أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع | |
| .: عدد زوار الشبكة :. |
|
| أحكام القرآن للشافعي | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 11:50 | |
| مُقَدِّمَةُ الْكِتَاب
( بسم الله الرحمن الرحيم )
وَبِهِ الْعَوْنُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ , الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ طِينٍ وَجَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ , ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَهُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ وَبَعَثَ فِيهِمْ الرُّسُلَ وَالْأَئِمَّةَ مُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمُنْذِرِينَ بِالنَّارِ مَنْ عَصَى اللَّهَ وَخَصَّنَا بِالنَّبِيِّ الْمُصْطَفَى , وَالرَّسُولِ الْمُجْتَبَى , أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ صلى الله عليه وعلى آله , الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَاصْطَفَاهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ , أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ إلَى مَنْ جَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ مِنْ كَافَّةِ الْخَلْقِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وَأَنْزَلَ مَعَهُ كِتَابًا عَزِيزًا وَنُورًا مُبِينًا وَتَبْصِرَةً وَبَيَانًا وَحِكْمَةً وَبُرْهَانًا وَرَحْمَةً وَشِفَاءً وَمَوْعِظَةً وَذِكْرًا . فَنَقَلَ بِهِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِتَوْفِيقِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ إلَى الرُّشْدِ , وَالْهِدَايَةِ وَبَيَّنَ فِيهِ مَا أَحَلَّ وَمَا حَرَّمَ وَمَا حَمِدَ وَمَا ذَمَّ وَمَا يَكُونُ عِبَادَةً وَمَا يَكُونُ مَعْصِيَةً نَصًّا أَوْ دَلَالَةً وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ وَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ وَوَضَعَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ دِينِهِ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ عَنْهُ , وَحِينَ قَبَضَهُ اللَّهُ قَيَّضَ فِي أُمَّتِهِ جَمَاعَةً اجْتَهَدُوا فِي مَعْرِفَةِ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَسَخُوا فِي الْعِلْمِ وَصَارُوا أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِهِ وَيُبَيِّنُونَ مَا يُشْكِلُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ . وَقَدْ صَنَّفَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيه وَإِعْرَابِهِ وَمَبَانِيه , وَذَكَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي أَحْكَامِهِ مَا بَلَغَهُ عِلْمُهُ وَرُبَّمَا يُوَافِقُ قَوْلُهُ قَوْلَنَا وَرُبَّمَا يُخَالِفُهُ , فَرَأَيْتُ مَنْ دَلَّتْ الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ الْمُطَّلِبِيِّ ابْنَ عَمِّ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ قَدْ أَتَى عَلَى بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَكَانَ ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي كُتُبِهِ الْمُصَنَّفَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْأَحْكَامِ , فَمَيَّزْتُهُ وَجَمَعْتُهُ فِي هَذِهِ الْأَجْزَاءِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُخْتَصَرِ , لِيَكُونَ طَلَبُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَيْسَرَ وَاقْتَصَرَتْ فِي حِكَايَةِ كَلَامِهِ عَلَى مَا يَتَبَيَّنُ مِنْهُ الْمُرَادُ دُونَ الْإِطْنَابِ , وَنَقَلْتُ مِنْ كَلَامِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَاسْتِشْهَادِهِ بِالْآيَاتِ الَّتِي احْتَاجَ إلَيْهَا مِنْ الْكِتَابِ , عَلَى غَايَةِ الِاخْتِصَارِ مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ . وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ الْبَرَّ الرَّحِيمَ أَنْ يَنْفَعَنِي وَالنَّاظِرِينَ فِيهِ بِمَا أَوْدَعْتُهُ وَأَنْ يَجْزِيَنَا جَزَاءَ مَنْ اقْتَدَيْنَا بِهِ فِيمَا نَقَلْتُهُ , فَقَدْ بَالَغَ فِي الشَّرْحِ وَالْبَيَانِ , وَأَدَّى النَّصِيحَةَ فِي التَّقْدِيرِ وَالْبَيَانِ وَنَبَّهَ عَلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَالْبُرْهَانِ ; حَتَّى أَصْبَحَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ دِينِ رَبِّهِ وَيَقِينٍ مِنْ صِحَّةِ مَذْهَبِهِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَحَ صَدْرَنَا لِلرَّشَادِ , وَوَفَّقَنَا لِصِحَّةِ هَذَا الِاعْتِقَادِ وَإِلَيْهِ الرَّغْبَةُ ( عَزَّتْ قُدْرَتُهُ ) فِي أَنْ يُجْرِي عَلَى أَيْدِينَا مُوجِبَ هَذَا الِاعْتِقَادِ وَمُقْتَضَاهُ , وَيُعِينَنَا عَلَى مَا فِيهِ إذْنُهُ وَرِضَاهُ وَإِلَيْهِ التَّضَرُّعُ فِي أَنْ يَتَغَمَّدَنَا بِرَحْمَتِهِ , وَيُنْجِيَنَا مِنْ عُقُوبَتِهِ , إنَّهُ الْغَفُورُ الْوَدُودُ , وَالْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَسَّانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ , قَالَ : كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى تَفْسِيرَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ , فَقَالَ لَنَا يُونُسُ : كُنْتُ أَوَّلًا أُجَالِسُ أَصْحَابَ التَّفْسِيرِ وَأُنَاظِرُ عَلَيْهِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ إذَا أَخَذَ فِي التَّفْسِيرِ كَأَنَّهُ شَهِدَ التَّنْزِيلَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ حَمْدُونٌ قَالَ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ يَقُولُ : قَلَّمَا كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله إلَّا وَالْمُصْحَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَتَتَبَّعُ أَحْكَامَ الْقُرْآنِ .
فَصْلٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي التَّحْرِيضِ عَلَى تَعَلُّمِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ رحمه الله أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ; أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ , فَقَالَ : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } , فَنَقَلَهُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْعَمَى إلَى الضِّيَاءِ وَالْهُدَى وَبَيَّنَ فِيهِ مَا أَحَلَّ لَنَا بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى خَلْقِهِ وَمَا حَرَّمَ لِمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ [ مِنْ ] حَضِّهِمْ عَلَى الْكَفِّ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى , وَابْتَلَى طَاعَتَهُمْ بِأَنْ تَعَبَّدَهُمْ بِقَوْلٍ وَعَمَلٍ , وَإِمْسَاكٍ عَنْ مَحَارِمَ وَحَمَاهُمُوهَا , وَأَثَابَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ مِنْ الْخُلُودِ فِي جَنَّتِهِ وَالنَّجَاةِ مِنْ نِقْمَتِهِ مَا عَظُمَتْ بِهِ نِعْمَتُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَأَعْلَمَهُمْ مَا أَوْجَبَ عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ مِنْ خِلَافِ مَا أَوْجَبَ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَوَعَظَهُمْ بِالْإِخْبَارِ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَأَطْوَلَ أَعْمَارًا , وَأَحْمَدَ آثَارًا , فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فِي حَيَاةِ دُنْيَاهُمْ , فَأَذَاقَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ قَضَائِهِ مَنَايَاهُمْ دُونَ آمَالِهِمْ وَنَزَلَتْ بِهِمْ عُقُوبَتُهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ ; لِيَعْتَبِرُوا فِي آنِفِ الْأَوَانِ , وَيَتَفَهَّمُوا بِجَلِيَّةِ التِّبْيَانِ , وَيَنْتَبِهُوا قَبْلَ رَيْنِ الْغَفْلَةِ وَيَعْمَلُوا قَبْلَ انْقِطَاعِ الْمُدَّةِ , حِينَ لَا يُعْتَبُ مُذْنِبٌ , وَلَا تُؤْخَذُ فِدْيَةٌ وَ { تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } . وَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) رَحْمَةً وَحُجَّةً ; عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ . قَالَ : وَالنَّاسُ فِي الْعِلْمِ طَبَقَاتٌ , مَوْقِعُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْعِلْمِ بِهِ , فَحَقَّ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بُلُوغُ غَايَةِ جُهْدِهِمْ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْ عِلْمِهِ وَالصَّبْرُ عَلَى كُلِّ عَارِضٍ دُونَ طَلَبِهِ وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ فِي اسْتِدْرَاكِ عِلْمِهِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ فِي الْعَوْنِ عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ خَيْرٌ إلَّا بِعَوْنِهِ , فَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَ عِلْمَ أَحْكَامِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ نَصًّا وَاسْتِدْلَالًا , وَوَفَّقَهُ اللَّهُ لِلْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِمَا عَلِمَ مِنْهُ فَازَ بِالْفَضِيلَةِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَانْتَفَتْ عَنْهُ الرِّيَبُ وَنَوَّرَتْ فِي قَلْبِهِ الْحِكْمَةُ , وَاسْتَوْجَبَ فِي الدِّينِ مَوْضِعَ الْإِمَامَةِ . فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْمُبْتَدِئَ لَنَا بِنِعَمِهِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا , الْمُدِيمَ بِهَا عَلَيْنَا مَعَ تَقْصِيرِنَا فِي الْإِتْيَانِ عَلَى مَا أَوْجَبَ مِنْ شُكْرِهِ لَهَا , الْجَاعِلَنَا فِي خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أَنْ يَرْزُقَنَا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلًا وَعَمَلًا يُؤَدِّي بِهِ عَنَّا حَقَّهُ , وَيُوجِبُ لَنَا نَافِلَةَ مَزِيدِهِ . فَلَيْسَتْ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ نَازِلَةٌ إلَّا وَفِي كِتَابِ اللَّهِ الدَّلِيلُ عَلَى سُبُلِ الْهُدَى فِيهَا . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَمَنْ جِمَاعِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْعِلْمُ بِأَنَّ جَمِيعَ كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَالْمَعْرِفَةُ بِنَاسِخِ كِتَابِ اللَّهِ وَمَنْسُوخِهِ وَالْفَرْضِ فِي تَنْزِيلِهِ , وَالْأَدَبِ وَالْإِرْشَادِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْمَعْرِفَةُ بِالْوَضْعِ الَّذِي وَضَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْإِبَانَةِ عَنْهُ فِيمَا أَحْكَمَ فَرْضَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا أَرَادَ بِجَمِيعِ , فَرَائِضِهِ أَأَرَادَ كُلَّ خَلْقِهِ , أَمْ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ ؟ وَمَا افْتَرَضَ عَلَى النَّاسِ مِنْ طَاعَتِهِ وَالِانْتِهَاءِ إلَى أَمْرِهِ , ثُمَّ مَعْرِفَةُ مَا ضَرَبَ فِيهَا مِنْ الْأَمْثَالِ الدَّوَالِّ عَلَى طَاعَتِهِ , الْمُبِينَةِ لِاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ , وَتَرْكُ الْغَفْلَةِ عَنْ الْحَظِّ وَالِازْدِيَادُ مِنْ نَوَافِلِ الْفَضْلِ . فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَالَمِينَ أَلَّا يَقُولُوا إلَّا مِنْ حَيْثُ عَلِمُوا . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ إلَّا بِلِسَانِ الْعَرَبِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا } . فَأَقَامَ حُجَّتَهُ بِأَنَّ كِتَابَهُ عَرَبِيٌّ , ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ نَفَى عَنْهُ كُلَّ لِسَانٍ غَيْرَ لِسَانِ الْعَرَبِ , فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ , فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } . وَقَالَ : وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ إنَّ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ لِسَانِ الْعَرَبِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ خَاصًّا يَجْهَلُهُ بَعْضُ الْعَرَبِ . وَلِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ مَذْهَبًا , وَأَكْثَرُهَا أَلْفَاظًا , وَلَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ عِلْمِهِ إنْسَانٌ غَيْرُ نَبِيٍّ . وَلَكِنَّهُ لَا يَذْهَبُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ , كَالْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ لَا نَعْلَمُ رَجُلًا جَمَعَهَا , فَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَيْهِ فَإِذَا جُمِعَ عِلْمُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا أُتِيَ عَلَى السُّنَنِ . وَاَلَّذِي يَنْطِقُ الْعَجَمَ بِالشَّيْءِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ , فَلَا يُنْكَرُ إذَا كَانَ اللَّفْظُ قِيلَ تَعَلُّمًا , أَوْ نُطِقَ بِهِ مَوْضُوعًا أَنْ يُوَافِقَ لِسَانَ الْعَجَمِ أَوْ بَعْضَهُ قَلِيلٌ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ فَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ الْخُصُوصِ وَالْعُمُوم
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ تَعَالَى : { خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } الْآيَةَ . فَهَذَا عَامٌّ لَا خَاصَّ فِيهِ , فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ سَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَذِي رُوحٍ , وَشَجَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَاَللَّهُ خَالِقُهُ . وَكُلُّ دَابَّةٍ فَعَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } الْآيَةُ ,
وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَبَيَّنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَأَمَّا الْعُمُومُ مِنْهَا , فَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } فَكُلُّ نَفْسٍ خُوطِبَ بِهَذَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَبْلَهُ وَبَعْدَهُ مَخْلُوقَةٌ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَكُلُّهَا شُعُوبٌ وَقَبَائِلُ . وَالْخَاصُّ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } لِأَنَّ التَّقْوَى إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَنْ عَقَلَهَا وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا مِنْ الْبَالِغِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ دُونَ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ الدَّوَابِّ سِوَاهُمْ وَدُونَ الْمَغْلُوبِ عَلَى عُقُولِهِمْ مِنْهُمْ , وَالْأَطْفَالُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا عَقْلَ التَّقْوَى مِنْهُمْ . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالتَّقْوَى وَخِلَافِهَا إلَّا مَنْ عَقَلَهَا وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا , أَوْ خَالَفَهَا , فَكَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا . وَفِي السُّنَّةِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ; قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ , وَالصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ , وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَهَكَذَا التَّنْزِيلُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْبَالِغِينَ الْعَاقِلِينَ دُونَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِمَّنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ وَدُونَ الْحَيْضِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } الْآيَةُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَإِذَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسٌ غَيْرُ مَنْ جَمَعَ لَهُمْ مِنْ النَّاسِ , وَكَانَ الْمُخْبِرُونَ لَهُمْ نَاسًا غَيْرَ مَنْ جَمَعَ لَهُمْ وَغَيْرَ مَنْ مَعَهُ مِمَّنْ جُمِعَ عَلَيْهِ مَعَهُ وَكَانَ الْجَامِعُونَ لَهُمْ نَاسًا فَالدَّلَالَةُ بَيِّنَةٌ . لِمَا وَصَفَتْ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا جَمَعَ لَهُمْ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ , وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنْ لَمْ يَجْمَعْ لَهُمْ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا هُمْ النَّاسَ كُلَّهُمْ . وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْمُ النَّاسِ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَعَلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَعَلَى مَنْ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ وَثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ كَانَ صَحِيحًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ , أَنْ يُقَالَ : ( قَالَ لَهُمْ النَّاسُ ) . قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِينَ قَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ ; إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ , يَعْنُونَ الْمُنْصَرِفِينَ مِنْ أُحُدٍ وَإِنَّمَا هُمْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ كَثِيرِينَ مِنْ النَّاسِ , جَامِعُونَ مِنْهُمْ غَيْرَ الْمَجْمُوعِ لَهُمْ وَالْمُخْبِرُونَ لِلْمَجْمُوعِ لَهُمْ غَيْرُ الطَّائِفَتَيْنِ , وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ النَّاسِ فِي بُلْدَانِهِمْ غَيْرُ الْجَامِعِينَ وَالْمَجْمُوعُ لَهُمْ وَلَا الْمُخْبِرِينَ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } , فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا وَقُودُهَا بَعْضُ النَّاسِ ; لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ . ثُمَّ قَالَ : فَأَبَانَ أَنَّ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَزْوَاجِ مِمَّا سُمِّيَ فِي الْحَالَاتِ , وَكَانَ عَامَّ الْمَخْرَجِ . فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا بَعْضُ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَزْوَاجِ دُونَ بَعْضٍ , وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دِينُ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِ وَالزَّوْجَيْنِ وَاحِدًا , وَلَا يَكُونُ الْوَارِثُ مِنْهُمَا قَاتِلًا وَلَا مَمْلُوكًا .
