لماذا ينهزم الغرب أمام ليبيا؟

لماذا ينهزم الغرب أمام ليبيا؟
في أقل من عام واحد نجحت ليبيا في ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد... الأحجار الثلاثة أصابت إيطاليا وبريطانيا وسويسرا، ولكنها حققت هدفا واحدا هو إظهار قوة الدولة الليبية ونفوذها المتصاعد إفريقيا وعالميا، بعدما اضطر كل بلد للرضوخ للمطالب الليبية وقدم اعتذارا علنيا مباشرا أو بطريقة غير مباشرة عن سنوات الاحتلال أو إهانة ليبيا في شخص قادتها أو عن اتهامها بـ "الإرهاب".

المقرحي خلال توجهه إلى الطائرة التي أعادته إلى ليبيا

أن تعتذر إيطاليا رسمياً لليبيا عن فترة استعمارها، وتلتزم حكومة برلسكوني بدفع التعويضات عن تلك الحقبة، فهو بلا شك انتصار تاريخي لأحفاد عمر المختار، يرسي قاعدة عادلة جديدة في القانون والعلاقات الدوليين، ربما تستفيد منها دول عربية استعمرت من قبل، ومن أبرزها الجزائر التي هي أولى بالاعتذار والتعويض من فرنسا...

وأن تطلق بريطانيا وإسكتلندا سراح عبد الباسط المقرحي لأسباب إنسانية رغماً عن أنف الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته والكونجرس الأمريكي، وهو المتهم بتفجير طائرة أمريكية فوق بلدة لوكيربي، بعد قرابة عشر سنوات من سجنه، والجدال الحاد حول تلفيق أدلة له لإدانة ليبيا في شخصه، فهو بدون جدال انتصار للدبلوماسية الليبية حتى ولو قيل إن الأمر تم بصفقة بين البلدين ستستفيد منها بريطانيا واسكتلندا في صورة استثمارات ليبية...

وأن تعتقل سويسرا نجل القذافي (هانيبال) وزوجته بتهمة ضرب الخدم، وترفض الاعتذار، وتسخر من تهديدات ليبيا، ثم تعود وتندم وتخطب ود ليبيا وتعرض سفر رئيسها لليبيا ليقدم بنفسه الاعتذار للعقيد القذافي، ويذهب الرئيس السويسري ويعتذر علنا لليبيا ويطلب الصفح وطي هذه الصفحة والبدء من جديد، بعدما حرمته ليبيا من النفط وسحبت ودائعها من بنوك سويسرا؛ فهذا ليس له من تفسير سوى أن ليبيا –التي كانت منبوذة خلال فترة الحصار- تمتلك شيئا جديد يجتذب دول العالم ولديها قوة ما ونفوذ في العالم!.

ولا شك أن سلاح الاستثمارات والدور السياسي الليبي المتعاظم إفريقياً ودولياً أجبر المستعمرين السابقين على الرضوخ للمطالب الليبية، وباتت كل دولة تخطب ود ليبيا كي تغدق عليها بعض الاستثمارات بما فيها إسكتلندا بعدما أطلق قضاؤها سراح المقرحي لأسباب إنسانية، وأسدل الستار على قضية لوكيربي بقرار إعادة المواطن الليبي عبد الباسط علي محمد المقرحي إلى موطنه ليبيا.

وربما توشك هذه النجاحات الليبية تجاه إيطاليا ثم بريطانيا ثم سويسرا أن تكلل بانتصار رابع على أمريكا نفسها، عبر المطالبة بدفع تعويضات لليبيا عن جرائم ضرب الطائرات الأمريكية للمدن الليبية وقتل ليبيين.. وكل هذه انتصارات هامة للدبلوماسية الليبية والعالم العربي وإفريقيا أيضا على المستوي البعيد لأن ما يجري يؤرخ لقاعدة اعتذار المستعمر الغربي للدول التي احتلها ودفع تعويضات عما نهبه وخربه. ويكفي الشعب الليبي أنه سجل بذلك انتصاراً معنوياً يمثل قيمة أغلى من أي تعويض سواء كان باعتذار إيطاليا أو بإطلاق سراح المقرحي الذي يؤرخ سجنه لفترة الحصار والعزلة على ليبيا.

مصادر قوة ليبيا
إن ليبيا أصبحت قوة اقتصادية هامة مع استمرار ضخ بترولها وقلة عدد سكانها، وتكالب الشركات الغربية على الاستفادة من مشاريعها واستثماراتها، كما أنها باتت قوة سياسية إفريقية مؤثرة ليس فقط لأن الرئيس الليبي يتولى رئاسة إفريقيا، وإنما بسبب الدور الذي تلعبه في حل أزمات القارة الإفريقية وتأثيرها في مجريات أحداث العديد من الدول الإفريقية.

بعبارة أخرى أصبح لليبيا مخالب اقتصادية وسياسية وأصبحت تمتلك أسباب القوة في عالم اليوم، واستعملتها بذكاء؛ فاحترم الغرب قوتها واعتذر لها، وخصوصا بعدما قدمت نفسها –عقب تخلصها من قدرتها النووية طوعيا– للعالم على أنها دولة معتدلة، ولعب أبناء القذافي والجيل الجديد دورا في تقديم بلادهم بصورة أكثر اعتدالا وليبرالية!.

ووفقاً لرئيس "صندوق الثروة السيادية الليبي" الذي يستحوذ على نسبة كبيرة من أرصدة الاستثمارات الليبية الخارجية، يسيطر الصندوق على أصول تقدر بأكثر من 65 مليار دولار بعد أن كانت 6,2 مليار دولار فقط في عام 1992، ولم يتجاوز حجم استثمارات هذا الصندوق 23% من السيولة المتاحة لديه، وهذه الاستثمارات تتكالب عليها العديد من الدول الغربية اليوم.

وهناك إحصاءات غير مؤكدة تقول إن مجموع الاستثمارات الليبية في الخارج تبلغ 50 مليار دولار، وتقارير أخرى تشير إلى تكدس الأموال خلال سنوات الحصار علي ليبيا حتى بلغت ما يتراوح بين 300 و400 مليار دولار، لا أحد يعلم الآن أين ذهبت، ولكن القسم الأكبر كان يحول لسويسرا في حسابات سرية، فضلا عن خسارة جانب منه يقدر بخمسة مليارات في الولايات المتحدة الأمريكية في الأزمة المالية العالمية الأخيرة.

وقد سبق لـ"عبد الحفيظ الزليطني" رئيس صندوق الثروة السيادية الليبي، وهو أيضا وزير التخطيط الليبي، أن ألمح لأهمية هذه الاستثمارات في التأثير على الغرب بقوله في فبراير الماضي في لقاء مع رجال أعمال إيطاليين كبار: "لدينا سيولة كبيرة.. وعندما تكون لديك سيولة فورية تصبح ملكا"!؟.

أما علي صعيد الدور السياسي الليبي فهو يتركز في إفريقيا، وقد تعاظم مع رئاسة ليبيا القمة الإفريقية وتوليها رئاسة مجلس الأمن في دورته الأخيرة وقيادتها ملفات عربية وإفريقية هامة تؤثر على الغرب خصوصا ملفات السودان والصومال وصراعات إفريقية أخرى.

ومعروف أن أمريكا توسـع نفوذها العسكري في شمال إفريقيا والصحراء من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا (ليبيا غير مشاركة) والنيجر ومالي وتشاد والسنغال ونيجيريا، وهذا يتطلب نوعا من تحسين العلاقات مع ليبيا التي سعت في عدة أوقات لتوزيع بعض عوائدها النفطية كهبات على دول إفريقية طلباً للنفوذ. بل إن سعي العديد من الدول الغربية للاستثمار في إفريقيا يواكبه مخاوف من أن تعرقله ليبيا بنفوذها المعروف في إفريقيا.

احتفالات بطعم الانتصار

احتفالات الفاتح من سبتمبر هذا العام ستكون ذا طعم مختلف مطعم بروح النجاحات الدبلوماسية الليبية بعدما انصاعت إيطاليا للضغوط الليبية وقررت دفع تعويضات وأطلقت إسكتلندا سراح المقرحي واعتذرت سويسرا لليبيا.

بل إن إصرار ليبيا على استقبال المقرحي استقبال الأبطال وتحويله إلى بطل قومي، وجعله الضيف الرئيس في الاحتفالات التي ستقيمها ليبيا بمناسبة مرور أربعين عاما على تولي العقيد القذافي السلطة في عام 1969، يكشف جانبا من هذه المبارزة الدبلوماسية بين ليبيا والغرب؛ فالاعتراض الأمريكي والبريطاني على الاحتفالات الليبية بإطلاق سراح المقرحي دفع الليبيين للمغالاة في هذه الاحتفالات كيدا في المستعمرين القدامى.

نعم قد تعكر دعوات الرئيس الأمريكي وأركان حكومته لعدم إطلاق إسكتلندا للمقرحي ومكوثه في سجنه حتى 2021 كما هو مقرر، ثم دعوة أمريكا ليبيا لوضع المقرحي قيد الإقامة الجبرية بعد إطلاقه، صفو العلاقات بين ليبيا ووشنطن بعدما شهدت اتفاقا على دفع تعويضات لوكيربي من جانب ليبيا والعمل على عقد أول لقاء من نوعه بين رئيس أمريكي والرئيس الليبي، ولكن واشنطن سترضخ بدورها في نهاية المطاف لأن لغة المصالح والبرجماتية التي يرفع لواءها أوباما هي التي ستتغلب في النهاية، وربما يكون اعتراضه علي إطلاق المقرحي عملية تلفزيونية لإرضاء أسر القتلى الأمريكيين.

ناهيك عن أن الاعتراض الأمريكي على إطلاق مواطن ليبي مصاب بالسرطان في مراحله الأخيرة، ويبقى له على قيد الحياة ثلاثة أشهر فقط (وفق رأي الأطباء)، أساء لصورة أمريكا نفسها لأن دعاة الإنسانية في أمريكا والغرب الذين أعطوا للعرب والمسلمين دروسا في الإنسانية وحقوق الإنسان، يحتجون الآن على إطلاق مريض سيموت بعد ثلاثة أشهر لأسباب إنسانية؟!

وربما تشهد الفترة المقبلة هجوما دبلوماسيا ليببا معاكسا لفضح جرائم المستعمرين ضد ليبيا خلال فترة الحصار والقصف للمدن الليبية والمطالبة بتعويضات مماثلة لتلك التي حصلت عليها ليبيا من إيطاليا، وربما يدفع هذا دولاً مثل الجزائر لممارسة المزيد من الضغوط على دولة استعمارية كفرنسا ساركوزي الذي يرفع شعار العدالة، كي تعتذر لها وتقدم تعويضات بعدما رفض برلمانها ذلك عدة مرات!!

ليبيا انتصرت وهزمت الغرب لأن لديها شيئا يريده الغرب وشيئا تؤثر به على الغرب، أو شيئا نجحت في توظيفه في معركتها مع الغرب، هو دورها الإقليمي في إفريقيا ودورها الاقتصادي الاستثماري.. فهل تدرك دول عربية أخرى ما في يدها وتعيد تقييم دورها الإقليمي في مواجهة الغرب؟!.

نقلاً من موقع إسلام أون لاين