الْخُطْبَـــــةُ الأولَــــــــى
إِنَّ الْحَمْدَ لله، نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَه، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، صلى اللهُ عليْهِ وَعَلَى آله وَصَحْبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله، وقَيِّدُوا نِعَمَهُ عَلَيْكُمْ بِشُكْرِهَا، وَحُسْنُ التَّصرُّفِ فِيهَا؛ فَإِنَّ شُكْرَهُ سَبَبٌ لِازْدِيَادِ النِّعَم، وَحُسْنُ التَّصَرُّفِ فِيهَا تَتَمَحَّضُ نِعَماً، أَمَّا إِذَا كَفَرَ الْمُسْلمُ بِالنِّعَم؛ فَذَلِكَ سَبَبٌ لِزَوَالِهَا، وَمِعْوَلٌ لِهَدْمِهَا. قَالَ اللهُ : لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسَاكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَّمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورُ، وقال سبحانه: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ.
هَذَانِ مَثَلانِ لِبلدَيْنِ؛ أَنْعمَ اللهُ عليهِمَا بِنَضَارَةِ الدُّنيا، وَرَغدِ العَيْش، بدَّلُوا نِعمةَ اللهِ كُفْراً، فَأَعْرَضُوا عَنْ دِينِ الله، وَارْتَكَبُوا مَحَارِمَ الله؛ فَأبْدَلَهُمُ اللهُ بِنِعَمِهِ نِقَماً، وَبِرَغَدِ الْعَيْشِ نَكَداً، فَسُنَنُ اللهِ فِي عِبَادِهِ وَاحِدَة، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ نَسَباً فَيُرَاعِيه، يَقُولُ اللهُ : فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً، ويقُولُ اللهُ : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا، ويقُولُ سُبْحَانَهُ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُون: إنَّ مِمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا فِي هَذَا الْعَصْر؛ تِلْكَ السَّيَّارَاتُ الَّتِي مَلَأَتِ الْبِلَاد، قَادَهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْعَاقِلُ وَالسَّفِيه، فَهَلْ نَحْنُ شَكَرْنَا هَذِهِ النِّعْمَة، وَأَحْسَنَّا التَّصَرُّفَ فِيهَا؟ فَلَقَدِ اسْتَعْمَلَ بَعْضُ النَّاسِ هَذِهِ السَّيّارات، وَلَمْ يُحْسِنُوا التَّصَرُّفَ فِيهَا، فبعضُ النَّاسِ وَكَّلُوا قِيَادةَ سَيَّارَاتِهِمْ إِلَى أَطْفَالِهِمْ، فَهُمْ صِغَارٌ فِي السِّن، وَصِغَارٌ فِي الْعُقُول، تَجِدُهُ يَقُودُ السَّيَّارَةِ، لَا يَكَادُ يُرَى مِنْ نَافِذَتِهَا، وَتَرَاهُ يَقُودُهَا وَهْوَ كَبِيرُ السِّنِّ، لَكِنَّهُ صَغِيرُ الْعَقْل، مُتَهَوِّرٌ لَا يُرَاعِي الْأَنْظِمَة، وَلَا يُبَالِي بِالْأَرْوَاح، يَقُودُ بِسُرْعَةٍ جُنُونِيَّةٍ فِي الْبَلَدِ وَخَارِجِه، وَنَعْنِي بِالسُّرْعَةِ الْجُنُونِيَّة؛ كُلُّ سُرْعَةٍ تَزِيدُ عَلَى مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسِيرَ عَلَيْه، تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَكَانِ، وَازْدِحَامِ السُّكَّان، فَلَيْسَتِ السُّرْعَةُ فِي الْبَلَدِ كَالسُّرْعَةِ خَارِجِه، وَلَيْسَتِ السُّرْعَةُ فِي مَكَانٍ كَثِيرِ الْمُنْعَطَفَاتِ وَالتَّقَاطُعَات؛ كَالسُّرْعَةِ فِي خَطٍّ مُسْتَقِيم، وَلَيْسَتِ السُّرْعَةُ فِي مَكَانٍ يَكْثُرُ فِيهِ النَّاسُ، كَالسُّرْعَةِ فِي مَكَانٍ خَالٍ. فَبَعْضُ النَّاسِ تَجِدُهُ يَسِيرُ مُخَالِفاً لِلْأَنْظِمَةِ الْمُرُورِيَّة، يُحَاوِلُ أَنْ يَتَجَاوَزَ مَنْ أَمَامَهُ، وَهْوَ لَمْ يَضْمَنِ السَّلَامَةَ لِنَفْسِه، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسِيرُونَ فِي اتِّجَاهٍ مُعَاكِسٍ لِلطَّرِيق، فَيُوقِعُونَ مَنْ قَابَلَهُمْ فِي الْحِيرَةِ، وفي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْوَالِ، يُؤَدِّي بِهِمْ إِلَى حَوَادِثَ خَطِيرَة، وَالْقَلِيلُ مِنَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَيَّام، مَنْ يَتَقَيَّدُ بِالْقَوَانِينِ الْمُرُورِيَّة، بِحُجَّةِ انْعِدَامِ الدَّوْلَة، أَوْ بِحُجَّةِ أَنَّ النَّاسَ لَا يُطَبِّقُونَهَا، وَكَذَلِكَ مِنَ الْأَخْطَاءِ وَضْعُ السَّيَّارَاتِ عَلَى الْأَرْصِفَة، وَالَّتِي هِيَ مُخَصَّصَةٌ لِلْمَارَّة، وَلَيْسَتْ لِلسَّيَّارَات.
فَكَثِيرٌ مِنَ الاِزْدِحَامَاتِ الْمُرُورِيَّة، يَرْجِعُ سَبَبُهَا إِلَى جَهْلِ النَّاسِ بِهَذِهِ الْقَوَانِين، كَمَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى عَدَمِ وُجُودِ ثَقَافَةِ الْقِيَادَةِ لَدَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاس، فَالْقِيَادَةُ كَمَا يُقَال: فَنٌّ وَذَوْقٌ وَأَخْلَاق، فَأَيْنَ الْفَنُّ وَالذَّوْقُ وَالْأَخْلَاقُ لَدَى هَؤُلَاءِ النَّاس؟ وَإِنَّ الْعَجَبَ كُلَّ الْعَجَبَ، عِنْدَمَا تَحْدُثُ هَذِهِ الاِزْدِحَامَات، الْكُلُّ يُرِيدُ الطَّرِيقَ، مَعَ أَنَّه لَوْ كَانَ لَدَيْهِمْ قَلِيلُ ذَوْقٍ وَأَخْلَاق، لَخَفَّ الاِزْدِحَام، وَانْفَتَحَ الطَّرِيقُ، وَأَصْبَحَ مُيَسَّراً لِلْجَمِيع، فَمَا الْعَيْبُ لَوْ أَفْسَحَ هَؤُلَاءِ، الطَّرِيقَ لِغَيْرِهِمْ، وَتَأَخَّرُوا لِثَوَانٍ مَعْدُودَة، بَلْ إِنَّ الْمَحْسُوبِيَّةَ وَصَلَتْ إِلَى الطَّرِيق، فَبَعْضُ النَّاس؛ لَا يُفْسِحُونَ الطَّرِيقَ لِغَيْرِهِمْ إِلَّا إِذَا كَانُوا يَعْرِفُونَ هَذَا الشَّخْص، أَمَّا إِذَا كَانُوا لَا يَعْرِفُونَه، فَإِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ وَيُقَاتِلُونَ حَتَّى يَتَحَصَّلُونَ عَلَى الطَّرِيق، وَكَأَنَّهُمْ فِي سَاحَةِ قِتَال، نَاهِيكُمْ عَنِ السَّبِّ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْن، حَتَّى تَصِلَ بِهِمُ الدَّرَجَةُ إِلَى الْقِتَالِ وَإِشْهَارِ السِّلَاحِ، وَوَصَلَ الْأَمْرُ فِي بَعْضِ الْمُدُنِ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاء، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْحُصُولِ عَلَى الطَّرِيق، الَّذِي يَبْدُو وَكَأَنَّهُمْ وَرِثُوهُ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُون: إِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ لَيَعْجَبُ أَنْ تُعْطَى قِيَادَةُ السَّيَّارَاتِ لِهَؤُلَاءِ الصِّغَار، الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ التَّخَلُّصَ مِنَ الْمَوَاقِفِ الْحَرِجَة، فِي سَاعَةِ الخَطَر، وَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ لَيَعْجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَهَوِّرِينَ الَّذِينَ لَا يُرَاعُونَ حُرْمَةَ نِظَامِ الدَّوْلَة، وَلَا حُرْمَةَ نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْفَرْقَ فِي مُرَاعَاةِ النِّظَامِ وَالسَّيْرِ الْمُعْتَدِلِ أَمْرٌ بَسِيط، نَاهِيكُمْ عَنِ الطُّرُقِ الْمُتَهَالِكَة، فَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ شَخْصاً أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ بِسُرْعَةٍ تَبْلُغُ مِائَةَ كِيلُومِتْرٍ فِي السَّاعَة، فَسَارَ بِسُرْعَةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِينَ؛ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَخَّرْ سِوَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ دَقِيقَة، فِي سَيْرِ سَاعَةٍ كَامِلَةٍ، وَسِتِّ دَقَائِقَ فِي سَيْرِ نِصْفِ سَاعَة، وَثَلَاثِ دَقَائِقَ فِي سَيْرِ رُبْعِ سَاعَة، وَمَا أَيْسَرَ هَذَا التَّأَخُّر، الَّذِي بِهِ وِقَايَةُ النَّفْسِ وَالْمَالِ مِنَ الْخَطَر، وَالَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَزُولَ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ فِي مَشْيِهِ بِمِقْدَارِ هَذَا التَّأَخُّر.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأَستَغْفرُ اللهَ لي وَلَكُم وَلسَائر المُسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنْب، فاستغفرُوه إنهُ هُو الغفُور الرَّحيم.
