إبراهيم البغدادي المدير العــام
عدد الرسائل : 1850 العمر : 38 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : غير ذلك تاريخ التسجيل : 08/02/2009
| موضوع: خطبة عن الحلف والنذر والاستعاذة الجمعة 19 أكتوبر - 10:03 | |
| الحلف والنذر والاستعاذة بتاريخ 21/9/2012م 5 ذو القعدة1433هـ للشيخ وطالب العلم إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
الخطبـــــــــــــــة الأولــــــــــــــــى:
الحمدلله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، رب السموات ورب الأرض رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حَمَى حِمَى التوحيد، وسدَّ كلَّ طريقٍ يوصل إلى الشرك، وبلَّغ البلاغَ المبين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين، آمنوا بربهم وأخلصوا له، فأنجز لهم الوعد المبين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعـــــــــــد: فاتقوا الله عباد الله، فإن منِ اتقاه، كفاه ووقاه، وحفظه ونجاه.
أيها المسلمون:
دلّ الكتاب والسنة على أنّ من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، فإنه لا يحصل كمالَ فضله إلا بكمالِ تحقيقه، ولذا علينا أن نعبده وحده، وأن لا نشرك به أحدًا في الأقوال، أو الأفعال. وقد نهى سبحانه عباده أن يجعلوا له أمثالاً وشركاء يصرفون لهم شيئًا من العبادة، وهم يعلمون أن الله وحده هو الذي يرزقهم وأن هذه الأنداد لا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا، فاتخاذ الند مع الله شرك أكبر ينافي التوحيد، ومن مات عليه فهو خالد في النار. قال تعالى: ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. قال ابن عباس في رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: بأن الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل. ولفظ الآية يشمل الشرك بنوعيه، وهذه الأنواع تدور على ألسنة كثير من الناس ويقعون فيها لخفائها، ومن ذلك. ومن ذلك قول: (وحياتك يا فلان)؛ فهذا شرك أصغر؛ لأنه حلف بحياة مخلوق. وكقول الرجل لصاحبه: (ما شاء الله وشئت)، (ولولا الله وفلان): شرك أصغر؛ لما فيه من المساواة بين الخالق والمخلوق. وقد روى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو اشرك». فمن تعظيمه سبحانه ألا يُحلف إلا بأسمائه وصفاته، ومن حلف بغير الله، كالنبي، أو الولي، أو الكعبة، أو النعمة، فقد وقع في الشرك الأصغر. يقول ابن مسعود رضي الله عنها: لأن أحلف بالله كاذبًا أحبُّ إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا بين ابن مسعود أنه لا يحب كلا الأمرين، ولكن الحلفَ بالله كاذبًا أهون عليه من الحلفِ بغيره صادقًا. عباد الله: منع النبي صلى الله عليه وسلم جميع العبارات الشركية، ومنها ما جاء في الحديث: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، لكن قولوا ما شاء الله ثم ما شاء فلان» [رواه أبو داود]، وتفصيل ذلك على النحو التالي: فقول: (ما شاء فلان)، (ولولا الله وفلان) شرك أصغر؛ لأن (الواو) تفيد المساواة بين الخالق والمخلوق، والله عز وجل لا ند له ولا مثيل. والجائز أن يقال: (ما شاء الله ثم ما شاء فلان)؛ لأن (ثم) تفيد الترتيب والتراخي، فللعبد مشيئة بعد مشيئة الله: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ﴾. والأولى في كمال التوحيد أن يقال: (ما شاء الله وحده)، (ولولا الله وحده). ولذلك فإن الواجب على العبد الاحترازِ من الشركِ بالله في الألفاظ وإن جرت على لسانه بغير قصد، تعظيمًا وإجلالاً لله رب العالمين. عباد الله: وكذلك النذر لا ينبغي أن يكون إلا لله عز وجل، والنذر: هو أن يوجب المكلف على نفسه شيئًا لم يكن واجبًا عليه بأصل الشرع. وقد مدح الله الذين يتعبدون له بما أوجبوه على أنفسهم من الطاعات، حيث قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾. فمدح الله سبحانه المؤمنين الموفين بنذرهم؛ خلاف من ينذر ثم يتقاعس ويخلف، فدل ذلك على أنه عبادة. وقال تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ﴾ إثبات صفة العلم لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته. وينقسم النذر إلى قسمين: الأول: نذر طاعة؛ وهو إلزام العبد نفسه بنذر فيه طاعة وقربة لله تعالى، والواجب على المسلم الوفاء به كما جاء في حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» [رواه مسلم]. وهذا القسم من النذر ينقسم إلى قسمين أيضاً نذر مطلق ونذر مقيد، فالنذر المطلق ليس له سبب: كأن يقول: «لله على أن أصوم ثلاثة أيام». أما النذر المقيد له سبب: كأن يقول: «لله علي إن شُفِي مرضي، أو نجحت في امتحاناتي أن أصوم ثلاثة أيام». ومع أن النذر لا يكون إلا لله، لكنه يكره للمسلم أن ينذر لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن النذر لا يأتي بخير إنما يستخرج به من البخيل» [رواه البخاري ومسلم]. فعلى المسلم إذا أراد أن يفعل خيرًا فليفعله دون أن يلزم نفسه، والإِنسان الذي لا يفعل الطاعة إلا بنذر، فمعنى ذلك أن الطاعة ثقيلةٌ عليه، أما إذا ظن أن الله لا يفعل له ما يريد، ولا يستجيب لدعائه إلا بنذر، ففي ذلك سوءُ ظن بالله، إذ هو سبحانه المتفضل على عباده آناء الليل وأطراف النهار. أما القسم الثاني من أقسام النذر: نذر معصية: وهو إلزام العبد نفسه بنذر فيه معصية لله سبحانه وتعالى. وهذا القسم يحرم الوفاء به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» ومثاله كمن يقول: نذرت ألا أكلم أخي. والنذر عبادة لله من صرفها لغيره فقد وقع في الشرك الأكبر، قال الفقهاء: خمسة لغير الله شرك: الركوع والسجود والنذر والذبح واليمين، والحاصل أن النذر لغير الله فجور. فمن أين تحصل لهم الأجور. قال شيخ الإسلام: وما نذره لغير الله كالأصنام والشمس والقمر ونحو ذلك، بمنزلة أن يحلف بغير الله من المخلوقات، لا وفاء عليه ولا كفارة؛ وكذلك الناذر للمخلوق ليس عليه وفاء، فإن كليهما شرك، والشرك ليس له حرمة، بل عليه أن يستغفر الله، ويقول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف وقال في حلفه: واللات والعزى؛ فليقل لا إله إلا الله» [متفق عليه]. قال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾. أقول ماتسمعون وأستغفرالله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . الخطبـــة الثانيــــة:
الحمدلله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله، رب العرش العظيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعـــــــــــــــد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واذكروا نعمة الله عليكم، واشكروها ولا تُعرضوها للزوال، فإن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم. أمرنا الله - عز وجل - بالاستعاذة به في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ والفلق هو الصبح، والغاسق: فُسر بالليل المظلم، حيث انتشار شياطين الإنس والجن، والاستعاذة بالله عبادة من العبادات. ومعنى الإِستعاذة: الالتجاء والاعتصام بالله سبحانه، والاستعاذة بغير الله شرك أكبر ينافي التوحيد: فإن من استعاذ بغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر؛ كالذي يأتي إلى الأموات من الأنبياء، أو الصالحين، أو غيرهم، ويطلب منهم أن يحموه ويحفظوه من الشرور، وقد أخبر سبحانه عمن استعاذ بخلقه، أن استعاذته زادته رهقًا، كما قال عز وجل في سورة الجن، ﴿وَإِنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾، وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا نزل واديًا أو مكانًا موحشًا وخاف على نفسه، قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فلما رأت الجن أن الإِنس يعوذون بهم خوفًا منهم، زادوهم رهقًا، أي خوفًا وذعرًا، فذمهم الله بهذه الآية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك» [رواه مسلم]. حيث شرع الله سبحانه أن نستعيذ بأسمائه وصفاته، بدلاً مما يفعله أهل الجاهلية. ولهذا شرع سبحانه قراءة المعوذتين في أذكار الصباح والمساء، فحري بالمسلم المحافظة عليهما مع غيرهما من الأذكار المشروعة. ولهذا ينبغي أن يكون الحلفُ إلا بالله، والنذر لا يكون إلا لله، والاستعاذة إلا به سبحانه، نكون بهذا قد حققنا توحيدَ الألوهية. هذا ؛ وصلُّوا رحمكم الله على خير البرية ، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله ، فقد أمركم الله بذلك في قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا . اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين . اللهم وفق قيادة البلاد لما فيه خير العباد والبلاد . اللهم انصر إخواننا في سوريا، وكن معهم واحفظهم، وعجل بهزيمة الكفرة والمرتدين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
مرجع الخطب :: من كتاب خطب التوحيد المنبرية للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ، والشيخ صالح الفوان حفظه الله ، والشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله | |
|