حُـكـم الغناء والموسيقى والمزامير
بالنسبة للغناء من غير موسيقى كرهه كثير من السلف
والكراهة في كلام العلماء المتقدمين تُطلق على التحريم
وقد كثُرت الأقوال عن سلف هذه الأمة في النهي عن الغناء ، وإن كان من غير آلة موسيقية
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِمَنيَشْتَرِيلَهْوَالْحَدِيثِ لِيُضِلَّعَنسَبِيلِاللَّهِبِغَيْرِعِلْمٍوَيَتَّخِذَهَاهُزُوًاأُولَئِكَلَهُمْ عَذَابٌمُّهِينٌ ) قال : هو الغناء وأشباهه .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : والله هو الغناء .
وقال رضي الله عنه : الغناء يُنبت النفاق في القلب .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليه بسارحة لهم يأتيهم يعني الفقير لحاجة فيقولوا : ارجع إلينا غدا ، فيُبيّتهم الله ويضع العلم ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة . رواه البخاري موصولاً وليس مُعلّقاً .
والعَلم هو الجبل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والآلات الملهية قد صحّ فيها ما رواه البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به داخلا في شرطه .
وقال الفضيل بن عياض : الغناء رُقية الزنا .
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده : ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن ، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهَج بها يُنبت النفاق في القلب كما يُنبت العشب على الماء .
وقال الخليفة يزيد بن الوليد : يا بني أمية إياكم والغناء ، فإنه يُنقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السكر ، فإن كنتم لا بُدّ فاعلين فجنبوه النساء ؛ إن الغناء داعية الزنا . رواه البيهقي في شعب الإيمان .
قال خالد بن عبد الرحمن : كنا في عسكر سليمان بن عبد الملك فسمع غناء من الليل ، فأرسل إليهم بكرة فجيء بهم ، فقال : إن الفرس لتصهل فتسوق له الرمكة ، وإن الفحل ليهدر فتضبع له الناقة ، وإن التيس لينبّ فتسترمّ له العنز ، وان الرجل ليتغنى فتشتاق إليه المرأة ، ثم قال : اخصوهم ! فقال عمر بن عبد العزيز : هذا مُثلة ، ولا يحل ، فخلَّى سبيلهم . رواه البيهقي في شعب الإيمان .
وقال والد علي بن المديني : خرجنا مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن فعسكرنا بِبَاخَمْرا ، فطفنا ليلة فسمع ابراهيم أصوات طنابير وغناء ، فقال : ما أطمع في نصر عسكر فيه هذا !
قال ابن القيم رحمه الله : فالغناء يُفسد القلب ، وإذا فسد القلب هـاج في النفاق . اهـ .
ولا شك أنه إذا كان من خلال آلة موسيقية فهو أشـدّ في التحريم .
قال الإمام البيهقي - رحمه الله - : وان لم يداوم على ذلك ( يعني على الغناء ) لكنه ضرب عليه بالأوتار ، فإن ذلك لا يجوز بحال ، وذلك لأن ضرب الأوتار دون الغناء غير جائز لما فيه من الأخبار . ( يعني لِما ورد فيه من الأحاديث ) .
والغناء والأغاني من الباطل .
ولذا لما سُئل القاسم بن محمد عن الغناء . فقال : أنهاك عنه وأكرهه . قال الرجل : أحرام هو ؟ قال : انظر يا ابن أخي إذا ميّـز الله الحق من الباطل . في أيهما يجعل الغناء ؟
يعني أنه يكون مع الباطل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ولقد حدثني بعض المشايخ أن بعض ملوك فارس قال لشيخ رآه قد جمع الناس على مثل هذا الاجتماع ( مجالس السماع ) : يا شيخ إن كان هذا هو طريق الجنة ، فأين طريق النار ؟!!
قال الحليمي رحمه الله : وإنما خرج ذلك ( القول بتحريم الغناء ) لما فيه من الإغـراء بالحـرام ، فدخل في قوله تعالى : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) انتهى .
وقال الإمام البيهقي – رحمه الله –
وروينا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ترنمهم بالأشعار ، وهذا في الأشعار التي يكون إنشادها حلالا ويكون الترنّم بها في بعض الأحايين دون بعض ، فإن كان يُغني بها فيتخذ الغناء صناعة يؤتى عليه ويأتي له ويكون منسوبا إليه مشهوراً به ، فقد قال الشافعي رحمة الله عليه : لا تجوز شهادته ، وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يُشبه الباطل ، وأن من صنع هذا كان منسوبا إلى السَّفه وسقاطة المروءة ، ومن رضي هذا لنفسه كان مستخفّـاً وإن لم يكن محرما بيّن التحريم . انتهى .
فإذا كان هذا في الغناء وحده دون آلة ، فكيف إذا كان بآلـة ؟؟؟
وإن كانت الأغاني تدعوإلىالجهادأوكانتتدعوإلىفعلالفضائلأوفيهامدحللرسولالكريم صلى الله عليه وسلم فلم تكن معروفة عند السلف ، إنما عُرفت عند دراويش الصوفية !