الخطبـــــــــــــــــــــة الثانيــــــــــــــة
الْحَمْدُ لله حَمْداً كَثِيراً طيباً مُباركاً فيه.
وَبَعْد فيأيها المؤمنون: لَقَدْ كَثُرَتِ الْحَوَادِثُ فِي بِلَادِنَا كَثْرَةً فَاحِشَة، بِسَبَبِ التَّهَوُّرِ والسُّرْعَةِ الْجُنُونِيَّةِ تَارَةً، وَبِسَبَبِ تَهَالُكِ مُعْظَمُ الطُّرُقِ تَارَةً أُخْرى، فَأَصْبَحَ الْمُصَابُونَ فِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ مَا بَيْنَ مُعَاقٍ وَقَتِيلٍ وَجَرِيح، لَيْسَ بِالْأَفْرَادِ فَحَسْب، وَلَكِنْ بِالْأَفْرَادِ أَحْيَاناً وَبِالْجُمْلَةِ أَحْيَاناً أُخْرَى، ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْحَوَادِثِ: خَسَائِرُ مَالِيَّةٍ وَخَسَائِرُ رُوحِيَّة، وَنَدَمٌ وَحَسْرَةٌ فِي قُلُوبِ مُسَبِّبِيهَا، إِنْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ حَيَّةً تَخْشَى الله، وَتَرْحَمُ عِبَادَ الله.
إِنَّ النَّفْسَ إِذَا فُقِدَتْ بِهَذِهِ الْحَوَادِثِ لَزِمَ مِنْ ذَلِك: إِرْمَالُ أَهْلِهِ وَإِيتَامُ أَوْلَادِهِ، وَغَرَامَةُ دِيَّتِهِ تُسَلَّمُ إِلَى وَرَثَتِه، بِالْإِضَافَةِ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَة، فَهْيَ حَقٌّ للهِ تَعَالَى، فَكُلُّ مَنْ قَتَلَ نَفْساً خَطَئاً، أَوْ تَسَبَّبَ فِي ذَلِك، أَوْ شَارَكَ فِيه؛ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة. فَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي حَادِثِ سَيْر، وَتُوُفِّيَ فِيهِ شَخْصٌ وَاحِد، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ كَامِلَة، وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَة؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي عَصْرِنَا الْيَوْم؛ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا يُفْطِرُ بَيْنَهُمَا يَوْماً وَاحِداً إِلَّا مِنْ عُذْرٍ شَرْعِي، فَإِنْ أَفْطَرَ قَبْلَ إِتْمَامِهِمَا وَلَوْ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ دُونِ عُذْرٍ وَجَبَ اسْتِئْنَافَهَا مِنْ جَدِيد، يقولُ اللهُ تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَّقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَّصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهْوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ حَقٌّ للهِ تَعَالَى، لَا تَسْقُطُ بِعَفْوِ أَهْلِ الْمَيِّتِ عَنِ الدِّيَّة، فَأَهْلُ الْمَيِّتِ إِذَا عَفَوْا عَنِ الدِّيَّةِ إِنَّمَا يَمْلِكُونَ إِسْقَاطَهَا، إِنْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ مَصْلَحَة، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَا يَمْلِكُونَ إِسْقَاطَهَا؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ للهِ ، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضاً تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَمْوَاتِ بِسَبَبِ الْحَادِث، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ وَاحِداً فَعَلَيْهِ شَهْرَان، وَإِنْ مَاتَ اثْنَانِ فَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُر، وَإِنْ مَاتَ ثَلَاثَةٌ فَسِتَّةُ أَشْهُر، وَهَكَذَا لِكُلِّ نَفْسٍ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَان.
فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ الله، وَاتَّقُوا اللهَ فِي إِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مُخَالَفَةَ نِظَامِ الدَّوْلَةِ لَيْسَ مُخَالَفَةً لِبَشَرٍ فَقَطْ، وَلَكِنَّهَا مُخَالَفَةٌ لِلْبَشَرِ وَلِخَالِقِ الْبَشَر؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ. قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسُولِكَ محمد، وارضَ اللهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهُمَّ كُنْ لِقُوَّاتِنَا الْمُسلحة عَوْناً ونَصِيراً وَمُؤَيِّداً وَظَهِيراً، اللهُمَّ ثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَسَدِّدْ رَمْيَهُمْ، اللهم تقبل شهداءهم، واشفِ جرحاهم، اللهُمَّ عليك بالخوارجِ المارقين، اللهم عليك بالإخوانِ المجرمين، اللهمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عليهم، اللهُمَّ شَتِّتْ شَمْلَهُمْ وَفَرِّقْ جَمْعَهُمْ، اللهمَّ مَنْ أَرَادَ بِلادَنَا بِسُوء؛ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِه، وَاجْعَلْ تَدْمِيرَهُ فِي تَدْبِيرِه، وَاجْعَلِ الدَّائِرَةَ عَلَيْه، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيز. وآخرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين.