الحث على العلم والعمل به بتاريخ 2/11/2012م 17 ذو الحجة 1433 هــ لطالب العلم // إبراهيم البغدادي مسجد عبدالرحمن الغافقي سبها - ليبيا
الخطبـــــــــــــــة الأولـــــــــــى
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، والحمد لله الذي فضل العلم على الجهل، فقال: { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم بمن يصلح للعلم والدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، القائل: { من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين }رواه البخاري، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتعلموا أحكام شريعتهِ بطلب العلم النافع، فإن العلم نور وهدى، والجهل ظلمة وضلال، تعلموا ما أنزل الله على رسوله من الوحي، فإن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء ما ورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر من ميراثهم، تعلموا العلم فإنه رفعة في الدنيا والآخرة، وأجر مستمر إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَتٍ}، وقال النبي :{إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له}رواه مسلم، انظروا إلى آثار العلماء الربانيين لم تزل موجودة إلى يومنا هذا طوال الشهور والسنين، آثارهم محمودة وطريقتهم مأثورة، وذكرهم مرفوع، وسعيهم مشكور، إن ذُكروا في المجالس ترحم الناس عليهم ودعوا لهم، وإن ذكرتِ الأعمال الصالحة والآداب العالية فهم قدوة الناس فيها. أيها الناس تعلموا العلم واعملوا به فإن تعلم العلم جهاد في سبيل الله، والعمل به نور وبصيرة من الله: {أَوَمَن كَانَ مَيِّتاً فَأَحْيَيْنَهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}.
أيها الناس إننا في بدايةِ العام الدراسي، يستقبل فيه المتعلمون ما يُلقَى إليهم من العلوم، ويستقبل فيه المعلمون من يتلقى عنهم العلوم والآداب والأخلاق، إن على المتعلمين أن يعدوا لهذا العام الجد والنشاط، وأن يحرصوا ما استطاعوا على تحصيل العلم من كل طريق وباب، وأن يبذلوا غايةَ الجهد لرسوخ العلوم في قلوبهم فيجتهدوا عليها من أول العام، ففي ذلك سببٌ لرسوخ العلم وتيسير حصوله، لأنه إذا اجتهد من أول العام أخذ العلم شيئاً فشيئاً فسهُل عليه، وأما إذا توانى في أول السنة فإنه يصعُبُ عليه بعد ذلك، وتتراكمُ عليه العلوم، ويكون تصوره لها تصوراً سطحياً لا يرسخ في قلبه ولا يبقى في ذهنه، وإن من واجب المتعلم إذا أحاط علماً بالمسألة أن يطبقها على نفسه ويعمل بها ليكون علمه نافعاً له، فإن العلم النافع هو ما طبقه الإنسان عملياً، والعمل بالعلم هو ثمرة العلم، ولِجاهلٍ خيرٌ من عالم لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به، فإن العلم سلاح، إما أن يكون سلاحاً لك على عدوك، وإما أن يكون سلاحاً عليك، أيها المتعلم إذا علمت مسألةً دينيةً فاعمل بها، وإلا فما فائدةُ العلم، فالعلوم الشرعية إذا لم تطبقها وخالفتها كانت حجةً عليك.
ولما للعلمِ من شرف المكانةِ وعظيمِ المنزلة، جاء دينُنا الإسلاميُّ الحنيف بالحثِّ على العلمِ والترغيبِ فيه، والتشجيع على سلوكِ سبيله، وأنَّ سلوكَ سبيلِ العلمِ النافعِ طريقٌ إلى دخول الجنة بإذن الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة}رواه مسلم، فالعلم بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعلم بكل ما تحتاجه الأمة الإسلامية في مسيرتها، سببٌ لنجاحها، مع تمسكها بأصولِ عقيدتها، وتعاليمِ دينها.
والعلمُ شرفٌ ونورٌ وفضيلة، والجهل شرٌ وبلاءٌ ورذيلة، وأنَّ العلمَ النافع مصدر الفضائل وينبوعُها، والجهلُ مكمنُ الرذائلِ ومورِدُها، وبالعلمِ النافع يتحقق للأفراد والمجتمعات بناءُ الأمجادِ وتشييدُ الحضارات، كما أنه بالجهل تتزعزعُ الأركان، ويتصدعُ عامرُ البنيان، ويحلُّ الدمارُ بِبَنِي الإنسان.
أما سلفنا الصالح رحمهم الله، فقد سطَّروا أنصعَ الصفحات، وضربوا أروعَ الأمثلةِ في الحرصِ على العلم، وقطعوا الفيافي والقفار للرحلة في طلبه، حتى خلَّف ذلك الجهد حضارةً علميةً متنوعة، لم يشهدِ التاريخ لها مثيلاً، وحتى تبوأت المكتبة الإسلامية في شتَّى العلوم والفنون أوجَ مكانتها، وما ذاك إلا لتوفيقِ الله سبحانه، ثم للإخلاصِ في طلب العلم.
أمة العلم والإيمان! إن أعظمَ بليةٍ ابتُلِيَ بها كثيرٌ من المسلمين اليوم: الجهلُ بدينِ الله، فهو سببٌ لكل مشكلة، وطريقٌ لكلّ معضلة، وما تَعَبد كثيرٌ من الناس بغيرِ شرع الله، من الطرائق والأهواء، إلا لسبب الجهل بجوهرِ الإسلام وأصوله السامية.
فكلُّ شرٍ وبلاءٍ وفسادٍ وداء، في عقيدة الأمة وعباداتها، وتصوراتها وأفكارها، وسلوكها وأخلاقها، فالجهل مصدره، ومن أحبَّ نجاتَه فطريقُ العلم سُلَّمُ الوصولِ لذلك بإذن الله.
فيجب العلم بكتاب الله حفظاً وتلاوةً وتفسيراً، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم روايةً ودرايةً وتطبيقاً، والعناية بالفقه في دين الله، في العقيدة والعبادات والمعاملات وسواها، ليكونَ المسلمُ على بصيرةٍ من أمره، كذلكمُ العلمُ بلغة القرآن الكريم، اللغةُ العربيةُ الفصحى، التي زهِد فيها كثيرٌ من الناس، وزاحموها بغيرها من اللغات، ولا تزال تلقى حرباً لا هوادةَ فيها، في أساليبها وتراكيبها، من بعض الحاقدين عليها، لكن الله حفِظها ما حفِظ دينَه وكتابَه.
هذا وإن المسلمين اليوم لفي أمَسِّ الحاجة إلى أن يتكون منهم أجيالٌ ملمةٌ بالعلوم المهمة التي يحتاجها المسلمون، كعلم الطب والهندسة والاقتصاد ونحوها، ليتسنَّى لهم خدمةُ دينهم والاستغناءُ عن غيرهم.
ومما يجدر التنويه بشأنه: ضرورةَ أن يتعلم طائفةٌ من المسلمين العلوم الأخرى، ليتمكنوا من مواكبةِ العصر الذي يعيشونه، وليتسنى لهم الدفاع عن مقدساتهم وحرماتهم وعقيدتهم، كما أنه ينبغي أن يكون من بين المسلمين من يُعنى بالعلوم المهنية، والأعمال الفنية؛ ليُكَمّل المسلمون أنفسهم من كل علمٍ فيه نفعُهُم، وصلاحِ أحوالهم.
إن المهم في كل علمٍ إخلاصُ العملِ فيه لله، وتسخيرِهِ لخدمة الدينِ والعقيدة، والدعوةِ إلى الإسلامِ من خلاله.
أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى، واعلموا أنكم مسؤولون أمام الله، فكونوا خيرَ قدوةٍ لأبنائكم، ومُثُلاً أعلى في الخُلُق والاستقامة، واعتنوا بتربيتهم تربيةً إسلاميةً صحيحة، فأنتم مربون قبل أن تكونوا ملقنين.
أما من منَّ الله عليهم بالعلم والمعرفة، فإن واجبَهم عظيمٌ في البلاغِ والبيان، وتعليمِ المسلمين أمورَ دينهم، وإعادةِ مكانةِ العلم، وعليهم أيضاً أن يعوا دورَهم الكبير في متابعة أبنائهم، وتفقدِ أحوالهم، وإيجادِ العلاقة الوطيدة بين الأسرة والمدرسة، ليتمَّ التعاونُ البنَّاء المثمر علماً وعملاً وتوجيهاً وتربية.
والله نسأل أن يرزق الجميع العلم النافع والعمل الصالح، إنه جوادٌ كريم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبــــــــــة الثانيـــــــــــــة:
الحمد لله الذي فقه من أراد به خيرا في الدين، ورفع منازل العلماء فوق العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهد لنفسه بالوحدانية وشهد بها ملائكته والعلماء من المؤمنين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوثِ هدىً للعالمين، وحجةً على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وتفقهوا في دينكم، فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وتعلموا ما أنزل الله على رسوله من الأحكام بأدلتها، وما يترتب عليها من ثوابها وعقوبتها، فإنه بمعرفته ذلك، يكون متعبداً لله على بصيرة، ونافعاً لعباد الله في عباداتهم ومعاملاتهم الدقيقةِ والجليلة، ولا شك أن هذا خيرٌ عظيمٌ، وفضلٌ جسيمٌ في التفقه في الدين، واسألوا أهل العلم عما أشكل عليكم إن كنتم لا تعلمون، واعمروا أوقاتكم بالعلم النافع، فليس العلم محدوداً بسن، ولا معيناً بمرحلة، ولا منتهياً بنيل شهادةٍ عالية، واعلموا أنكم في زمانٍ لا مخرج لكم من فتنه، إلا بالتسلح بالعلمِ النافع، وإذا كان العالم بحمدِ الله وفضله يشهدُ إقبالاً وصحوة، فينبغي أن يُتوَّج هذا التوجُّه بالعلمِ النافع، ليُرسي قواعده، ويربطَ مسالكَه، ويعصمه من الانحراف بإذن الله.
كذلك يجب على من يقومون بالدعوة إلى الله، أن يكونوا على علمٍ بما يَدعُونَ إليه، وطريقةِ الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، هذا وإن من الظواهر الخطيرة في هذا المجال، ظاهرة التعالم، وادعاءِ كثيرٍ من الناس العلم وهم ليسوا كذلك، بل ليسوا من أنصاف المتعلمين، فيحصل عندهم من الجرأة على الله وعلى رسوله، وإصدار الفتاوى، والنيلِ من أهل العلم المعتبرين، ما يسبب خطراً كبيراً على المجتمعات، فاتقوا الله عباد الله وتعلموا ما ينفعُكم، وأَتْبعُوا العلمَ بالعمل، والدعوةِ إلى الله، كل ذلك بخطىً متوازنة، لا إفراطَ فيها ولا تفريط، وبذلك يحصل النفعَ العظيم، والخيرَ العظيم بإذن الله.
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على مُعلمِ الناسِ الخير، النبي المجتبى، والرسولُ المصطفى، كما أمركم بذلك ربكم جل وعلا، فقال في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق كلَّ من يريدُ الخيرَ للبلاد، وأيدهم بتأييدك، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، اللهم انصر بهم دينك، وأعلِ بهم كلمتك، وارزقهم البطانةَ الصالحة، ووفقهم إلى ما فيه عِزَّ الإسلام وصلاحٍ للمسلمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، واغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين المؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم عاجلاً غيرَ آجلٍ يا قوي يا عزيز. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.