ولا يُنال رضا الله بسخطه ، إنما يُنال رضا الله عز وجل بما يُحبه ويرضاه سبحانه وتعالى .
ولو كان الغناء محبوبا مرضياً لله عز وجل لسبقنا إليه وإلى التقرّب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام .
ولو كان يُـنشّط العزائم على الجهاد ونحو ذلك لسبقونا إليه .
والواقع أنهم كانوا يحرصون على التّقرّب إلى الله بأنواع الطاعات والقربات والكفّ عن المحرّمات ، حتى في الجيوش ، كما تقدّم عن سليمان بن عبد الملك ، وهو إنما سمع غناء من الليل في عسكره ، وقد هَمّ بأن يخصي أولئك الذين اشتغلوا بالغناء تلك الليلة .
وإن كانت في مدائح النبي صلى الله عليه وسلم فهي مُحدَثَة ، فإن الغناء والتّغني في مدحه صلى الله عليه وسلم لم يُعرف إلا بعد القرن الثالث الهجري .
وأي خير في إنسان يَنسى سُنة النبي صلى الله عليه وسلم عاماً كاملاً ويذكره ويتغنّى به في ليلة واحدة ؟!
حاله كحال أولئك الغربيين مع أمهاتهم . يهجرونهن عاماً كاملاً ويزورونهنّ يوماً في السنة !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : التطريب بالآلات الملهية محرم في السماع الذي أحبه الله وشرعه ، وهو سماع القرآن ، فكيف يكون قربة في السماع الذي لم يشرعه الله ؟ وهل ضمّ ما يشرعه الله إلى ما ذمه يصير المجموع المعين بعضه لبعض مما أحبه الله ورضيه ؟؟!
ولا يُمكن أن يجتمع حبّ القرآن ، وحبّ مزامير الشيطان .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
حُبّ الكتاب وحُبّ الحان الغناء *** في قلب عبد ليس يجتمعان
وقال رحمه الله :
وأكثر ما يُورث [ يعني الغناء ] عِشق الصور واستحسان الفواحش ، وإدمانه يُثقل القرآن على القلب ويُكرِّهه إلى سماعه بالخاصية ، وإن لم يكن هذا نفاقا فما للنفاق حقيقة !
وسِـرّ المسألة أنه قرآن الشيطان فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدا . اهـ .
ومما هو مشاهد محسوس معلوم
أن من استلذّ بسماع الأغاني لا يُمكن أن يجد حلاوة تلاوة كلام الله عز وجل .
نعم . قد تجتمع تلاوة القرآن مجرّد تلاوة مع سماع الغناء ، لكن سماع انتفاع وتلذذ لا يمكن أن يجتمعـا .
والغناء يصدّ عن سبيل الله ، ولذا لما ذكر الله الغناء – وهو لهو الحديث – قال :
( وَمِنَالنَّاسِمَنيَشْتَرِيلَهْوَالْحَدِيثِ لِيُضِلَّعَنسَبِيلِاللَّهِبِغَيْرِعِلْمٍوَيَتَّخِذَهَاهُزُوًاأُولَئِكَلَهُمْعَذَابٌمُّهِينٌ * وَإِذَاتُتْلَىعَلَيْهِآيَاتُنَاوَلَّىمُسْتَكْبِرًا كَأَنلَّمْيَسْمَعْهَاكَأَنَّفِيأُذُنَيْهِوَقْرًافَبَشِّرْهُبِعَذَابٍأَلِيمٍ ) .
فتأمل قوله سبحانه ( لِيُضِلَّعَنسَبِيلِاللَّهِ ) ثم تأمل قوله ( وَإِذَاتُتْلَىعَلَيْهِآيَاتُنَاوَلَّىمُسْتَكْبِرًا كَأَنلَّمْيَسْمَعْهَاكَأَنَّفِيأُذُنَيْهِوَقْرًا ) تجد أن الغناء سبب في الصدّ عن سبيل الله ، وأن مُحب الغناء لا يُحب سماع كلام الله ، بل قد يستثقله .
وهذا أمر مُشاهد
فمحبّ الغناء لو كان يبحث عن الأغاني من خلال إذاعة وسمع القرآن فجأة فإنه ربما يتأفّـف منه !
فانظر إلى أثر الغناء على القلب .
والمُـشاهَـد أن الأغاني لا تدعو إلى مكارم الأخلاق ، ولا تدعو إلى الأخلاق الفاضلة
وإنما تدعو إلى العشق والغرام ، والحب والهيام .
وتشتمل على ذكر محاسن النساء والغلمان !
فأي خير فيها ؟؟؟
وقفـة وشُبهـة :
قد يدّعي أقوام أن الموسيقى الهادئة تُريح الأعصاب !
وليس الأمر كذلك ، فقد ثبّت طبيّاً أن النفس تجد الراحة في القرآن وليس في الغناء
وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا ، ومن أصدق من الله حديثاً :
( الَّذِينَآمَنُواْوَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمبِذِكْرِاللّهِأَلاَبِذِكْرِاللّهِتَطْمَئِنُّالْقُلُوبُ )
وقد يقول البعض : إن هناك من أفتى بأن سماع الغناء جائز !
فأقول : استفت قلبك !
إن أكثر الشباب الذين يستمعون إلى الغناء يتركون سماعه في نهار رمضان .
فعلى أي شيء يدلّ صنيعهم هذا ؟
يدلّ على أنهم يتحرّجون من سماعه أثناء صيامهم .
ولو اعتبروه مباحاً لما تركوه ! فتأمل هذا الفعل من مستمعيه ومُتّبعي فتوى الترخيص فيه !
وقبل فترة سألني أحد الشباب عن حُـكم الغناء ، وأن الشيخ فلان في فضائية من الفضائيات يُفتي بجواز سماعه !
فقلت : دعنا من الفتوى الآن !
ما تقول أنت ؟
وما تجد في قرارة نفسك ؟
هل إذ استمعت إلى الأغاني لا تجد حرجاً من سماعه ؟
وهل إذا استمعت إلى أغنية تكون كما تستمع إلى درس أو محاضرة ؟
قال : لا والله !
قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس . رواه مسلم .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : الإثم حـوازّ القلوب .
أي أنه يبقى له أثر يحـزّ في القلب وفي النفس ، فلا ترتاح له النفس .
ونبي الله صلى الله عليه وسلم قد جعل لنا قاعدة ، ألا وهي :
دع ما يريبك إلى مالا يريبك . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي .
==============
سؤال وجوابه :
لماذا الغناء يُنبت النفاق في القلب ؟؟
أورد ابن القيم – رحمه الله – هذا السؤال ثم قال :
فإن قيل : فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي ؟
قيل : هذا من أدلّ شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها وأنهم هم أطباء القلوب دون المنحرفين عن طريقتهم الذين داووا أمراض القلوب بأعظم أدوائها فكانوا كالمداوي من السقم بالسم القاتل ، وهكذا والله فعلوا بكثير من الأدوية التي ركبوها أو بأكثرها فاتفق قلة الأطباء وكثرة المرضى وحدوث أمراض مزمنة لم تكن في السلف . والعدول عن الدواء النافع الذي ركّبه الشارع وميل المريض إلى ما يقوي مادة المرض فاشتد البلاء وتفاقم الأمر وامتلأت الدور والطرقات والأسواق من المرضى ، وقام كل جهول يطبب الناس .
فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق ونباته فيه كنبات الزرع بالماء .
فمن خواصِّـه :
أنه يلهي القلب ويصدّه عن فهم القرآن وتدبره والعمل بما فيه . فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً لما بينهما من التضاد .
فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى ، ويأمر بالعفة ، ومجانبة شهوات النفوس ، وأسباب الغيّ ، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان .
والغناء يأمر بضد ذلك كله ويحسِّـنه ويهيّج النفوس إلى شهوات الغيّ ، فيُثير كامنها ويزعج قاطنها ، ويحركها إلى كل قبيح ، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح ... وهو جاسوس القلب ، وسارق المروءة ، وسوس العقل . يتغلغل في مكامن القلوب ، ويطلع على سرائر الأفئدة ، ويدب إلى محل التخيل فيُثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة . فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة القرآن ، فإذا استمع الغناء ومال إليه نقص عقله وقلّ حياؤه وذهبت مروءته وفارقه بهاؤه وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه . انتهى بطوله من كلامه - رحمه الله - .
وقال أيضا :
من علامات النفاق قِلّة ذكر الله ، والكسل عند القيام إلى الصلاة ، ونقر الصلاة ، وقلّ أن تَجِد مفتوناً بالغناء إلاّ وهذا وصفه وأيضا ، فإن النفاق مؤسس على الكذب والغناء من أكذب الشعر فإنه يُحسِّن القبيح ويُزيّنه ويأمر به ، ويُقبح الحسن ويزهد فيه وذلك عين النفاق ، وأيضا فإن النفاق غش ومكر وخداع والغناء مؤسس على ذلك ، وأيضا فإن المنافق يفسد من حيث يظن أنه يصلح كما أخبر الله سبحانه بذلك عن المنافقين ، وصاحب السماع يُفسد قلبه وحاله من حيث يظن أنه يُصلحه ، والمغنِّي يدعو القلوب إلى فتنة الشهوات ، والمنافق يدعوها إلى فتنة الشبهات . قال الضحاك : الغناء مَفسدة للقلب مَسخطة للرب . اهـ .
ولا مزيد عليه يا إمـام .
رحم الله ابن القيم برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته .
والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم .