فرق بين الرجل والمرأة في الغسل من الجنابة ، وروى مسلم عن أم سلمة قالت : "إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ ؟ وفي رواية :" لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ " قَالَ : لَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ" رواه مسلم .
أما اغتسال المرأة من الحيض فقد اختلف أهل العلم في وجوب نقضها لشعر رأسها ، والصحيح أنها لا تنقض شعر رأسها لحديث مسلم السابق ، وفى رواية له : "أفأنقضه للحيض والجنابة…" .