وَقَالَ تَعَالَى : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } الْآيَةُ . فَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْوَصَايَا يُقْتَصَرُ بِهَا عَلَى الثُّلُثِ وَلِأَهْلِ الْمِيرَاثِ الثُّلُثَانِ وَأَبَانَ أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْوَصَايَا وَالْمِيرَاثِ وَأَنْ لَا وَصِيَّةَ وَلَا مِيرَاثَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أَهْلُ الدَّيْنِ دَيْنَهُمْ . وَلَوْلَا دَلَالَةُ السُّنَّةِ ثُمَّ إجْمَاعُ النَّاسِ لَمْ يَكُنْ مِيرَاثٌ إلَّا بَعْدَ وَصِيَّةٍ أَوْ دَيْنٍ وَلَمْ تَعْدُو الْوَصِيَّةُ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّمَةً عَلَى الدَّيْنِ , أَوْ تَكُونَ وَالدَّيْنُ سَوَاءً , وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَةِ آيَةَ الْوُضُوءِ وَوُرُودَ السُّنَّةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَآيَةَ السَّرِقَةِ وَوُرُودَ السُّنَّةِ بِأَنْ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ ; لِكَوْنِهِمَا غَيْرَ مُحْرَزَيْنِ وَأَنْ لَا يُقْطَعَ إلَّا مَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ . وَآيَةَ الْجَلْدِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ وَبَيَانَ السُّنَّةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْبِكْرَانِ دُونَ الثَّيِّبَيْنِ , وَآيَةَ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى وَبَيَانَ السُّنَّةِ بِأَنَّهُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ سَائِرِ الْقُرْبَى وَآيَةَ الْغَنِيمَةِ وَبَيَانَ السُّنَّةِ بِأَنَّ السَّلَبَ مِنْهَا لِلْقَاتِلِ . وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْصِيصٌ لِلْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ , وَلَوْلَا الِاسْتِدْلَال بِالسُّنَّةِ كَانَ الطُّهْرُ فِي الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَابِسًا لِلْخُفَّيْنِ , وَقَطَعْنَا كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَارِقٍ , وَضَرَبْنَا مِائَةً كُلَّ مَنْ زَنَى وَإِنْ كَانَ ثَيِّبًا , وَأَعْطَيْنَا سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَرَابَةٌ وَخَمَّسْنَا السَّلَبَ لِأَنَّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ .
فَصْلٌ فِي فَرْضِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَعَالَى : وَضَعَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ دِينِهِ وَفَرْضِهِ وَكِتَابِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَبَانَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّهُ جَعَلَهُ عَلَمًا لِدِينِهِ بِمَا افْتَرَضَ مِنْ طَاعَتِهِ وَحَرَّمَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَأَبَانَ , فَضِيلَتَهُ بِمَا قَرَّرَ مِنْ الْإِيمَانِ بِرَسُولِهِ مَعَ الْإِيمَانِ بِهِ . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ }
وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } . فَجَعَلَ دَلِيلَ ابْتِدَاءِ الْإِيمَانِ الَّذِي مَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ , ثُمَّ بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَلَوْ آمَنَ بِهِ عَبْدٌ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ كَمَالِ الْإِيمَانِ أَبَدًا , حَتَّى يُؤْمِنَ بِرَسُولِهِ عليه السلام مَعَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ وَحْيِهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم , فَقَالَ فِي كِتَابِهِ : { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } وَذَكَرَ غَيْرَهَا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي مَعْنَاهَا . قَالَ : فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْكِتَابَ , وَهُوَ الْقُرْآنُ , وَذَكَرَ الْحِكْمَةَ , فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ : الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) بِأَنَّ الْقُرْآنَ ذُكِرَ وَأَتْبَعَتْهُ الْحِكْمَةُ , وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ بِتَعْلِيمِهِمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ . فَلَمْ يَجُزْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ تُعَدَّ الْحِكْمَةُ هَا هُنَا إلَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ أَنَّهَا مَقْرُونَةٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ , وَأَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَتَّمَ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِقَوْلٍ فَرْضٌ إلَّا لِكِتَابِ اللَّهِ , ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُبَيِّنَةً عَنْ اللَّهِ مَا أَرَادَ دَلِيلًا عَلَى خَاصِّهِ وَعَامِّهِ ; ثُمَّ قَرَنَ الْحِكْمَةَ بِكِتَابِهِ فَأَتْبَعَهَا إيَّاهُ وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي فَرْضِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) طَاعَةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم . مِنْهَا : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } , فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أُولُو الْأَمْرِ أُمَرَاءُ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وَهَكَذَا أَخْبَرَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهُوَ يُشْبِهُ مَا قَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ حَوْلَ مَكَّةَ مِنْ الْعَرَبِ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ إمَارَةً , وَكَانَتْ تَأْنَفُ أَنْ تُعْطِيَ بَعْضُهَا بَعْضًا طَاعَةَ الْإِمَارَةِ ; فَلَمَّا دَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالطَّاعَةِ , لَمْ تَكُنْ تَرَى ذَلِكَ يَصْلُحُ لِغَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُمِرُوا أَنْ يُطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَّرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا طَاعَةً مُطْلَقَةً , بَلْ طَاعَةٌ يُسْتَثْنَى فِيهَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ . قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ } يَعْنِي إنْ اخْتَلَفْتُمْ فِي شَيْءٍ وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ , كَمَا قَالَ فِي أُولِي الْأَمْرِ . لِأَنَّهُ يَقُولُ : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) هُمْ وَأُمَرَاؤُهُمْ الَّذِينَ أُمِرُوا بِطَاعَتِهِمْ . { فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إلَى مَا قَالَ اللَّهُ وَالرَّسُولُ إنْ عَرَفْتُمُوهُ , وَإِنْ لَمْ تَعْرِفُوهُ سَأَلْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ إذَا وَصَلْتُمْ إلَيْهِ , أَوْ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ . لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَرْضَ الَّذِي لَا مُنَازَعَةَ لَكُمْ فِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } . وَمَنْ تَنَازَعَ مِمَّنْ بَعُدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ الْأَمْرَ إلَى قَضَاءِ اللَّهِ ; ثُمَّ إلَى قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ قَضَاءٌ نَصًّا فِيهِمَا وَلَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدُّوهُ قِيَاسًا عَلَى أَحَدِهِمَا .
وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } الْآيَةُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَا بَلَغَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي رَجُلٍ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رضي الله عنه فِي أَرْضٍ , فَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهَا لِلزُّبَيْرِ رضي الله عنه وَهَذَا الْقَضَاءُ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا حُكْمٌ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } وَالْآيَاتُ بَعْدَهَا . فَأَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ أَنَّ دُعَاءَهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ دُعَاءٌ إلَى حُكْمِ اللَّهِ وَإِذَا سَلَّمُوا لِحُكْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّمَا سَلَّمُوا لِفَرْضٍ اللَّهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه : وَشَهِدَ لَهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) بِاسْتِمْسَاكِهِ بِأَمْرِهِ بِهِ وَالْهُدَى فِي نَفْسِهِ وَهِدَايَةِ مَنْ اتَّبَعَهُ . فَقَالَ : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } وَذَكَرَ مَعَهَا غَيْرَهَا ثُمَّ قَالَ فِي شَهَادَتِهِ لَهُ إنَّهُ يَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ . وَفِيمَا وَصَفْتُ مِنْ فَرْضِ طَاعَتِهِ مَا أَقَامَ اللَّهُ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ بِالتَّسْلِيمِ لِحُكْمِ رَسُولِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ , فَمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ حُكْمٌ فَحُكْمُ اللَّهِ سُنَّتُهُ . ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الِاسْتِدْلَالَ بِسُنَّتِهِ عَلَى النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرَائِضَ الْمَنْصُوصَةَ الَّتِي بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهَا , ثُمَّ ذَكَرَ الْفَرَائِضَ الْجُمَلَ الَّتِي أَبَان رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَيْفَ هِيَ وَمَوَاقِيتُهَا ; ثُمَّ ذَكَرَ الْعَامَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْعَامَّ وَالْعَامَّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ ; ثُمَّ ذَكَرَ سُنَّتَهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ . وَإِيرَادُ جَمِيعِ ذَلِكَ هَا هُنَا مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ , وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ إشَارَةٌ إلَى مَا لَمْ نَذْكُرْهُ .
فَصْلٌ فِي تَثْبِيتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ الْكِتَابِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَوْحَيْنَا إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } . وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ إنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { إنَّا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأَقَامَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) حُجَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي أَنْبِيَائِهِ بِالْأَعْلَامِ الَّتِي بَايَنُوا بِهَا خَلْقَهُ سِوَاهُمْ , وَكَانَتْ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ شَاهَدَ أُمُورَ الْأَنْبِيَاءِ دَلَائِلُهُمْ الَّتِي بَايَنُوا بِهَا غَيْرَهُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَكَانَ الْوَاحِدُ فِي ذَلِكَ وَأَكْثَرُ مِنْهُ سَوَاءً تَقُومُ الْحُجَّةُ بِالْوَاحِدِ مِنْهُمْ قِيَامَهَا بِالْأَكْثَرِ . قَالَ تَعَالَى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إنَّا إلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ } . قَالَ : فَظَاهِرُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِاثْنَيْنِ , ثُمَّ ثَالِثٍ وَكَذَا أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى الْأُمَمِ بِوَاحِدٍ , وَلَيْسَ الزِّيَادَةُ فِي التَّأْكِيدِ مَانِعَةً مِنْ أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ بِالْوَاحِدِ إذَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يُبَايِنُ بِهِ الْخَلْقَ غَيْرَ النَّبِيِّينَ . وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِالْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي فَرْضِ اللَّهِ طَاعَةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاحِدًا وَاحِدًا , فِي أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ طَاعَتَهُ , وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ غَابَ عَنْ رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْلَمُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ ) إلَّا بِالْخَبَرِ عَنْهُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
فَصْلٌ فِي النَّسْخِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : إنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّاسَ لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِمَّا أَرَادَ بِخَلْقِهِمْ وَبِهِمْ , { لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ ( عَلَيْهِمْ ) { تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [ وَ ] فَرَضَ [ فِيهِ ] فَرَائِضَ أَثْبَتَهَا وَأُخْرَى نَسَخَهَا , رَحْمَةً لِخَلْقِهِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ وَبِالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمْ . زِيَادَةً فِيمَا ابْتَدَأَهُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ , وَأَثَابَهُمْ عَلَى الِانْتِهَاءِ إلَى مَا أَثْبَتَ عَلَيْهِمْ : جَنَّتَهُ وَالنَّجَاةَ مِنْ عَذَابِهِ فَعَمَّتْهُمْ رَحْمَتُهُ فِيمَا أَثْبَتَ وَنَسَخَ , فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ . وَأَبَانَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنْ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَأَنَّ السُّنَّةَ [ لَا نَاسِخَةً لِلْكِتَابِ ] وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْكِتَابِ بِمِثْلِ مَا نَزَلَ نَصًّا وَمُفَسِّرَةً مَعْنَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْهُ جَمْلًا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ إنِّي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى نَبِيِّهِ اتِّبَاعَ مَا يُوحَى إلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَبْدِيلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَفِي [ قَوْلِهِ ] : { مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } بَيَانُ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ كِتَابَ اللَّهِ إلَّا كِتَابُهُ , كَمَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ لِفَرْضِهِ فَهُوَ الْمُزِيلُ الْمُثَبِّتُ لِمَا شَاءَ مِنْهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) , وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ لِذَلِكَ قَالَ : { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ } قِيلَ يَمْحُو فَرْضَ مَا يَشَاءُ [ وَيُثْبِتُ فَرْضَ مَا يَشَاءُ ] وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي كِتَابِ اللَّهِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } . فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ وَتَأْخِيرَ إنْزَالِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ . وَقَالَ : { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ } وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَا يَنْسَخُهَا إلَّا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قوله تعالى : { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بِتَوْفِيقِهِ فِيمَا لَمْ يُنْزِلْ بِهِ كِتَابًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , نَا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ : أَنَا الرَّبِيعُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الصَّلَاةِ : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } { , فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الْمَوَاقِيتَ , وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ لِوَقْتِهَا , فَحُوصِرَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ , فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا , فَأَخَّرَهَا لِلْعُذْرِ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : أَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ , عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : { حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ } قَالَ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا , فَأَمَرَهُ , فَأَقَامَ الظُّهْرَ , فَصَلَّاهَا , فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا , كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ; ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ , فَصَلَّاهَا هَكَذَا ; ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ , فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ; ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ , فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ : { فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَبَيَّنَ أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ [ اللَّهُ ] عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْآيَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ [ وَهِيَ ] قَوْل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَةُ
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ } الْآيَةُ . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله حَدِيثَ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ [ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ] . ثُمَّ قَالَ : وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَنَّ سُنَّةً , فَأَحْدَثَ اللَّهُ فِي تِلْكَ السُّنَّةِ نَسْخَهَا أَوْ مَخْرَجًا إلَى سَعَةٍ مِنْهَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُنَّةً تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ بِهَا حَتَّى يَكُونُوا إنَّمَا صَارُوا مِنْ سُنَّتِهِ إلَى سُنَّتِهِ الَّتِي بَعْدَهَا . قَالَ : فَنَسَخَ اللَّهُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا فِي الْخَوْفِ إلَى أَنْ يُصَلُّوهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ [ فِي وَقْتِهَا ] وَنَسَخَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُنَّتَهُ فِي تَأْخِيرِهَا بِفَرْضِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ بِسُنَّتِهِ , فَصَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا , كَمَا وَصَفْنَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ , عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ , فَقَالَ : إنْ كَانَ خَوْفًا أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلُّوا رِجَالًا وَرُكْبَانًا , مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا } قَالَ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الْمَكْتُوبَةِ عَلَى فَرْضِهَا أَبَدًا , إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ إلَيْهَا وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُسَايَفَةِ وَالْهَرَبِ , وَمَا كَانَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ [ إلَيْهَا ] وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ فِي هَذَا أَنْ لَا تُتْرَكَ [ الصَّلَاةُ ] فِي وَقْتِهَا كَيْفَ مَا أَمْكَنَتْ الْمُصَلِّي .
يتبع
عدل سابقا من قبل الفارس في الخميس 16 ديسمبر - 12:02 عدل 1 مرات | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 11:56 | |
| [b]فَصْلٌ فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِير والْمَعانِي في الطَّهَاراتِ والصَّلَوات
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ أَنَّ غُسْلَهُمْ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَاءِ [ ثُمَّ ] أَبَانَ اللَّهُ فِي [ هَذِهِ ] الْآيَةِ أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَاءِ . وَكَانَ مَعْقُولًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ : [ أَنَّ الْمَاءَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا لَا صَنْعَةَ فِيهِ لِلْآدَمِيِّينَ ] وَذَكَرَ الْمَاءَ عَامًّا ; فَكَانَ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْقُلَّاتِ وَالْبِحَارِ الْعَذْبُ مِنْ جَمِيعِهِ , وَالْأُجَاجُ سَوَاءٌ : فِي أَنَّهُ يُطَهِّرُ مَنْ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ بِهِ . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْوَجْهَ الْمَفْرُوضَ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ مَا ظَهَرَ دُونَ مَا بَطَنَ . وَقَالَ : وَكَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الْوَجْهَ مَا دُونَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى الْأُذُنَيْنِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ وَفِي قوله تعالى : { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } ; قَالَ فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا [ فِي ] أَنَّ الْمَرَافِقَ فِيمَا يُغْسَلُ . كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى [ أَنَّ ] مَعْنَاهَا : فَاغْسِلُوا أَيْدِيكُمْ إلَى أَنْ تُغْسَلَ الْمَرَافِقُ . وَفِي قوله تعالى : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } ; قَالَ : وَكَانَ مَعْقُولًا فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ مِنْ رَأْسِهِ شَيْئًا , فَقَدْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ إلَّا هَذَا وَهُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهَا أَوْ مَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ قَالَ : فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ مَسْحُ رَأْسِهِ كُلِّهِ وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ , فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ . وَفِي قوله تعالى : { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } ;
قَالَ الشَّافِعِيُّ : نَحْنُ نَقْرَؤُهَا ( وَأَرْجُلَكُمْ ) عَلَى مَعْنَى : اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ , وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ قَالَ : وَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوُضُوءِ الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ وَهُمَا مَجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَأَنَّ عَلَيْهِمَا الْغُسْلَ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِمَا إلَى اغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ حَتَّى تَغْسِلُوا الْكَعْبَيْنِ . وَقَالَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْكَعْبُ إنَّمَا سُمِّيَ كَعْبًا لِنُتُوئِهِ فِي مَوْضِعِهِ عَمَّا تَحْتَهُ وَمَا فَوْقَهُ وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الْمُجْتَمِعِ مِنْ السِّمَنِ , كَعْبٌ سَمِنَ وَلِلْوَجْهِ فِيهِ نُتُوءٌ وَجْهٌ كَعَبَ وَالثَّدْيُ إذَا تَنَاهَدَ كَعَبَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي رِوَايَتِنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : وَأَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَأْتِي بِالْغُسْلِ كَيْفَ شَاءَ وَلَوْ قَطَعَهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ : { حَتَّى تَغْتَسِلُوا } فَهَذَا مُغْتَسَلٌ وَإِنْ قَطَعَ الْغُسْلَ ; فَلَا أَحْسَبُهُ يَجُوزُ إذَا قَطَعَ الْوُضُوءَ إلَّا مِثْلُ هَذَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ . فَأَشْبَهَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فِي الْوُضُوءِ شَيْئَانِ [ أَنْ ] يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ , ثُمَّ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم بِهِ مِنْهُ وَيَأْتِي عَلَى إكْمَالِ مَا أَمَرَ بِهِ وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } . { فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفَا وَقَالَ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَذَكَرَ اللَّهُ الْيَدَيْنِ مَعًا وَالرِّجْلَيْنِ مَعًا , فَأُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيُمْنَى وَإِنْ بَدَأَ بِالْيُسْرَى , فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ . وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَكَانَتْ مُحْتَمِلَةً أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي خَاصٍّ , فَسَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ بِالْقُرْآنِ يَزْعُمُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِينَ مِنْ النَّوْمِ , وَأَحْسَبُ مَا قَالَ , كَمَا قَالَ . لِأَنَّ [ فِي ] السُّنَّةِ دَلِيلًا عَلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ مَنْ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَكَانَ الْوُضُوءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ يُحْدِثْ غَائِطًا وَلَا بَوْلًا دُونَ مَنْ أَحْدَثَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا لِأَنَّهُمَا نَجَسَانِ يَمَاسَّانِ بَعْضَ الْبَدَنِ . يَعْنِي , فَيَكُونُ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ فَيَسْتَنْجِي بِالْحِجَارَةِ أَوْ الْمَاءِ ; قَالَ وَلَوْ جَمَعَهُ رَجُلٌ , ثُمَّ غَسَلَ بِالْمَاءِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ . وَيُقَالُ إنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَنْجَوْا بِالْمَاءِ , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَمَعْقُولٌ إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْغَائِطَ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ الْغَائِطَ التَّخَلِّي ; فَمَنْ تَخَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ . ثُمَّ ذَكَرَ الْحُجَّةَ مِنْ غَيْرِ الْكِتَابِ , فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالرِّيحِ وَالْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ سَبِيلِ الْحَدَثِ وَفِي قوله تعالى : { أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ } ;
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ , فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَامَ مِنْ مَضْجَعِ النَّوْمِ . وَذَكَرَ طَهَارَةَ الْجُنُبِ , ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } . فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْغَائِطِ وَأَوْجَبَهُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَوْصُولَةً بِالْغَائِطِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَنَابَةِ , فَأَشْبَهَتْ الْمُلَامَسَةُ أَنْ تَكُونَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ وَالْقُبَلَ غَيْرَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِآثَارٍ ذَكَرَهَا . قَالَ الرَّبِيعُ : اللَّمْسُ بِالْكَفِّ ; أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ . وَالْمُلَامَسَةُ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ , فَلَا يَقْلِبُهُ وَقَالَ الشَّاعِرُ : فَأَلْمَسْتُ كَفِّي كَفَّهُ أَطْلُبُ الْغِنَى وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي فَلَا أَنَا مِنْهُ مَا أَفَادَ ذَوُو الْغِنَى أَفَدْتُ وَأَعْدَانِي فَبَدَّدْتُ مَا عِنْدِي هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَا : الْحُسَيْنُ بْنُ رَشِيقٍ الْمِصْرِيُّ إجَازَةً أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَرِيرٍ النَّحْوِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ : فَذَكَرَ مَعْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } فَأَوْجَبَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْجَنَابَةَ : الْجِمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْجِمَاعِ مَاءٌ دَافِقٌ . وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي حَدِّ الزِّنَا , وَإِيجَابِ الْمَهْرِ , وَغَيْرِهِ وَكُلُّ مَنْ خُوطِبَ بِأَنَّ فُلَانًا أَجْنَبَ مِنْ فُلَانَةَ عَقَلَ أَنَّهُ أَصَابَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَرِفًا يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ فَرْضُ اللَّهِ الْغُسْلَ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ شَيْءٍ , فَإِذَا جَاءَ الْمُغْتَسِلُ [ بِالْغُسْلِ ] أَجْزَأَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَمَا جَاءَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَا وَقْتَ فِي الْمَاءِ فِي الْغُسْلِ , إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِغُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ , انْحَلَّ عِقْدٌ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَقَامَ النَّاسُ عَلَى الْتِمَاسِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) آيَةَ التَّيَمُّمِ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَدَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي وَغَيْرُهُمْ . [ ثُمَّ ] رَوَى فِيهِ حَدِيثَ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } قَالَ : وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ لَمْ يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ , فَهُوَ : صَعِيدٌ طَيِّبٌ يُتَيَمَّمُ بِهِ وَلَا يَقَعُ اسْمُ صَعِيدٍ إلَّا عَلَى تُرَابٍ ذِي غُبَارٍ ; فَأَمَّا الْبَطْحَاءُ الْغَلِيظَةُ وَالرَّقِيقَةُ وَالْكَثِيبُ الْغَلِيظُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَعِيدٍ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ } الْآيَةُ وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } , فَدَلَّ حُكْمُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ التَّيَمُّمَ فِي حَالَيْنِ : أَحَدُهُمَا : السَّفَرُ وَالْإِعْوَازُ مِنْ الْمَاءِ وَالْآخَرُ الْمَرَضُ فِي حَضَرٍ كَانَ أَوْ سَفَرٍ . وَدَلَّ [ ذَلِكَ ] عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسَافِرِ طَلَبَ الْمَاءِ , لِقَوْلِهِ : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } وَكَانَ كُلُّ مَنْ خَرَجَ مُجْتَازًا مِنْ بَلَدٍ إلَى غَيْرِهِ , يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ قَصُرَ السَّفَرُ أَوْ طَالَ . وَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ السُّنَّةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ لِبَعْضِ الْمُسَافِرِينَ أَنْ يَتَيَمَّمَ دُونَ بَعْضٍ , فَكَانَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَافَرَ سَفَرًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا يَتَيَمَّمُ قَالَ : وَإِذَا كَانَ مَرِيضًا بَعْضَ الْمَرَضِ : تَيَمَّمَ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ , وَاجِدًا لِلْمَاءِ أَوْ غَيْرَ وَاجِدٍ لَهُ وَالْمَرَضُ اسْمٌ جَامِعٌ لَمَعَانٍ لِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ , فَاَلَّذِي سَمِعْتُ أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِيهِ الْجِرَاحُ وَالْقُرْحُ دُونَ الْغَوْرِ كُلِّهِ مِثْلُ الْجِرَاحِ ; لِأَنَّهُ يُخَافُ فِي كُلِّهِ إذَا مَا مَسَّهُ الْمَاءُ أَنْ يَنْطِفَ , فَيَكُونَ مِنْ النَّطْفِ التَّلَفُ وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ( رِوَايَةُ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ ) : يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ [ إنْ مَسَّهُ الْمَاءُ ] التَّلَفَ , أَوْ شِدَّةَ الضَّنَى . وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : فَخَافَ , إنْ أَصَابَهُ الْمَاءُ , أَنْ يَمُوتَ , أَوْ يَتَرَاقَى عَلَيْهِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا ; تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لِلْمَرِيضِ التَّيَمُّمَ وَقِيلَ : ذَلِكَ الْمَرَضُ : الْجِرَاحُ وَالْجُدَرِيُّ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ الْمَرَضِ عِنْدِي مِثْلَهُمَا وَلَيْسَ الْحُمَّى وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الرَّمَدِ وَغَيْرِهِ عِنْدِي , مِثْلَ ذَلِكَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَتِنَا : جَعَلَ اللَّهُ الْمَوَاقِيتَ لِلصَّلَاةِ , فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَهَا قَبْلَهَا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَيْهَا وَالْإِعْوَازِ مِنْ الْمَاءِ . فَمَنْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَطَلَبَ الْمَاءَ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ .
أَخْبَرَنَا , أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِنَّمَا قُلْتُ : لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) يَقُولُ { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } , فَكَانَ مَعْقُولًا . أَنَّ الْوَجْهَ لَا يَكُونُ مَغْسُولًا إلَّا بِأَنْ يَبْتَدِئَ لَهُ بِمَاءٍ فَيُغْسَلَ بِهِ , ثُمَّ عَلَيْهِ فِي الْيَدَيْنِ عِنْدِي مِثْلُ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ [ مِنْ ] أَنْ يَبْتَدِئَ لَهَا مَاءً , فَيَغْسِلَهُمَا بِهِ . فَلَوْ أَعَادَ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ الَّذِي غَسَلَ بِهِ الْوَجْهَ كَانَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَوَجْهِهِ وَلَا يَكُونُ مُسَوِّيًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَبْتَدِئَ لَهُمَا الْمَاءَ , كَمَا ابْتَدَأَ لِلْوَجْهِ { وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ لِكُلِّ عُضْوٍ مَاءً جَدِيدًا } وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } إلَى : { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) بِغُسْلِ الْقَدَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ , وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَعْضِ الْمُتَوَضِّئِينَ دُونَ بَعْضٍ . فَدَلَّ مَسْحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهَا عَلَى مَنْ لَا خُفَّيْنِ عَلَيْهِ [ إذَا هُوَ ] لَبِسَهُمَا عَلَى كَمَالِ طَهَارَةٍ . كَمَا دَلَّ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) صَلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَصَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مِمَّنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ , عَلَى بَعْضِ الْقَائِمِينَ دُونَ بَعْضٍ , لَا أَنَّ الْمَسْحَ خِلَافٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا الْوُضُوءَ عَلَى الْقَدَمَيْنِ . زَادَ فِي رِوَايَتِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْهُ : إنَّمَا يُقَالُ : الْغُسْلُ كَمَالٌ وَالْمَسْحُ رُخْصَةُ كَمَالٍ وَأَيَّهمَا شَاءَ فَعَلَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } الْآيَةُ , وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى [ أَنَّ ] الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا } الْآيَةُ . فَكَانَ الْوُضُوءُ عَامًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ الْأَحْدَاثِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ الْجُنُبَ بِالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ , دَلِيلًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ غُسْلٌ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ إلَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى غُسْلٍ وَاجِبٍ فَنُوجِبُهُ بِالسُّنَّةِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي الْأَخْذِ بِهَا وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَمْ أَعْلَمْ دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَى أَنْ يَجِبَ غُسْلٌ غَيْرُ الْجَنَابَةِ الْوُجُوبَ الَّذِي لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ . وَقَدْ رُوِيَ فِي غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ , فَذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى غَيْرِ مَا قُلْنَا وَلِسَانُ الْعَرَبِ وَاسِعٌ . ثُمَّ ذَكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ وَذَكَرَ تَأْوِيلَهُ وَذَكَرَ السُّنَّةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَ [ فِي ] النَّظَافَةِ , وَنَفَى تَغَيُّرَ الرِّيحِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ , وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ .
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) عَنْ الرَّبِيعِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ( رحمه الله تَعَالَى ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } الْآيَةُ . فَأَبَانَ أَنَّهَا حَائِضٌ غَيْرُ طَاهِرٍ وَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَقْرَبَ حَائِضًا حَتَّى تَطْهُرَ وَلَا إذَا طَهُرَتْ حَتَّى تَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ وَتَكُونُ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ . وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } ,
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ يَعْنِي فِي مَوَاضِعِ الْحَيْضِ . وَكَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِمَا قَالَ , وَمُحْتَمِلَةً أَنَّ اعْتِزَالَهُنَّ : اعْتِزَالُ جَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى اعْتِزَالِ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنْهَا وَإِبَاحَةِ مَا فَوْقَهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ مُبَيَّنًا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ : } أَنَّهُنَّ حُيَّضٌ فِي غَيْرِ حَالِ الطَّهَارَةِ وَقَضَى اللَّهُ عَلَى الْجُنُبِ أَنْ لَا يَقْرَبَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَغْتَسِلَ , فَكَانَ مُبَيِّنًا أَنْ لَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْجُنُبِ إلَّا الْغُسْلَ وَلَا مُدَّةَ لِطَهَارَةِ الْحَائِضِ إلَّا ذَهَابَ الْحَيْضِ , ثُمَّ الْغُسْلَ : لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ } وَذَلِكَ : انْقِضَاءُ الْحَيْضِ : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } يَعْنِي بِالْغُسْلِ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ طَهَارَةَ الْحَائِضِ : الْغُسْلُ وَدَلَّتْ عَلَى بَيَانِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ مِنْ أَنْ لَا تُصَلِّيَ الْحَائِضُ . فَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ رضي الله عنها , ثُمَّ قَالَ : { وَأَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ رضي الله عنها : أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي } يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تُصَلِّيَ حَائِضًا ; لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرٍ مَا كَانَ الْحَيْضُ قَائِمًا وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى يَطْهُرْنَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } الْآيَتَيْنِ . فَلَمَّا لَمْ يُرَخِّصْ اللَّهُ فِي أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ فِي الْخَوْفِ وَأَرْخَصَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الْمُصَلِّي , كَمَا أَمْكَنَتْهُ رِجَالًا وَرُكْبَانًا , وَقَالَ : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } وَكَانَ مَنْ عَقَلَ الصَّلَاةَ مِنْ الْبَالِغِينَ , عَاصِيًا بِتَرْكِهَا إذَا جَاءَ وَقْتُهَا وَذِكْرُهَا , [ وَكَانَ غَيْرَ نَاسٍ لَهَا ] , وَكَانَتْ الْحَائِضُ بَالِغَةً عَاقِلَةً , ذَاكِرَةً لِلصَّلَاةِ مُطِيقَةً لَهَا وَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا زَوْجُهَا حَائِضًا وَدَلَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّهُ إذَا حَرَّمَ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا لِلْحَيْضِ , حَرَّمَ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ : كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ [ عَلَى ] أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ زَائِلٌ عَنْهَا , فَإِذَا زَالَ عَنْهَا وَهِيَ ذَاكِرَةٌ عَاقِلَةٌ مُطِيقَةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ . وَكَيْفَ تَقْضِي مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهَا بِزَوَالِ , فَرْضِهِ عَنْهَا ؟ , وَهَذَا مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( رحمه الله ) نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمِمَّا نَقَلَ بَعْضُ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْزَلَ فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } ثُمَّ نَسَخَ هَذَا فِي السُّورَةِ مَعَهُ , فَقَالَ : { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَك } ; قَرَأَ إلَى : { وَآتُوا الزَّكَاةَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بَعْدَ أَمْرِهِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ : نِصْفَهُ إلَّا قَلِيلًا , أَوْ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ , فَقَالَ : { أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ } , فَخَفَّفَ , فَقَالَ : { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } كَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) نَسْخُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ وَالنُّقْصَانُ مِنْ النِّصْفِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } . ثُمَّ احْتَمَلَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } , مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ , فَرْضًا ثَابِتًا ; لِأَنَّهُ أُزِيلَ بِهِ , فَرْضٌ غَيْرُهُ . ( وَالْآخَرُ ) أَنْ يَكُونَ , فَرْضًا مَنْسُوخًا أُزِيلَ بِغَيْرِهِ , كَمَا أُزِيلَ بِهِ غَيْرُهُ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } الْآيَةُ وَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } أَنْ يَتَهَجَّدَ بِغَيْرِ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْهُ فَكَانَ الْوَاجِبُ طَلَبَ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ , فَوَجَدْنَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا وَاجِبَ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا الْخَمْسَ , فَصِرْنَا إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْخَمْسُ وَأَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ وَاجِبٍ مِنْ صَلَاةٍ , قَبْلَهَا مَنْسُوخٌ بِهَا , اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } فَإِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِقِيَامِ اللَّيْلِ وَنِصْفِهِ , وَثُلُثِهِ وَمَا تَيَسَّرَ . وَلَسْنَا نُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ , أَنْ يَتَهَجَّدَ بِمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ , مُصَلِّيًا [ بِهِ ] وَكَيْفَمَا أَكْثَرَ , فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا . ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ , وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ , فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ : قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله . فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا بِلَفْظٍ آخَرَ , ثُمَّ قَالَ : وَيُقَالُ : نُسِخَ مَا وَصَفَتْ الْمُزَّمِّلُ , بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } وَدُلُوكُ الشَّمْسِ : زَوَالُهَا ; { إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } الْعَتَمَةُ , { وَقُرْآنَ الْفَجْرِ } الصُّبْحُ , { إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } فَأَعْلَمَهُ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ نَافِلَةٌ لَا فَرِيضَةٌ وَأَنَّ الْفَرَائِضَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُقَالُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ } الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ { وَحِينَ تُصْبِحُونَ } الصُّبْحُ { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا } الْعَصْرُ { وَحِينَ تُظْهِرُونَ } الظُّهْرُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قِيلَ مِنْ هَذَا , بِمَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَبِهِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَحْكَمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِكِتَابِهِ : أَنَّ مَا فَرَضَ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَوْقُوتٌ وَالْمَوْقُوتُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : الْوَقْتُ الَّذِي نُصَلِّي فِيهِ , وَعَدَدُهَا فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ [ قَالَ ] :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ . } قَالَ يُقَالُ : نَزَلَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ . وَأَيُّمَا كَانَ نُزُولُهَا : قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَوْ بَعْدَ [ هـ ] فَمَنْ صَلَّى سَكْرَانَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ ; لِنَهْيِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إيَّاهُ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقُولُ وَإِنَّ مَعْقُولًا أَنَّ الصَّلَاةَ : قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَإِمْسَاكٌ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا يُؤَدِّي هَذَا كَمَا أَمَرَ بِهِ , إلَّا مَنْ عَقَلَهُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا } وَقَالَ : { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } , فَذَكَرَ اللَّهُ الْأَذَانَ لِلصَّلَاةِ وَذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ . فَكَانَ بَيِّنًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّهُ أَرَادَ الْمَكْتُوبَةَ بِالْآيَتَيْنِ مَعًا وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) الْأَذَانَ لِلْمَكْتُوبَاتِ [ وَلَمْ يَحْفَظْ عَنْهُ أَحَدٌ عَلِمْتُهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَذَانِ لِغَيْرِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك } قَالَ : لَا أُذْكَرُ إلَّا ذُكِرْتَ مَعِي : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : ذِكْرُهُ عِنْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْأَذَانِ , وَيُحْتَمَلُ : ذِكْرُهُ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ الْعَمَلِ بِالطَّاعَةِ وَالْوُقُوفِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ .
وَاحْتَجَّ فِي فَضْلِ التَّعْجِيلِ بِالصَّلَوَاتِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ } وَدُلُوكُهَا مَيْلُهَا . وَبِقَوْلِهِ : { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } وَبِقَوْلِهِ : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ } , وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الشَّيْءِ : تَعْجِيلُهُ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَمَنْ قَدَّمَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا , كَانَ أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا مِمَّنْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ { وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى } فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ [ وَكَانَ أَقَلُّ مَا فِي الصُّبْحِ ] إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ أَنْ تَكُونَ مِمَّا أُمِرْنَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ . وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ وَحَرْمَلَةَ حَدِيثَ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ { رضي الله عنها أَنَّهَا أَمْلَتْ عَلَيْهِ : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ قَالَتْ : سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَحَدِيثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى لَيْسَتْ صَلَاةَ الْعَصْرِ . قَالَ : وَاخْتَلَفَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ , وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا الصُّبْحُ , وَإِلَى هَذَا نَذْهَبُ وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : الظُّهْرُ وَعَنْ غَيْرِهِ : الْعَصْرُ وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . قَالَ الشَّيْخُ : الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْهُمَا فِيمَا بَلَغَهُ ; وَرَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَطَاوُوسٍ , وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَرَوَيْنَا عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ , عَنْ { عَلِيٍّ رضي الله عنه , قَالَ : كُنَّا نَرَى أَنَّهَا صَلَاةُ الْفَجْرِ حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَحْزَابِ يَقُولُ : شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى , صَلَاةِ الْعَصْرِ ; حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ , مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَأَجْوَافَهُمْ نَارًا } وَرِوَايَتُهُ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَحِيحَةٌ عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ وَعَنْ مُرَّةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ . وَبِهِ قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو أَيُّوبَ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَمْرٍو , وَ [ هُوَ ] فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم . وَقَرَأْتُ [ فِي ] كِتَاب حَرْمَلَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } , فَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَشْهُودًا غَيْرُهُ وَالصَّلَوَاتُ مَشْهُودَاتٌ , فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَشْهُودًا بِأَكْثَرَ مِمَّا تُشْهَدُ بِهِ الصَّلَوَاتُ , أَوْ أَفْضَلُ , أَوْ مَشْهُودًا بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ , يُرِيدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَرَضَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) الصَّلَوَاتِ وَأَبَانَ رَسُول اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَدَدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَوَقْتَهَا وَمَا يُعْمَلُ فِيهِنَّ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ . وَأَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ مِنْهُنَّ نَافِلَةً وَفَرْضًا , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } الْآيَةُ , ثُمَّ أَبَانَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) , فَكَانَ بَيِّنًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إذَا كَانَ مِنْ الصَّلَاةِ نَافِلَةٌ وَفَرْضٌ وَكَانَ الْفَرْضُ مِنْهَا مُؤَقَّتًا أَنْ لَا تَجْزِي عَنْهُ صَلَاةٌ , إلَّا بِأَنْ يَنْوِيَهَا مُصَلِّيًا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْتُ الْقُرْآنَ , فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ حِينَ يَفْتَتِحُ [ قَبْلَ أُمِّ ] الْقُرْآنِ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَأَيُّ كَلَامٍ اسْتَعَاذَ بِهِ , أَجْزَأَهُ . وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ : ثُمَّ يَبْتَدِئُ , فَيَتَعَوَّذُ , وَيَقُولُ أَعُوذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ أَوْ يَقُولُ أَعُوذ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ ( مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) أَوْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ يَحْضُرُونِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ } وَهِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ أَوَّلُهَا : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي آخَرِينَ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي [ عَنْ ] سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [ فِي قَوْلِهِ ] : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ } , [ قَالَ ] : هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ . قَالَ أَبِي : وَقَرَأَهَا عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ حَتَّى خَتَمَهَا , ثُمَّ قَالَ : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الْآيَةُ السَّابِعَةُ . قَالَ سَعِيدٌ : وَقَرَأَهَا عَلَى ابْنِ الْعَبَّاسِ , كَمَا قَرَأْتُهَا عَلَيْكَ , ثُمَّ قَالَ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الْآيَةُ السَّابِعَةُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَذَخَرَهَا اللَّهُ لَكُمْ , فَمَا أَخْرَجَهَا لِأَحَدٍ قَبْلَكُمْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ : وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَفْعَلُهُ ( يَعْنِي يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ بسم الله الرحمن الرحيم ) وَيَقُولُ : انْتَزَعَ الشَّيْطَانُ مِنْهُمْ خَيْرَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَكَانَ يَقُولُ : كَانَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) لَا يَعْرِفُ خَتْمَ السُّورَةِ حَتَّى تَنْزِلَ : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ [ قَالَ ] قَالَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } , فَأَقَلُّ التَّرْتِيلِ : تَرْكُ الْعَجَلَةِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ الْإِبَانَةِ , وَكُلَّمَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ الْإِبَانَةِ .
فِي الْقُرْآنِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِيهِ تَمْطِيطًا قَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( رحمه الله ) أَنَّهُ قَالَ , { أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم , فَرْضَ الْقِبْلَةِ بِمَكَّةَ , فَكَانَ يُصَلِّي فِي نَاحِيَةٍ يَسْتَقْبِلُ مِنْهَا الْبَيْتَ الْحَرَامَ , وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ , فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ , اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ , مُوَلِّيًا عَنْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ ; سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا وَهُوَ يُحِبُّ : لَوْ قَضَى اللَّهُ إلَيْهِ بِاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ ; لِأَنَّ فِيهِ مَقَامُ أَبِيهِ إبْرَاهِيمَ , وَإِسْمَاعِيلَ وَهُوَ : الْمَثَابَةُ لِلنَّاسِ وَالْأَمْنُ , وَإِلَيْهِ الْحَجُّ , وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ أَنْ يُطَهَّرَ لِلطَّائِفِينَ , وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ مَعَ كَرَاهِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا , وَافَقَ الْيَهُودَ , فَقَالَ لِجِبْرِيلَ عليه السلام : لَوَدِدْتُ أَنَّ رَبِّي صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إلَى غَيْرِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي وَجَّهَكُمْ اللَّهُ إلَيْهِ فَقَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَا مُحَمَّدُ أَنَا عَبْدٌ مَأْمُورٌ مِثْلُكَ , لَا أَمْلِكُ شَيْئًا , فَسَلْ اللَّهَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ أَنْ يُوَجِّهَهُ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَصَعِدَ جِبْرِيلُ عليه السلام إلَى السَّمَاءِ ; فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُدِيمُ طَرَفَهُ إلَى السَّمَاءِ : رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام بِمَا سَأَلَ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِك فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } إلَى قَوْلِهِ : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } } . فِي قَوْلِهِ : { وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } يُقَالُ يَجِدُونَ فِيمَا نَزَلَ عَلَيْهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عليهم السلام يَخْرُجُ مِنْ الْحَرَمِ , وَتَعُودُ قِبْلَتُهُ وَصَلَاتُهُ مَخْرَجَهُ . يَعْنِي : الْحَرَمَ . وَفِي قوله تعالى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } قِيلَ فِي ذَلِكَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لَا تَسْتَقْبِلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْ الْمَدِينَةِ , إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْتَدْبِرُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَإِنْ جِئْتُمْ مِنْ جِهَةِ نَجْدٍ الْيَمَنِ فَكُنْتُمْ تَسْتَقْبِلُونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ , وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ اسْتَقْبَلْتُمْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لَا أَنَّ إرَادَتَكُمْ : بَيْتَ الْمَقْدِسِ , وَإِنْ اسْتَقْبَلْتُمُوهُ بِاسْتِقْبَالِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [ وَ ] لَأَنْتُمْ كَذَلِكَ : تَسْتَقْبِلُونَ مَا دُونَهُ [ وَ ] وَرَاءَهُ لَا إرَادَة أَنْ يَكُونَ قِبْلَةً , وَلَكِنَّهُ جِهَةَ قِبْلَةٍ . وَقِيلَ : { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } فِي اسْتِقْبَالِ قِبْلَةِ غَيْرِكُمْ . وَقِيلَ : فِي تَحْوِيلِكُمْ عَنْ قِبْلَتِكُمْ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا إلَى غَيْرِهَا . وَهَذَا أَشْبَهُ مَا قِيلَ فِيهَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:06 | |
| فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الزَّكاةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هِيَ : الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } , فَأَبَانَ أَنَّ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ زَكَاةً . وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ; [ يَعْنِي ] وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي سَبِيلِهِ الَّتِي , فَرَضَ مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا . فَأَمَّا دَفْنُ الْمَالِ : فَضَرْبٌ [ مِنْ ] إحْرَازِهِ , وَإِذَا حَلَّ إحْرَازُهُ بِشَيْءٍ : حَلَّ بِالدَّفْنِ وَغَيْرِهِ . وَاحْتَجَّ فِيهِ : بِابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ نا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : النَّاسُ عَبِيدُ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) , فَمَلَّكَهُمْ مَا شَاءَ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيمَا مَلَّكَهُمْ مَا شَاءَ : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ . } فَكَانَ فِيمَا آتَاهُمْ , أَكْثَرَ مِمَّا جَعَلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَكُلٌّ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ , ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) . وَكَانَ فِيمَا , فَرَضَ عَلَيْهِمْ , فِيمَا مَلَّكَهُمْ : زَكَاةٌ ; أَبَانَ : [ أَنَّ ] فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا لِغَيْرِهِمْ فِي وَقْتٍ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) . , فَكَانَ حَلَالًا لَهُمْ مِلْكُ الْأَمْوَالِ , وَحَرَامًا عَلَيْهِمْ حَبْسُ الزَّكَاةِ ; لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا غَيْرَهُمْ فِي وَقْتٍ , كَمَا مَلَّكَهُمْ أَمْوَالَهُمْ , دُونَ غَيْرِهِمْ فَكَانَ بَيِّنًا فِيمَا وَصَفْتُ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } أَنَّ كُلَّ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ مِنْ حُرٍّ لَهُ مَالٌ فِيهِ زَكَاةٌ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ ,
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ , فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وَهَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَى الزَّرْعِ . وَإِنَّمَا قَصَدَ : إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَنْ حِنْطَةٍ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ زِرَاعَةٍ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ : الدُّعَاءُ لَهُمْ عَنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ فَحُقَّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخَذَ صَدَقَةَ امْرِئٍ أَنْ يَدْعُو لَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ : آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهَا لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو ; قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ مِمَّنْ لَكُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ , فَلَا تُنْفِقُوا مِمَّا لَمْ تَأْخُذُوا لِأَنْفُسِكُمْ يَعْنِي [ لَا ] تُعْطُوا مَا خَبُثَ عَلَيْكُمْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : وَعِنْدَكُمْ الطَّيِّبُ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الصِّيَامِِ
قَرَأْتُ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } , ثُمَّ أَبَانَ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ : شَهْرُ رَمَضَانَ ; بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } ; إلَى قوله تعالى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : [ أَنَّهُ ] لَا يَجِبُ صَوْمٌ إلَّا صَوْمَ رَمَضَانَ وَكَانَ عِلْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِاللِّسَانِ أَنَّهُ الَّذِي بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ وَذَكَرَهُ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ وَزَادَ ; قَالَ : فَلَمَّا أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ أَنَّ , فَرْضَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ : شَهْرُ رَمَضَانَ وَكَانَتْ الْأَعَاجِمُ : تَعُدُّ الشُّهُورَ بِالْأَيَّامِ , لَا بِالْأَهِلَّةِ وَتَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْحِسَابَ إذَا عُدَّتْ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ يَخْتَلِفُ . فَأَبَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْأَهِلَّةَ هِيَ : الْمَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ , وَذَكَرَ الشُّهُورَ , فَقَالَ : { إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّهُورَ لِلْأَهِلَّةِ إذْ جَعَلَهَا الْمَوَاقِيتَ لَا مَا ذَهَبَتْ إلَيْهِ الْأَعَاجِمُ مِنْ الْعَدَدِ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) ذَلِكَ , عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَبَيَّنَ أَنَّ الشَّهْرَ : تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَعْنِي أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ ثَلَاثِينَ , فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَهِلَّةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَا الْعَبَّاس أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) فِي فَرْضِ الصَّوْمِ : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } إلَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فَبَيَّنَ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ , فَرَضَ الصِّيَامَ عَلَيْهِمْ عِدَّةً وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا فِيهَا مَرْضَى وَمُسَافِرِينَ , وَيُحْصُوا حَتَّى يُكْمِلُوا الْعِدَّةَ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِمْ الْيُسْرَ . وَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ لَا يَجْعَلَ عَلَيْهِمْ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ مَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ , وَيَجْعَلَ عَلَيْهِمْ عَدَدًا إذَا مَضَى السَّفَرُ وَالْمَرَضُ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ . ( وَيَحْتَمِلُ ) أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفِطْرِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى الرُّخْصَةِ إنْ شَاءُوا ; لِئَلَّا يُحْرَجُوا إنْ فَعَلُوا وَكَانَ فَرْضُ الصَّوْمِ , وَالْأَمْرُ بِالْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ إنَّمَا أُنْزِلَتْ مُتَتَابِعَةً , لَا مُفَرَّقَةً . وَقَدْ تَنْزِلُ الْآيَتَانِ فِي السُّورَةِ مُفَرَّقَتَيْنِ , فَأَمَّا آيَةٌ فَلَا ; لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّهَا كَلَامٌ وَاحِدٌ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ , [ يَسْتَأْنِفُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ ] . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ : لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ مَعْنَى قَطْعِ الْكَلَامِ فَإِذَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ : وَفَرْضُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنَّمَا أُنْزِلَ فِي الْآيَةِ عِلْمنَا أَنَّ الْآيَةَ بِفِطْرِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ رُخْصَةٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَمَنْ أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ عُذْرٍ : قَضَاهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ , أَوْ مُجْتَمَعَاتٍ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ مُتَتَابِعَاتٍ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } , فَقِيلَ : { يُطِيقُونَهُ } كَانُوا يُطِيقُونَهُ , ثُمَّ عَجَزُوا , فَعَلَيْهِمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ : طَعَامُ مِسْكِينٍ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ ( وَذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ . ) قَالَ : ( وَالْحَالُ الَّتِي يَتْرُكُ بِهَا الْكَبِيرُ الصَّوْمَ ) : أَنْ يُجْهِدَهُ الْجَهْدَ غَيْرَ الْمُحْتَمَلِ . وَكَذَلِكَ : الْمَرِيضُ وَالْحَامِلُ : [ إنْ زَادَ مَرَضُ الْمَرِيضِ زِيَادَةً بَيِّنَةً : أَفْطَرَ , وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً مُحْتَمَلَةً لَمْ يُفْطِرْ . وَالْحَامِلُ ] إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا : [ أَفْطَرَتْ ] وَكَذَلِكَ الْمُرْضِعُ : إذَا أَضَرَّ بِلَبَنِهَا الْإِضْرَارَ الْبَيِّنَ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ ( [ رِوَايَةُ ] الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْهُ ) : سَمِعْتُ مِنْ أَصْحَابِنَا , مَنْ نَقَلُوا إذَا سُئِلَ [ عَنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ] : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } فَكَأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ إذَا لَمْ يُطِقْ الصَّوْمَ الْفِدْيَةُ .
وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ : جِمَاعُ الْعُكُوفِ مَا لَزِمَهُ الْمَرْءُ , فَحَبَسَ عَلَيْهِ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ , بِرًّا كَانَ أَوْ مَأْثَمًا , فَهُوَ عَاكِفٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } , وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى [ حِكَايَةً ] عَمَّنْ رَضِيَ قَوْلَهُ : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } قِيلَ : فَهَلْ لِلِاعْتِكَافِ الْمُتَبَرَّرِ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } , وَالْعُكُوفُ فِي الْمَسَاجِدِ : [ صَبْرُ الْأَنْفُسِ فِيهَا وَحَبْسُهَا عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ ] .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:08 | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْحَجِّ
وَفِيمَا أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , حَدَّثَهُمْ , قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ , فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ , هِيَ : قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ { قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } الْآيَةُ . قَالَتْ الْيَهُودُ فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَحُجَّهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : حُجُّوا ; فَقَالُوا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا , فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ عِكْرِمَةُ : وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ , بِمَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ; لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ : وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَالْكُفْرُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : كُفْرٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ , وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : هُوَ فِيمَا إنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ إثْمًا . كَانَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ , يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ . قَالَ : وَمَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : كَانَ كَافِرًا . وَهَذَا ( إنْ شَاءَ اللَّهُ ) : كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ فِيهِ أَوْضَحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَاضِحًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } . وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى مَرْكَبٍ وَزَادٍ يُبَلِّغُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْمَرْكَبِ . أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ , فَيَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ . أَوْ يَكُونَ لَهُ مَنْ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ , أَطَاعَهُ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ : الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ . فَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي هِيَ : خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى , مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَدْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ ( الرِّسَالَةِ ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ إلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ : تُوجِبُ عَلَى مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ , بِأَدَائِهَا : نِعْمَةً حَادِثَةً يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُهُ [ بِهَا ] . وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَأَسْتَهْدِيه بِهُدَاهُ : الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ , وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ : النَّاسُ مُتَعَبَّدُونَ بِأَنْ يَقُولُوا , أَوْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا أَنْ يَنْتَهُوا إلَيْهِ , لَا يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا أَنْفُسَهُمْ شَيْئًا , إنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فَنَسْأَلُ اللَّهَ عَطَاءً مُؤَدِّيًا لَحَقّه , مُوجِبًا لِمَزِيدِهِ . وَكُلُّ هَذَا فِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . وَلَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي التَّعَرِّي مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ ] . وَتَوْفِيقُهُ : نِعْمَتُهُ الْحَادِثَةُ : الَّتِي بِهَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَتِهِ الْمَاضِيَةِ , وَعَطَاؤُهُ : الَّذِي بِهِ يُؤَدَّى حَقُّهُ وَهُدَاهُ : الَّذِي بِهِ لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ .
وَفِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , حَدَّثَهُمْ , قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ , فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ , هِيَ : قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا }
وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ { قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } الْآيَةُ . قَالَتْ الْيَهُودُ فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَحُجَّهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : حُجُّوا ; فَقَالُوا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا , فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ عِكْرِمَةُ : وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ , بِمَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) ; لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ : وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَالْكُفْرُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : كُفْرٌ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ , وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : هُوَ فِيمَا إنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ إثْمًا . كَانَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ , يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ . قَالَ : وَمَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : كَانَ كَافِرًا . وَهَذَا ( إنْ شَاءَ اللَّهُ ) : كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ فِيهِ أَوْضَحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَاضِحًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } . وَالِاسْتِطَاعَةُ فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى مَرْكَبٍ وَزَادٍ يُبَلِّغُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى الْمَرْكَبِ . أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ , فَيَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ . أَوْ يَكُونَ لَهُ مَنْ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ , أَطَاعَهُ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ : الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَجِّ . فَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي هِيَ : خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى , مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ فَقَدْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ ( الرِّسَالَةِ ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ إلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ : تُوجِبُ عَلَى مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ , بِأَدَائِهَا : نِعْمَةً حَادِثَةً يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُهُ [ بِهَا ] . وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَأَسْتَهْدِيه بِهُدَاهُ : الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ , وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ : النَّاسُ مُتَعَبَّدُونَ بِأَنْ يَقُولُوا , أَوْ يَفْعَلُوا مَا أُمِرُوا أَنْ يَنْتَهُوا إلَيْهِ , لَا يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوا أَنْفُسَهُمْ شَيْئًا , إنَّمَا هُوَ عَطَاءُ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فَنَسْأَلُ اللَّهَ عَطَاءً مُؤَدِّيًا لَحَقّه , مُوجِبًا لِمَزِيدِهِ . وَكُلُّ هَذَا فِيمَا أَنْبَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . وَلَهُ فِي هَذَا الْجِنْسِ كَلَامٌ كَثِيرٌ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ فِي التَّعَرِّي مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ إلَّا بِتَوْفِيقِهِ ] . وَتَوْفِيقُهُ : نِعْمَتُهُ الْحَادِثَةُ : الَّتِي بِهَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَتِهِ الْمَاضِيَةِ , وَعَطَاؤُهُ : الَّذِي بِهِ يُؤَدَّى حَقُّهُ وَهُدَاهُ : الَّذِي بِهِ لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قوله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } . قَالَ : أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ . وَلَا يُفْرَضُ الْحَجُّ [ إلَّا ] فِي شَوَّالِ كُلِّهِ وَذِي الْقَعْدَةِ كُلِّهِ , وَتِسْعٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ . وَلَا يُفْرَضُ إذَا خَلَتْ عَشْرَةُ ذِي الْحِجَّةِ , فَهُوَ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ , وَالْحَجُّ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ .
وَقَالَ فِي قوله تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } فَحَاضِرُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَهُوَ : كُلُّ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ مِنْ دُونِ أَقْرَبِ الْمَوَاقِيتِ , دُونَ لَيْلَتَيْنِ ( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِيمَا بَلَغَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } . قَالَ : أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ .
( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَلَا يَجِبُ دَمُ الْمُتْعَةِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) يَقُولُ : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ : التَّمَتُّعُ بِالْإِهْلَالِ مِنْ الْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَأَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَكْمَلَ التَّمَتُّعَ وَمَضَى التَّمَتُّعُ , وَإِذَا مَضَى بِكَمَالِهِ : فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمُهُ . وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَنَحْنُ نَقُولُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ ( وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ) , فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ , فَإِذَا لَمْ يَصُمْ : صَامَ بَعْدَ مِنَى : بِمَكَّةَ أَوْ فِي سَفَرِهِ وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ ذَلِكَ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَسَبْعَةً فِي الْمَرْجِعِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ نا هِشَامٌ عَنْ طَاوُوسٍ فِيمَا أَحْسَبُ أَنَّهُ قَالَ : الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } , وَقَدْ { طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ : سَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ تُرِكَ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الْحِجْرِ , نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ .
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ } أَمَّا الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ مَأْذُونٌ بِحِلَاقِ الشَّعْرِ : لِلْمَرَضِ , وَالْأَذَى فِي الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي الْحَجِّ فِي أَنَّ لِلصَّبِيِّ حَجًّا : وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ فَرْضُهُ : إنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ , أَثَابَ النَّاسَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَضْعَافَهَا وَمَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ , وَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ . فَقَالَ : { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } . فَكَمَا مَنَّ عَلَى الذَّرَارِيِّ بِإِدْخَالِهِمْ جَنَّتَهُ بِلَا عَمَلٍ كَانَ أَنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِمْ عَمَلَ الْبِرِّ فِي الْحَجِّ : وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى . ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا } إلَى [ قَوْلِهِ ] : { وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْمَثَابَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْمَوْضِعُ يَثُوبُ النَّاسُ إلَيْهِ وَيَئُوبُونَ يَعُودُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الذَّهَابِ عَنْهُ . وَقَدْ يُقَالُ : ثَابَ إلَيْهِ : اجْتَمَعَ إلَيْهِ , فَالْمَثَابَةُ تَجْمَعُ الِاجْتِمَاعَ وَيَئُوبُونَ يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ : رَاجِعِينَ بَعْدَ ذَهَابِهِمْ عَنْهُ , وَمُبْتَدَئِينَ . قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ , يَذْكُرُ الْبَيْتَ : مَثَابًا لِأَفْنَاءِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا تَخُبُّ إلَيْهِ الْيَعْمُلَاتُ الذَّوَابِلُ وَقَالَ خِدَاشُ بْنُ زُهَيْرٍ النَّصْرِيُّ فَمَا بَرِحَتْ بَكْرٌ تَثُوبُ وَتَدَّعِي وَيَلْحَقُ مِنْهُمْ أَوَّلُونَ فَآخِرُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : [ آمِنًا ] مَنْ صَارَ إلَيْهِ : لَا يُتَخَطَّفُ اخْتِطَافَ مَنْ حَوْلَهُمْ . وَقَالَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ عليه السلام : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : سَمِعْتُ [ بَعْضَ مَنْ أَرْضَى ] مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لَمَّا أَمَرَ بِهَذَا , إبْرَاهِيمَ ( عليه السلام ) : وَقَفَ عَلَى الْمَقَامِ وَصَاحَ صَيْحَةً عِبَادَ اللَّهِ ; أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ . فَاسْتَجَابَ لَهُ حَتَّى مَنْ [ فِي ] أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ . فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ بَعْدَ دَعْوَتِهِ , فَهُوَ : مِمَّنْ أَجَابَ دَعْوَتَهُ وَوَافَاهُ مَنْ وَافَاهُ , يَقُولُ : لَبَّيْكَ دَاعِيَ رَبِّنَا لَبَّيْكَ . وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ : وَقَالَ لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ إجَازَةً وَمَا قَبْلَهُ قِرَاءَةً .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَمَّنْ قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ شَيْئًا وَهُوَ مُحْرِمٌ , فَقَالَ : مَنْ قَتَلَ مِنْ دَوَابِّ الصَّيْدِ , شَيْئًا : جَزَاهُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ : { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ لَا يَكُونُ إلَّا لِدَوَابِّ الصَّيْدِ . فَأَمَّا الطَّائِرُ فَلَا مِثْلَ لَهُ وَمِثْلُهُ : قِيمَتُهُ . إلَّا أَنَّا نَقُولُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ : اتِّبَاعًا لِلْآثَارِ : شَاةٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } وَالْمِثْلُ وَاحِدٌ لَا أَمْثَالٌ فَكَيْفَ زَعَمْتَ أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قُتِلُوا صَيْدًا : جَزَوْهُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالٍ ؟ , وَجَرَى فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ : فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مُؤَقَّتَةٌ , وَالْمِثْلُ : غَيْرُ مُوَقَّتٍ , فَهُوَ بِالدِّيَةِ وَالْقِيمَةِ أَشْبَهُ . وَاحْتَجَّ فِي إيجَابِ الْمِثْلِ فَفِي جَزَاءِ دَوَابِّ الصَّيْدِ , دُونَ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ ; [ فَقَالَ ] : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } , وَ [ قَدْ ] حَكَمَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ , وَعُثْمَانُ [ وَعَلِيٌّ ] وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ ( رضي الله عنهم ) فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ , وَأَزْمَانٍ شَتَّى بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَمِ فَحَكَمَ حَاكِمُهُمْ فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ , وَالنَّعَامَةُ لَا لَا تُسَاوِي بَدَنَةً وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي بَقَرَةً , وَفِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَهُوَ لَا يُسَاوِي كَبْشًا وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْهَا أَضْعَافًا وَمِثْلَهَا وَدُونَهَا وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفَرَةٍ , وَهُمَا لَا يُسَاوَيَانِ عَنَاقًا وَلَا جَفَرَةً . فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا نَظَّرُوا إلَى أَقْرَبِ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ . شَبَهًا بِالْبَدَنِ [ مِنْ النَّعَمِ ] لَا بِالْقِيمَةِ . وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيمَةِ : لَاخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمْ ; لِاخْتِلَافِ أَسْعَارِ مَا يُقْتَلُ فِي الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ [ فِي ] قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قُلْتُ [ لَهُ ] مَنْ قَتَلَهُ خَطَأً أَيَغْرَمُ ؟ قَالَ : نَعَمْ يُعَظِّمُ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَمَضَتْ بِهِ السُّنَنُ . قَالَ : وَأَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : رَأَيْتُ النَّاسَ يَغْرَمُونَ فِي الْخَطَإِ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ عُمَرَ , وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنهما ) : فِي رَجُلَيْنِ أَجْرَيَا فَرَسَيْهِمَا , فَأَصَابَا ظَبْيًا : وَهُمَا مُحْرِمَانِ , فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ وَقَرَأَ عُمَرُ رضي الله عنه : { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } . وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْخَطَإِ عَلَى قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَالْمَنْعُ عَنْ قَتْلِهَا عَامٌّ , وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْغُرْمِ فِي الْمَمْنُوعِ مِنْ النَّاسِ وَالْأَمْوَالِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : أَصْلُ الصَّيْدِ : الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يُسَمَّى صَيْدًا . أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } لِأَنَّهُ مَعْقُولٌ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُرْسِلُونَهَا عَلَى مَا يُؤْكَلُ . أَوَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } وَقَوْلُهُ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } ؟ , فَدَلَّ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِحْرَامِ : [ مِنْ ] صَيْدِ الْبَرِّ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ : [ أَنْ ] يَأْكُلُوهُ زَادَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : لِأَنَّهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَرَّمَ فِي الْإِحْرَامِ خَاصَّةً , إلَّا مَا كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ . فَأَمَّا مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الْحَلَالِ : فَالتَّحْرِيمُ الْأَوَّلُ كَافٍ مِنْهُ . قَالَ وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ , وَالْعَقْرَبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْفَأْرَةِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ . وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ قَتْلَ مَا أَضَرَّ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُسْلِمٌ : عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ : لَا يُفِيدُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ , إلَّا : [ مَا ] يُؤْكَلُ لَحْمُهُ .
( وَفِيمَا أَنْبَأَ ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ الْعَبَّاسَ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ [ فِي ] قَوْلِ اللَّهِ : { عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ } ; قَالَ عَفَا اللَّهُ عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . قُلْتُ : وَقَوْلُهُ : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } [ قَالَ : وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ] وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ . وَشَبَّهَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي ذَلِكَ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ وَالزِّنَا وَمَا فِيهِمَا وَفِي الْكُفْرِ : مِنْ الْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ } إلَى قَوْلِهِ : { وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } . وَمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْحُدُودِ فِي الدُّنْيَا [ قَالَ ] : [ فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودَ ] : دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ النِّقْمَةَ فِي الْآخِرَةِ , لَا تُسْقِطُ حُكْمًا غَيْرَهَا فِي الدُّنْيَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ نَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ أَوْ ; لَهُ أَيَّةٌ شَاءَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ إلَّا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا } , فَلَيْسَ بِمُخَيَّرٍ فِيهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ , فِي الْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقُولُ . وَرَوَاهُ ( أَيْضًا ) سَعِيدٌ [ عَنْ ] ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاءٍ : كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ فِيهِ : أَوْ أَوْ يَخْتَارُ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْفِدْيَةِ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ( وَأَنَا ) أَبُو زَكَرِيَّا نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سَعِيد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ [ قَالَ ] : قُلْتُ لِعَطَاءٍ { فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا } ؟ قَالَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي حَرَمٍ ( يُرِيدُ : الْبَيْتَ ) كَفَّارَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْبَيْتِ . فَأَمَّا الصَّوْمُ ( فَأَخْبَرَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ جَزَاهُ بِالصَّوْمِ : [ صَامَ ] حَيْثُ شَاءَ ; لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ , فِي صِيَامِهِ . وَاحْتَجَّ [ فِي الصَّوْمِ ] فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاس عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ , فَقَالَ : أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ . وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّوْمِ مَنْفَعَةٌ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَكَانَ عَلَى بَدَنِ الرَّجُلِ فَكَانَ عَمَلًا بِغَيْرِ وَقْتٍ فَيَعْمَلُهُ حَيْثُ شَاءَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : الْإِحْصَارُ الَّذِي ذَكَرَ [ هـ ] اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْقُرْآنِ , فَقَالَ : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } نَزَلَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأُحْصِرَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) [ بِعَدُوٍّ ] فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ , مَرَضٌ حَابِسٌ فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي مَعْنَى الْآيَةِ . لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحَائِلِ مِنْ الْعَدُوِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ , مَعْنَاهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي الْحِلِّ وَقَدْ قِيلَ : نَحَرَ فِي الْحَرَمِ . وَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ نَحَرَ فِي الْحِلِّ : وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ : لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ : { وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } , وَالْحَرَمُ : كُلُّهُ مَحِلُّهُ ; عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ . فَحَيْثُ مَا أُحْصِرَ [ الرَّجُلُ : قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا ; بِعَدُوٍّ حَائِلٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَقَدْ أَحْرَمَ ] : ذَبَحَ شَاةً وَحَلَّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ; إلَّا أَنْ يَكُونَ حَجُّهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ; فَيَحُجُّهَا . مِنْ قِبَلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } وَقَالَ : { وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ صَيْدٌ فِي بِئْرٍ كَانَ أَوْ فِي مَاءِ مُسْتَنْقِعٍ , أَوْ عَيْنٍ وَعَذْبٍ وَمَالِحٍ , فَهُوَ بَحْرٌ فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ ; مِنْ حُوتٍ أَوْ ضَرْبِهِ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ [ أَكْثَرَ ] عَيْشِهِ فَلِلْمُحْرِمِ وَالْحَلَالِ أَنْ يُصِيبَهُ وَيَأْكُلَ فَأَمَّا طَائِرُهُ فَإِنَّهُ يَأْوِي إلَى أَرْضٍ فِيهِ [ فَهُوَ ] مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ إذَا أُصِيبَ جُزِيَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَاسَرْجِسِيِّ فِيمَا أَخْبَرَنِي عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ سُفْيَانَ أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله تعالى ) فِي قوله تعالى : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } . قَالَ : كَانَتْ قُرَيْشٌ وَقَبَائِلُ لَا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ وَكَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ الْحُمْسُ , لَمْ نُسَبَّ قَطُّ وَلَا دُخِلَ عَلَيْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَيْسَ نُفَارِقُ الْحَرَمَ . وَكَانَ سَائِرُ النَّاسِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ , فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ . قَالَ : وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ كُلِّهَا , وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ مِنًى , فَقَطْ . زَادَ كِتَابُ الْبُوَيْطِيِّ : وَيُظَنُّ [ أَنَّهُ ] كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:11 | |
| جَائِزا الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ . عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } . فَاحْتَمَلَ إحْلَالُ اللَّهِ الْبَيْعَ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) : أَنْ يَكُونَ أَحَلَّ كُلَّ بَيْعٍ تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ : جَائِزِي الْأَمْرِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ . عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا . وَهَذَا أَظْهَرُ مَعَانِيه . ( وَالثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَلَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ . فَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْجُمْلَةِ الَّتِي أَحْكَمَ اللَّهُ , فَرْضَهَا بِكِتَابِهِ , وَبَيَّنَ : كَيْفَ هِيَ ؟ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ , فَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مَا أُرِيدَ بِإِحْلَالِهِ مِنْهُ , وَمَا حَرَّمَ أَوْ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمَا . أَوْ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أَبَاحَهُ , إلَّا مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مِنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ , كَمَا كَانَ الْوُضُوءُ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُتَوَضِّئٍ : لَا خُفَّيْنِ عَلَيْهِ لَبِسَهُمَا عَلَى , كَمَالِ الطَّهَارَةِ . وَأَيُّ هَذِهِ الْمَعَانِي كَانَ فَقَدْ أَلْزَمهُ اللَّهُ خَلْقَهُ , بِمَا , فَرَضَ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ بُيُوعٍ : تَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِمَا أَحَلَّ مِنْ الْبُيُوعِ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) [ دُونَ مَا حَرَّمَ عَلَى لِسَانِهِ ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } , وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } . قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ : فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الرَّهْنَ : إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ , فَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا وَكَانَ مَعْقُولًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِيهَا : أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ : احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ . لَا أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُبُوا أَوْ يَأْخُذُوا رَهْنًا . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ } ; يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً . وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ وَقُلْنَا بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ : قِيَاسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ } , وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } . قَالَ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْكِتَابِ : فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الرَّهْنَ : إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ , فَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا وَكَانَ مَعْقُولًا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِيهَا : أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْكِتَابِ وَالرَّهْنِ : احْتِيَاطًا لِمَالِكِ الْحَقِّ بِالْوَثِيقَةِ وَالْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَنْسَى وَيَذْكُرَ . لَا أَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُبُوا أَوْ يَأْخُذُوا رَهْنًا . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ } ; يَحْتَمِلُ كُلَّ دَيْنٍ وَيَحْتَمِلُ السَّلَفَ خَاصَّةً . وَقَدْ ذَهَبَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ فِي السَّلَفِ وَقُلْنَا بِهِ فِي كُلِّ دَيْنٍ : قِيَاسًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } . قَالَ فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْحَجْرَ ثَابِتٌ عَلَى الْيَتَامَى حَتَّى يَجْمَعُوا خَصْلَتَيْنِ : الْبُلُوغَ وَالرُّشْدَ . فَالْبُلُوغُ : اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ] . إلَّا أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ , أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ : قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً , فَيَكُونُ ذَلِكَ : الْبُلُوغُ . قَالَ : وَالرُّشْدُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ : حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ جَائِزَةً وَإِصْلَاحُ الْمَالِ . [ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ إصْلَاحُ الْمَالِ ] بِأَنْ يُخْتَبَرَ الْيَتِيمُ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَمَرَ اللَّهُ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمَا إلَيْهِمَا وَسَوَّى فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ . وَقَالَ : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ } . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمَرْأَةِ نِصْفَ مَهْرِهَا [ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ : أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْأَجْنَبِيَّيْنِ مِنْ الرِّجَالِ مَا وَجَبَ لَهُمْ ] , وَأَنَّهَا مُسَلَّطَةٌ عَلَى أَنْ تَعْفُو عَنْ مَالِهَا . وَنَدَبَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إلَى الْعَفْوِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى . وَسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ , فِيمَا يَجُوزُ مِنْ عَفْوِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا , مَا وَجَبَ لَهُ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } . فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ : إيتَاءَهُنَّ مَا فُرِضَ لَهُنَّ وَأُحِلَّ لِلرِّجَالِ : كُلُّ مَا طَابَ نِسَاؤُهُمْ عَنْهُ نَفْسًا وَاحْتَجَّ ( أَيْضًا ) بِآيَةِ الْفِدْيَةِ فِي الْخُلْعِ وَبِآيَةِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ ثُمَّ قَالَ : وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا : كَانَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَتْ , بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَثْبَتَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ [ هُوَ ] وَأَمَرَ وَلِيَّهُ بِالْإِمْلَاءِ عَنْهُ ; لِأَنَّهُ أَقَامَهُ فِيمَا لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ مَقَامَهُ . قَالَ : وَقَدْ قِيلَ : الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ يُحْتَمَلُ : [ أَنْ يَكُونَ ] الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ . وَهُوَ أَشْبَهُ مَعَانِيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) وَلَا يُؤْجَرُ الْحُرُّ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ }
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ } . فَهَذِهِ : الْحُبُسُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْبِسُونَهَا , فَأَبْطَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) شُرُوطَهُمْ فِيهَا , وَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِبْطَالِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إيَّاهَا وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَقُولُ إذَا نُتِجَ , فَحْلُ إبِلِي , ثُمَّ أَلْقَحَ , فَأُنْتِجَ مِنْهُ فَهُوَ : حَامٍ . أَيْ : قَدْ حَمَى ظَهْرَهُ , فَيَحْرُمُ رُكُوبُهُ . وَيُجْعَلُ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالْعِتْقِ لَهُ وَيَقُولُ فِي الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ عَلَى مَعْنًى يُوَافِقُ بَعْضَ هَذَا . وَيَقُولُ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ سَائِبَةٌ : لَا يَكُونُ لِي وَلَاؤُكَ , وَلَا عَلَيَّ عَقْلُكَ وَقِيلَ أَنَّهُ ( أَيْضًا ) فِي الْبَهَائِمِ : قَدْ سَيَّبْتُك . فَلَمَّا كَانَ الْعِتْقُ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَهَائِمِ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِلْكَ الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالِحَامِ إلَى مَالِكِهِ : وَأَثْبَتَ الْعِتْقَ وَجَعَلَ الْوَلَاءَ : لِمَنْ أَعْتَقَ [ السَّائِبَةَ وَحَكَمَ لَهُ بِمِثْلِ حُكْمِ النَّسَبِ . ] وَذَكَرَ فِي كِتَابِ : ( الْبَحِيرَةِ ) . فِي تَفْسِيرِ الْبَحِيرَةِ : أَنَّهَا : النَّاقَةُ تُنْتَجُ بُطُونًا , فَيَشُقُّ مَالِكُهَا أُذُنَهَا , وَيُخْلِي سَبِيلَهَا , [ وَيَحْلُبُ لَبَنَهَا فِي الْبَطْحَاءِ ] , وَلَا يَسْتَجِيزُونَ الِانْتِفَاعَ بِلَبَنِهَا . قَالَ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ تِلْكَ خَمْسَةَ بُطُونٍ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْبُطُونُ كُلُّهَا إنَاثًا قَالَ وَالْوَصِيلَةُ : الشَّاةُ تُنْتَجُ الْأَبْطُنَ , فَإِذَا وَلَدَتْ آخَرَ بَعْدَ الْأَبْطُنِ الَّتِي وَقَّتُوا لَهَا قِيلَ : وَصَلَتْ أَخَاهَا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : تُنْتَجُ الْأَبْطُنَ الْخَمْسَةَ عَنَاقَيْنِ عَنَاقَيْنِ فِي كُلِّ بَطْنٍ ; فَيُقَالُ : هَذَا وَصِيلَةٌ يَصِلُ كُلَّ ذِي بَطْنٍ بِأَخٍ لَهُ مَعَهُ . وَزَادَ بَعْضُهُمْ , فَقَالَ : وَقَدْ يُوصِلُونَهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْطُنٍ وَفِي خَمْسَةٍ وَفِي سَبْعَةٍ . قَالَ : وَالِحَامُ : الْفَحْلُ يَضْرِبُ فِي إبِلِ الرَّجُلِ عَشْرَ سِنِينَ , فَيُخْلَى , وَيُقَالُ : قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ , فَلَا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ظَهْرِهِ بِشَيْءٍ . قَالَ : وَزَادَ بَعْضُهُمْ , فَقَالَ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ , أَوْ مَا أُنْتِجَ مِمَّا خَرَجَ مِنْ صُلْبِهِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ ; فَيُقَالُ : قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ . وَقَالَ فِي السَّائِبَةِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ ; [ ثُمَّ قَالَ ] : وَكَانُوا يَرْجُونَ [ بِأَدَائِهِ ] الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَنَالُونَ بِهِ عِنْدَهُمْ مَكْرُمَةً فِي الْأَخْلَاقِ , مَعَ التَّبَرُّرِ بِمَا صَنَعُوا فِيهِ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ الْوُلَاةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } . نَزَلَتْ بِأَنَّ النَّاسَ تَوَارَثُوا : بِالْحِلْفِ [ وَالنُّصْرَةِ ] ; ثُمَّ تَوَارَثُوا : بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ . وَكَانَ الْمُهَاجِرُ يَرِثُ الْمُهَاجِرَ وَلَا يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُهَاجِرًا وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ وَرَثَتِهِ . فَنَزَلَتْ : { وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } عَلَى مَا فُرِضَ لَهُمْ , [ لَا مُطْلَقًا ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ , نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } نُسِخَ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْفَرَائِضِ . وَقَالَ لِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ } الْآيَةُ . قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ , فَلْيَتَّقِ اللَّهَ مَنْ حَضَرَ , وَلْيَحْضُرْ بِخَيْرٍ , وَلْيَخَفْ أَنْ يَحْضُرَ حِينَ يُخْلِفُ هُوَ أَيْضًا بِمَا حَضَرَ غَيْرُهُ . ( وَأَنَا ) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا } . فَأَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ : الْحَاضِرُونَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ , [ مَنْ ] مِثْلُهُمْ فِي الْقَرَابَةِ وَالْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ . مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ . وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ وَهِيَ أَنْ تُضِيفَ مَنْ جَاءَكَ وَلَا تُضِيفُ مَنْ لَا يَقْصِدُ قَصْدَكَ : [ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا ] إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ . وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ : تَخْصِيصَ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِالْإِجْلَاسِ مَعَهُ , أَوْ تَرْوِيغِهِ لُقْمَةً مِنْ وَلِيَ الطَّعَامَ مِنْ مَمَالِيكِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي ( يَعْنِي فِي الْآيَةِ ) قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْغَنَائِمِ . فَهَذَا أَوْسَعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ : [ أَنْ ] يُعْطَوْا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ الْمُعْطِي وَلَا يُوَقَّتُ وَلَا يُحْرَمُونَ .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:13 | |
| مَا نُسِخَ مِنَ الْوَصَايَا
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } . قَالَ فَكَانَ فَرْضًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا وَالْخَيْرُ الْمَالُ أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ . وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ [ بِالْقُرْآنِ ] أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَارِثِينَ مَنْسُوخَةٌ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَقْرَبِينَ : غَيْرِ الْوَارِثِينَ ; فَأَكْثَرُ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ حَفِظْتُ [ عَنْهُ ] . قَالَ : الْوَصَايَا مَنْسُوخَةٌ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهَا إذَا كَانَتْ إنَّمَا يُورَثُ بِهَا , فَلَمَّا قَسَمَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ : كَانَتْ تَطَوُّعًا وَهَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ كُلُّهُ كَمَا قَالُوا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) [ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ] بِآيَةِ الْمِيرَاثِ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ قَوْلِهِ : { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ . } وَاحْتَجَّ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ { أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ : لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ , فَجَزَّأَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ , فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً . } [ ثُمَّ قَالَ ] : وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ , وَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ : تَمْلِكُ مَنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ . فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْوَصِيَّةُ إلَّا لِذِي قَرَابَةٍ لَمْ تَجُزْ لِلْمَمْلُوكِينَ وَقَدْ أَجَازَهَا لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْتَوْدَعِ : إذَا قَالَ : دَفَعْتهَا إلَيْكَ , فَالْقَوْلُ : قَوْلُهُ . وَلَوْ قَالَ أَمَرْتنِي أَنْ أَدْفَعَهَا إلَى فُلَانٍ , فَدَفَعْتُهَا ; فَالْقَوْلُ : قَوْلُ الْمُسْتَوْدِعِ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } وَقَالَ فِي الْيَتَامَى : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ } . وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ إنَّمَا هُوَ : وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ [ وَصِيٌّ ] وَصَّاهُ الْحَاكِمُ : لَيْسَ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَوْدَعَهُ . وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ : غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ; إنْ أَرَادَ أَنْ يَبْرَأَ . [ وَ ] كَذَلِكَ : الْوَصِيُّ .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:15 | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالصَّدَقَاتِ
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ [ أَبَا الْعَبَّاسِ ] حَدَّثَهُمْ : أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ] : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } وَقَالَ : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } إلَى قوله تعالى : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَالْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا [ مَعًا ] الْخُمُسُ مِنْ جَمِيعِهِمَا , لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ [ لَهُ ] فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ مُجْتَمَعِينَ غَيْرُ مُفْتَرِقِينَ . ثُمَّ يَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَفِي فِعْلِهِ . فَإِنَّهُ قَسَمَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ وَالْغَنِيمَةُ هِيَ : الْمُوجَفُ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرِّكَاب . : لِمَنْ حَضَرَ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ . وَالْفَيْءُ هُوَ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي قُرَى : عُرَيْنَةَ ; الَّتِي أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ . أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا حَدِيثَ { عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ حَيْثُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما فِي أَمْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ , فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالِصًا , دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ , فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : هَذَا : كَلَامٌ عَرَبِيٌّ ; إنَّمَا يَعْنِي عُمَرَ ( رضي الله عنه ) [ بِقَوْلِهِ ] : لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) خَالِصًا مَا كَانَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُوجِفِينَ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ . فَاسْتَدْلَلْت بِخَبَرِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ لِأَهْلِ الْخُمْسِ : [ مِمَّا أُوجِفَ عَلَيْهِ ] . وَاسْتَدْلَلْت بِقَوْلِ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْحَشْرِ : { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } عَلَى أَنَّ لَهُمْ الْخُمُسَ , فَإِنَّ الْخُمُسَ إذَا كَانَ لَهُمْ فَلَا يُشَكُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَلَّمَهُ لَهُمْ . وَاسْتَدْلَلْنَا : إذْ كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } , فَاتَّفَقَ الْحَكَمَانِ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَسُورَةِ الْأَنْفَالِ , لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ . أَنَّ مَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ : الْخُمُسُ لَا غَيْرُهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَوَجَدْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) حَكَمَ فِي الْخُمُسِ بِأَنَّهُ عَلَى خَمْسَةٍ ; لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( لِلَّهِ ) مِفْتَاحُ كَلَامٍ : لِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ , وَلَهُ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ , وَمِنْ بَعْدُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ مَضَى مَنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) [ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِنَّ لَوْ كَانَ مَعَهُنَّ ] . فَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ : لِوَرَثَتِهِمْ تِلْكَ النَّفَقَةُ : [ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ ] وَلَا خَالَفَ فِي أَنْ تُجْعَلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ : حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , يَجْعَلُ فُضُولَ غَلَّاتِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَيُقْسَمُ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فِي قِسْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى , بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَقَوْلُهُ : { إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ : شَيْءٌ وَاحِدٌ } . وَهُوَ مَذْكُورٌ بِشَوَاهِدِهِ , فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْمَبْسُوطِ وَالْمَعْرِفَةِ , وَالسُّنَنِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كُلُّ مَا حَصَلَ مِمَّا غُنِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قُسِمَ كُلُّهُ إلَّا الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ فَالْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُمَنَّ عَلَى مَنْ رَأَى مِنْهُمْ أَوْ يَقْتُلَ , أَوْ يُفَادِيَ , أَوْ يَسْبِيَ . وَسَبِيلُ مَا سَبَى وَمَا أَخَذَ مِمَّا , فَادَى : سَبِيلُ مَا سِوَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ . وَاحْتَجَّ فِي الْقَدِيمِ : بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } وَذَلِكَ فِي بَيَانِ اللُّغَةِ : قَبْلَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أُسَارَى بَدْرٍ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَفْدَاهُمْ : وَالْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ قَائِمَةٌ . وَعَرَضَ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ : وَهُوَ ( يَوْمئِذٍ ) وَقَوْمُهُ أَهْلُ الْيَمَامَةِ ; حَرْبٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ } الْآيَةُ . فَأَحْكَمَ اللَّهُ فَرْضَ الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ أَكَّدَهَا [ وَشَدَّدَهَا ] , فَقَالَ : { فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ } . فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَسَمَهَا اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ عَلَيْهِ ] وَذَلِكَ مَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ مَوْجُودَةً ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مَنْ وُجِدَ : كَقَوْلِهِ : { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ } الْآيَةُ وَكَقَوْلِهِ : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } , وَكَقَوْلِهِ : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ } . فَمَعْقُولٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : [ أَنَّهُ ] فَرَضَ هَذَا : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ . وَكَانَ مَعْقُولًا [ عَنْهُ ] أَنَّ هَذِهِ السُّهْمَانَ : لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ وَتُقْسَمُ . فَإِذَا أُخِذَتْ صَدَقَةُ قَوْمٍ : قُسِمَتْ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ فِي دَارِهِمْ مِنْ أَهْلِ [ هَذِهِ ] السُّهْمَانِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ جِيرَانِهِمْ [ إلَى أَحَدٍ ] : حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهَا . ثُمَّ ذَكَرَ تَفْسِيرَ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَهُوَ فِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) , قَالَ : نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله تَعَالَى ) فَأَهْلُ السُّهْمَانِ يَجْمَعُهُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ إلَى مَا لَهُمْ مِنْهَا كُلُّهُمْ وَأَسْبَابُ حَاجَتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ , [ وَكَذَلِكَ أَسْبَابُ اسْتِحْقَاقِهِمْ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ ] يَجْمَعُهَا الْحَاجَةُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا صِفَاتُهَا . فَإِذَا اجْتَمَعُوا فَالْفُقَرَاءُ : الزَّمْنَى الضُّعَفَاءُ الَّذِينَ لَا حِرْفَةَ لَهُمْ , وَأَهْلُ الْحِرْفَةِ الضَّعِيفَةِ : الَّذِينَ لَا تَقَعُ حِرْفَتُهُمْ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِمْ , وَلَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ . وَالْمَسَاكِينُ : السُّؤَالُ , وَمَنْ لَا يَسْأَلُ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ وَلَا عِيَالَهُ وَقَالَ فِي ( كِتَابِ فَرْضِ الزَّكَاةِ ) الْفَقِيرُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ : تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا ; زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ , سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا . وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ , أَوْ حِرْفَةٌ : [ لَا ] تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ : سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا : الْمُتَوَلُّونَ لِقَبْضِهَا مِنْ أَهْلِهَا : مِنْ السَّعَادَةِ , وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنْ عَرِيفٍ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِمَعُونَتِهِ سَوَاءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ , أَوْ فُقَرَاءَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : مَنْ وَلَّاهُ الْوَلِيُّ : قَبَضَهَا وَقَسَمَهَا . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : يَأْخُذُ مِنْ الصَّدَقَةِ , [ بِقَدْرِ ] غَنَائِهِ : لَا يُزَادُ عَلَيْهِ [ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى مَعْنَى الْإِجَارَةِ . ] . وَأَطَالَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَقَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ : وَلِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ : سَهْمٌ . وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ : أَنْ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ( رضي الله عنه ) أَحْسَبُهُ قَالَ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ , فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ ( رضي الله عنه ) مِنْهَا : ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ , بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا . قَالَ : وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ فِي إعْطَائِهِ إيَّاهَا مِنْ أَيْنَ أَعْطَاهُ إيَّاهَا ؟ غَيْرُ أَنَّ الَّذِي يَكَادُ يَعْرِفُ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَخْبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا , مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ . فَإِمَّا زَادَهُ : لِيُرَغِّبَهُ فِيمَا صَنَعَ , وَإِمَّا أَعْطَاهُ : لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لَا يَثِقُ مِنْهُ , بِمِثْلِ مَا يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ وَلَنْ تَنْزِلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ النَّازِلَةِ قَالَ : وَالرِّقَابُ : الْمُكَاتَبُونَ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ . قَالَ : وَالْغَارِمُونَ : صِنْفَانِ : ( صِنْفٌ ) : دَانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ , أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ , ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ : فِي الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطَوْنَ فِي غُرْمِهِمْ : لِعَجْزِهِمْ . ( وَصِنْفٌ ) : دَانُوا فِي حِمَالَاتٍ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ , وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عُرُوضٌ : تَحْمِلُ حَمَالَاتِهِمْ أَوْ عَامَّتَهَا وَإِنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلَاءِ : [ مَا يُوَفِّرُ عُرُوضَهُمْ , كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ الْغَارِمِينَ ] حَتَّى يَقْضُوا غُرْمَهُمْ قَالَ : وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ : يُعْطَى مِنْهُ , مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ : مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ , فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا قَالَ وَابْنُ السَّبِيلِ : مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ : الَّذِينَ يُرِيدُونَ السَّفَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ , فَيَعْجَزُونَ عَنْ بُلُوغِ سَفَرِهِمْ , إلَّا بِمَعُونَةٍ عَلَى سَفَرِهِمْ . وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ : قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : هُوَ : لِمَنْ مَرَّ بِمَوْضِعِ الْمُصَّدِّقِ مِمَّنْ يَعْجِزُ عَنْ بُلُوغٍ حَيْثُ يُرِيدُ , إلَّا بِمَعُونَةٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا مَذْهَبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ فِي غَيْرِ رِوَايَتِنَا إنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) قَوْلُهُ : { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } . وَقَالَ تَعَالَى :{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا } , فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ , وَلَيْسَ هَكَذَا نِسَاءُ أَحَدٍ غَيْرِهِ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ } فَأَبَانَهُنَّ بِهِ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ . وَقَوْلُهُ : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } ; مِثْلُ مَا وَصَفْتُ مِنْ اتِّسَاعِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ تَجْمَعُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً وَمِمَّا وَصَفْتُ : مِنْ [ أَنَّ ] اللَّهَ أَحْكَمَ كَثِيرًا مِنْ , فَرَائِضِهِ بِوَحْيِهِ وَسَنَّ شَرَائِعَ وَاخْتِلَافَهَا , عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَفِي فِعْلِهِ . فَقَوْلُهُ : { أُمَّهَاتُهُمْ } ; يَعْنِي : فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ نِكَاحُهُنَّ بِحَالٍ , وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتٍ : لَوْ كُنَّ لَهُنَّ ; كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتِ أُمَّهَاتِهِمْ : اللَّاتِي وَلَدْنَهُمْ , [ أَ ] و أَرْضَعْنَهُمْ . وَذَكَرَ الْحُجَّةَ فِي هَذَا , ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ فِي النَّازِلَةِ يَنْزِلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ مِنْ أُنْزِلَتْ فِيهِ ; كَالْعَامَّةِ فِي الظَّاهِرِ : وَهِيَ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ وَالْمَعْنَى دُونَ مَا سِوَاهُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَرْأَةِ : تَرُبُّ أَمْرَهُمْ . أُمُّنَا وَأُمُّ الْعِيَالِ وَتَقُولُ كَذَلِكَ لِلرَّجُلِ : [ يَتَوَلَّى ] أَنْ يَقُوتَهُمْ أُمُّ الْعِيَالِ ; بِمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْأُمِّ الَّتِي تَرُبُّ [ أَمْرَ ] الْعِيَالِ . قَالَ : تَأَبَّطَ شَرًّا وَهُوَ يَذْكُرُ غَزَاةً غَزَاهَا : وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِيَ قُوتَهُمْ وَأُمُّ عِيَالٍ قَدْ شَهِدْت تَقُوتُهُمْ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْبَيْتِ , وَبَيْتَيْنِ أَخَوَيْنِ مَعَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قُلْتُ : الرَّجُلُ يُسَمَّى أُمًّا , وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ لِلنَّاقَةِ , وَالْبَقَرَةِ , وَالشَّاةِ وَالْأَرْضِ : هَذِهِ أُمُّ عِيَالِنَا ; عَلَى مَعْنَى : الَّتِي تَقُوتُ عِيَالَنَا . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ } . يَعْنِي أَنَّ اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ ; الْوَارِثَاتُ [ وَ ] الْمَوْرُوثَاتُ , الْمُحَرَّمَاتُ بِأَنْفُسِهِنَّ وَالْمُحَرَّمُ بِهِنَّ غَيْرُهُنَّ : اللَّائِي لَمْ يَكُنَّ قَطُّ إلَّا أُمَّهَاتٍ . لَيْسَ : اللَّائِي يُحْدِثْنَ رَضَاعًا لِلْمَوْلُودِ , فِيكُنَّ بِهِ أُمَّهَاتٍ [ وَقَدْ كُنَّ قَبْلَ إرْضَاعِهِ , غَيْرَ أُمَّهَاتٍ لَهُ ] , وَلَا أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ [ عَامَّةً : يَحْرُمْنَ بِحُرْمَةٍ أَحْدَثْنَهَا أَوْ يُحْدِثُهَا الرَّجُلُ أَوْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ] حَرُمْنَ بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ , ثُمَّ قَالَ : وَفِي هَذَا : دَلَالَةٌ عَلَى أَشْبَاهٍ لَهُ فِي الْقُرْآنِ , جَهِلَهَا مَنْ قَصُرَ عِلْمُهُ بِاللِّسَانِ وَالْفِقْهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ , فَقَالَ : { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } . وَالْحَصُورُ : الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ , [ وَلَمْ يَنْدُبْهُ إلَى النِّكَاحِ ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : حَتْمٌ لَازِمٌ لِأَوْلِيَاءِ الْأَيَامَى , وَالْحَرَائِرُ : الْبَوَالِغُ إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ , وَدُعُوا إلَى رَضِيٍّ مِنْ الْأَزْوَاجِ . أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِأَنَّ مُبْتَدَأَ الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ الْأَزْوَاجِ . فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ : [ عَلَى ] أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَضَلِ الْأَوْلِيَاءَ ; لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ , فَبَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْأَجَلَ فَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهَا , فَكَيْفَ يَعْضُلُهَا مَنْ لَا سَبِيلَ وَلَا شِرْكَ لَهُ [ فِي أَنْ يَعْضُلَهَا ] فِي بَعْضِهَا ؟ , . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ يَحْتَمِلُ إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) يَقُولُ لِلْأَزْوَاجِ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } الْآيَةُ . يَعْنِي إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى وَأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ ; لِأَنَّهَا إذَا قَارَبَتْ بُلُوغَ أَجَلِهَا , أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ فَقَدْ حَظَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهَا أَنْ تَنْكِحَ , لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } , فَلَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النِّكَاحِ ; مَنْ قَدْ مَنَعَهَا مِنْهُ . إنَّمَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِمَّا أَبَاحَ لَهَا , مَنْ هُوَ بِسَبَبٍ [ مِنْ ] مَنْعِهَا . قَالَ : وَقَدْ حَفِظَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا , فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا , ثُمَّ : طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ , فَقَالَ : زَوَّجْتُكَ دُونَ غَيْرِكَ أُخْتِي , ثُمَّ : طَلَّقْتهَا , لَا أُنْكِحُكَ أَبَدًا . فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } . قَالَ : وَهَذِهِ الْآيَةُ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) دَلَالَةً عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تُنْكِحَ نَفْسَهَا وَفِيهَا : دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ مَعَ الْمُزَوَّجِ وَالْمُزَوَّجَةِ قَالَ الشَّيْخُ ( رحمه الله ) : هَذَا الَّذِي نَقَلْتُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ( رحمه الله ) فِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى هَا هُنَا . بَعْضُهُ فِي مَسْمُوعٍ لِي : قِرَاءَةً عَلَى شَيْخِنَا وَبَعْضُهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ فِي النَّقْلِ فَرَوَيْت الْجَمِيعَ بِالْإِجَازَةِ , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ . وَاحْتَجَّ ( أَيْضًا ) فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } وَبِقَوْلِهِ ( تَعَالَى ) فِي الْإِمَاءِ : { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } قَالَ : وَدَلَّتْ أَحْكَامُ اللَّهِ , ثُمَّ رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنْ لَا مِلْكَ لِلْأَوْلِيَاءِ [ آبَاءً كَانُوا أَوْ غَيْرُهُمْ ; ] عَلَى أَيَامَاهُمْ وَأَيَامَاهُمْ : الثَّيِّبَاتُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } وَقَالَ ( تَعَالَى ) فِي الْمُعْتَدَّاتِ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } الْآيَةُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) { الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا , وَإِذْنُهَا : صُمَاتُهَا } [ مَعَ مَا ] سِوَى ذَلِكَ وَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَمَالِيكَ لِمَنْ مَلَكَهُمْ , [ وَأَنَّهُمْ ] لَا يَمْلِكُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ شَيْئًا ] . وَلَمْ أَعْلَمْ دَلِيلًا عَلَى إيجَابِ [ إنْكَاحِ ] صَالِحِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ , كَمَا وَجَدْتُ الدَّلَالَةَ عَلَى إنْكَاحِ الْحَرَائِرِ إلَّا مُطْلَقًا . فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُنْكَحَ [ مَنْ بَلَغَ ] مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ , ثُمَّ صَالِحُوهُمْ خَاصَّةً وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ أُرِيدَ بِهَا : الدَّلَالَةُ لَا الْإِيجَابُ . وَذَهَبَ فِي الْقَدِيمِ : إلَى أَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ : إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ } ; بِأَنْ قَالَ : إنَّمَا هَذَا عِنْدَنَا عَبْدٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا ; فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَقَدْ يَزْعُمُ أَنَّ الْعَبْدَ يَقْدِرُ عَلَى أَشْيَاءَ ( مِنْهَا ) مَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ : مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي تُتْلِفُهُ [ أَ ] و تَنْقُصُهُ . ( وَمِنْهَا ) مَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ : جَازَ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِقْرَارُهُ فَإِنْ اعْتَلَّ بِالْإِذْنِ فَالشِّرَى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَيْضًا فَكَيْفَ يَمْلِكُ بِأَحَدٍ الْإِذْنَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ بِالْآخَرِ ؟ , . ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا , فِي الْجَدِيدِ , وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَذَكَرَ قوله تعالى : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } . [ ثُمَّ قَالَ ] : فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) [ عَلَى ] أَنَّ مَا أَبَاحَ مِنْ الْفُرُوجِ فَإِنَّمَا أَبَاحَهُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : النِّكَاحُ أَوْ مَا مَلَكَتْ الْيَمِينُ , فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ مَالِكًا بِحَالٍ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي آخَرِينَ قَالُوا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ نا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } . إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ; نَسَخَهَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } ; فَهِيَ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ : فَهَذَا : كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَعَلَيْهِ دَلَائِلُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) سَائِرَ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي ( الْمَبْسُوطِ ) , وَفِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بْن أَبِي عَمْرو نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . فَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا : الْأَحْرَارُ . لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ لِأَنَّهُ ] لَا يَمْلِكُ إلَّا الْأَحْرَارَ . وقوله تعالى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } , فَإِنَّمَا يَعُولُ مَنْ لَهُ الْمَالُ وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ تَلَا الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ [ ثُمَّ ] قَالَ : فَأَسْمَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) النِّكَاحَ , اسْمَيْنِ : النِّكَاحَ وَالتَّزْوِيجَ . وَذَكَرَ آيَةَ الْهِبَةِ وَقَالَ : فَأَبَانَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) الْهِبَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) دُونَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : وَالْهِبَةُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) تُجْمَعُ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ [ عَلَيْهَا ] عُقْدَةُ النِّكَاحِ ; بِأَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لَهُ بِلَا مَهْرٍ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ , إلَّا بِاسْمِ : النِّكَاحِ , [ أَ ] و التَّزْوِيجِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ } دُونَ أَدْعِيَائِكُمْ الَّذِينَ تُسَمُّونَهُمْ أَبْنَاءَكُمْ . وَاحْتَجَّ [ فِي ] كُلٍّ بِمَا هُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) ; ثُمَّ قَالَ : وَحَرَّمْنَا بِالرَّضَاعِ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ : قِيَاسًا عَلَيْهِ وَبِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّهُ { يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ . } وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ } . كَانَ أَكْبَرُ وَلَدِ الرَّجُلِ يَخْلُفُ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ وَكَانَ الرَّجُلُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ . فَنَهَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَحَدٌ : يَجْمَعُ فِي عُمْرِهِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ , أَوْ يَنْكِحَ مَا نَكَحَ أَبَاهُ ; إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِهِ . لَيْسَ أَنَّهُ أَقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ , مَا كَانُوا قَدْ جَمَعُوا بَيْنَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ . [ كَمَا أَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ : الَّذِي لَا يَحِلُّ فِي الْإِسْلَامِ بِحَالٍ ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً , فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَتْ , أَوْ طَلَّقَهَا [ فَأَبَانَهَا ] فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ نِكَاحِ أُمِّهَا : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ : { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } . زَادَ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ : لِأَنَّ الْأُمَّ مُبْهَمَةُ التَّحْرِيمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ ; إنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ وَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَفَسَّرَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . بِأَنَّ ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ : مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ , [ حَتَّى يُفَارِقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ بِمَوْتٍ أَوْ فُرْقَةِ طَلَاقٍ أَوْ , فَسْخِ نِكَاحٍ . ] إلَّا السَّبَايَا : [ فَإِنَّهُنَّ مُفَارِقَاتٌ لَهُنَّ بِالْكِتَابِ , وَالسُّنَّةِ , وَالْإِجْمَاعِ . ] . وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ بِحَدِيثِ { أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : أَصَبْنَا سَبَايَا : لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي الشِّرْكِ , فَكَرِهْنَا أَنْ نَطَأَهُنَّ , فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ ; فَنَزَلَ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } } احْتَجَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ : ( الْمَعْرِفَةِ ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } فَاعْرِضُوا عَلَيْهِنَّ الْإِيمَانُ , فَإِنْ قَبِلْنَ , وَأَقْرَرْنَ [ بِهِ ] : فَقَدْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ . وَكَذَلِكَ عِلْمُ بَنِي آدَمَ الظَّاهِرُ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ } يَعْنِي : بِسَرَائِرِهِنَّ فِي إيمَانِهِنَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرَةٍ [ مِنْ ] أَهْلِ مَكَّةَ , فَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ : ابْنَةَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَأَهْلُ مَكَّةَ : أَهْلُ أَوْثَانٍ . وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } ; قَدْ نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرِ أَهْلِ مَكَّةَ مُؤْمِنًا , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْهُدْنَةِ .
وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ : الَّذِينَ هُمْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ; فَحَرَّمَ : نِكَاحَ نِسَائِهِمْ , كَمَا حَرَّمَ أَنْ يَنْكِحَ رِجَالُهُمْ الْمُؤْمِنَاتِ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَهَذِهِ الْآيَةُ ثَابِتَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ . وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ [ بَعْدَهَا ] : فِي إحْلَالِ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ خَاصَّةً , كَمَا جَاءَتْ فِي إحْلَالِ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } قَالَ : فَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ أُبِيحَ [ فِيهِ ] نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَقَالَ : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ } [ إلَى قَوْلِهِ ] : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } الْآيَةُ قَالَ فَفِي [ هَذِهِ ] الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا : الْأَحْرَارُ ; دُونَ الْمَمَالِيكِ ; لِأَنَّهُمْ الْوَاجِدُونَ لِلطَّوْلِ , الْمَالِكُونَ لِلْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ . وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِأَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِصَدَاقِ أَمَةٍ , طَوْلًا لِحُرَّةٍ وَبِأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ , وَالْعَنَتُ : الزِّنَا . قَالَ : وَفِي إبَاحَةِ اللَّهِ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى مَا شَرَطَ : لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا وَخَافَ الْعَنَتَ . دَلَالَةٌ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَعَلَى أَنَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا يَحْلِلْنَ إلَّا : لِمَنْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ , مَعَ إيمَانِهِنَّ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي الْحُجَّةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ . يَعْنِي : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } , فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ بِالْقُرْآنِ بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ : لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيهِ . عَلِمْتُهُ . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } مَعْنَاهُ بِمَا أَحَلَّهُ [ اللَّهُ ] لَنَا مِنْ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ فِي كِتَابِهِ لَا أَنَّهُ أَبَاحَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } إلَى قَوْلِهِ : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ بُلُوغُ الْكِتَابِ أَجَلَهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ . قَالَ : وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ : فِي الْعِدَّةِ , فَبَيَّنَ أَنَّهُ حَظَرَ التَّصْرِيحَ فِيهَا . قَالَ تَعَالَى : { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) جِمَاعًا ; { إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا } حَسَنًا لَا فُحْشَ فِيهِ . وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : رَضِيتُك ; إنَّ عِنْدِي لَجِمَاعًا يُرْضِي مَنْ جُومِعَهُ . وَكَانَ هَذَا وَإِنْ كَانَ تَعْرِيضًا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ : لِقُبْحِهِ وَمَا عَرَّضَ بِهِ مِمَّا سِوَى هَذَا مِمَّا تَفْهَمُ الْمَرْأَةُ بِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا . فَجَائِزٌ لَهُ , وَكَذَلِكَ : التَّعْرِيضُ بِالْإِجَابَةِ [ لَهُ ] , جَائِزٌ لَهَا . قَالَ : وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ بِالتَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فِيهَا : الْعِدَّةُ مِنْ وَفَاةِ الزَّوْجِ وَلَا يَبِينُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ : الَّذِي لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُطَلِّقُ , الرَّجْعَةَ وَاحْتَجَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ السِّرَّ : الْجِمَاعُ . بِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ [ ثُمَّ قَالَ ] : فَإِذَا أَبَاحَ التَّعْرِيضَ : وَالتَّعْرِيضُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ , جَائِزٌ سِرًّا وَعَلَانِيَةً . فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ السِّرَّ سِرُّ التَّعْرِيضِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْنًى غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْمَعْنَى : الْجِمَاعُ . قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي كَذَبْتِ لَقَدْ أُصْبِيَ عَلَى الْمَرْءِ عِرْسَهُ وَأَمْنَعُ عِرْسِي أَنْ يُزَنَّ بِهَا الْخَالِي وَقَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ : كَانَتْ إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا خُزِنَ الْحَدِيثُ وَعَفَّتْ الْأَسْرَارَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ حَدِيثَهَا مَخْزُونٌ , فَخَزْنُ الْحَدِيثِ : [ أَنْ ] لَا يُبَاحَ بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً فَإِذَا وَصَفَهَا بِهَذَا : فَلَا مَعْنَى لِلْعَفَافِ غَيْرَ الْأَسْرَارِ ; [ وَ ] الْأَسْرَارُ : الْجِمَاعُ . وَهَذَا : فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ , فَذَكَرَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } . يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) الطَّهَارَةُ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الصَّلَاةُ لَهَا : [ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) وَتَحْرِيمُ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ لِأَذَى الْحَيْضِ . كَالدَّلَالَةِ عَلَى : [ أَنَّ ] إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ مُحَرَّمٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . قَالَ : وَبَيَّنَ أَنَّ مَوْضِعَ الْحَرْثِ مَوْضِعُ الْوَلَدِ , وَأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَبَاحَ الْإِتْيَانَ فِيهِ , إلَّا فِي وَقْتِ الْحَيْضِ . وَ { أَنَّى شِئْتُم | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:17 | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْخُلْعِ وَالطَّلاقِ وَالرَّجْعَة
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَاصِمِيِّ :
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِمِصْرَ قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا , يَقُولُ : قَرَأَ عَلَيَّ يُونُسُ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّجُلِ : يَحْلِفُ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ , قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهَا قَالَ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ; لِأَنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ذَكَر الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ . وَقَرَأَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } قَالَ الشَّيْخُ : وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ ( أَيْضًا ) : بِهَذِهِ الْآيَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } قَالَ : وَقُرِئَتْ : ( لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ ) , وَهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَعْنَى وَرُوِيَ [ ذَلِكَ ] عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَطَلَاقُ السُّنَّةِ فِي الْمَرْأَةِ : الْمَدْخُولِ بِهَا , الَّتِي تَحِيضُ أَنْ يُطَلِّقَهَا : طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ , فِي الطُّهْرِ الَّذِي خَرَجَتْ [ إلَيْهِ ] مِنْ حَيْضَةٍ , أَوْ نِفَاسٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ , وَالتَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ . وَنَهَى عَنْ الضَّرَرِ . وَطَلَاقُ الْحَائِضِ : ضَرَرٌ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهَا : لَا زَوْجَةٌ , وَلَا فِي أَيَّامِ تَعْتَدُّ فِيهَا مِنْ زَوْجٍ مَا كَانَتْ فِي الْحَيْضَةِ وَهِيَ إذَا طَلُقَتْ : وَهِيَ تَحِيضُ . بَعْد جِمَاعٍ لَمْ تَدْرِ , وَلَا زَوْجُهَا عِدَّتُهَا : الْحَمْلُ , أَوْ الْحَيْضُ ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُون أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَا مَعًا الْعِدَّةَ ; لِيَرْغَبَ الزَّوْجُ وَتُقْصَرُ الْمَرْأَةُ عَنْ الطَّلَاقِ إذَا طَلَبَتْهُ .
( نا ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : ذَكَر اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الطَّلَاقُ , فِي كِتَابِهِ , بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ : الطَّلَاقِ , وَالْفِرَاقِ , وَالسَّرَاحِ . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلُهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } , وَقَالَ لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أَزْوَاجِهِ : { وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا } . زَادَ أَبُو سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَمَنْ خَاطَبَ امْرَأَتَهُ , فَأَفْرَدَ لَهَا اسْمًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ : لَزِمَهُ الطَّلَاقُ , وَلَمْ يُنَوَّ فِي الْحُكْمِ , وَنَوَّيْنَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ( فِي آخَرِينَ ) , قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : ثَنَا مَالِكٌ , عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ , ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا : كَانَ ذَلِكَ لَهُ , وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَد رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ لَهُ فَطَلَّقَهَا , ثُمَّ أَمْهَلَهَا ; حَتَّى إذَا شَارَفَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا : ارْتَجَعَهَا ; ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا آوِيكَ إلَيَّ , وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمئِذٍ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَلَّقَ , أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ ( رحمه الله ) : قَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي مَعْنَاهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } قَالَ : وَلِلْكُفْرِ أَحْكَامٌ : كَفِرَاقِ الزَّوْجَةِ , وَأَنْ يُقْتَلَ الْكَافِرُ وَيُغْنَمَ مَالُهُ . فَلَمَّا وَضَعَ [ اللَّهُ ] عَنْهُ : سَقَطَتْ [ عَنْهُ ] أَحْكَامُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ كُلِّهِ ; لِأَنَّ الْأَعْظَمَ إذَا سَقَطَ عَنْ النَّاسِ : سَقَطَ مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ , وَمَا يَكُونُ حُكْمَهُ : بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا }
قَالَ الشَّافِعِيُّ [ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ] : { إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } يُقَالُ : إصْلَاحُ الطَّلَاقِ : بِالرَّجْعَةِ ; وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فَأَيُّمَا زَوْجٍ حُرٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا يُصِيبُهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ , فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا } إذَا شَارَفْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ : فَرَاجَعُوهُنَّ بِمَعْرُوفِ , [ أَوْ ] وَدَعَوْهُنَّ تَنْقَضِيَ عِدَدُهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَاهُمْ أَنْ يُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا : لِيَعْتَدُوا ; فَلَا يَحِلُّ إمْسَاكُهُنَّ : ضِرَارًا زَادَ عَلَى هَذَا , فِي مَوْضِعِ آخَرَ هُوَ عِنْدِي بِالْإِجَازَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ , بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ . [ وَالْعَرَبُ ] تَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا قَارَبَ الْبَلَدَ يُرِيدُهُ أَوْ الْأَمْرَ يُرِيدُهُ قَدْ بَلَغْته , وَتَقُولُهُ إذَا بَلَغَهُ . فَقَوْلُهُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } إذَا قَارَبْنَ [ بُلُوغَ ] أَجَلِهِنَّ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ , إلَّا : مَنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي الْعِدَّةِ . وَقَوْلُهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } ; هَذَا إذَا قَضَيْنَ أَجَلَهُنَّ . وَهَذَا : كَلَامٌ عَرَبِيٌّ , وَالْآتِيَانِ يَدُلَّانِ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا بَيِّنًا ; وَالْكَلَامُ فِيهِمَا مِثْلُ قَوْلِهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا : { وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا , فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ فِي الْمَرْأَةِ : يُطَلِّقُهَا الْحُرُّ ثَلَاثًا . [ قَالَ ] : فَلَا تَحِلُّ لَهُ : حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ; لِقَوْلِهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّالِثَةَ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } قَالَ : فَاحْتَمَلَتْ الْآيَةُ حَتَّى يُجَامِعَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ; [ وَ ] دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ : فَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا , بِزَوْجٍ : صَحِيحِ النِّكَاحِ فَأَصَابَهَا , ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا : حَلَّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ : ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } . وَقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ ; فَأَمَّا الْآيَةُ فَتَحْتَمِلُ إنْ أَقَامَا الرَّجْعَةَ ; لِأَنَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ . وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا } إصْلَاحَ مَا أَفْسَدُوا بِالطَّلَاقِ بِالرَّجْعَةِ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامُ إلَى أَنْ قَالَ : فَأُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَنْوِيَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا , وَغَيْرِهِ مِنْ حُدُودِهِ . قَالَ الشَّيْخُ : قَوْلُهُ : { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا } ; إنْ أَرَادَ [ بِهِ ] : الزَّوْجَ الثَّانِي إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَإِقَامَةُ الرَّجْعَةِ , مِثْلُ : أَنْ يُرَاجِعُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَكُونُ الْحُجَّةُ فِي رُجُوعِهَا إلَى الْأَوَّلِ : بِنِكَاحٍ مُبْتَدَإٍ تَعْلِيقَهُ التَّحْرِيمَ بِغَايَتِهِ . وَإِنْ أَرَادَ بِهِ : الزَّوْجَ الْأَوَّلَ ; فَالْمُرَادُ بِالتَّرَاجُعِ : النِّكَاحُ الَّذِي يَكُونُ بِتَرَاجُعِهِمَا وَبِرِضَاهُمَا جَمِيعًا , بَعْدَ الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فَقَالَ الْأَكْثَرُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . عِنْدَنَا إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ : وُقِفَ الْمُولِي ; فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ , وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ . [ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ . عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ : انْقِضَاءُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ] قَالَ : وَالظَّاهِرُ فِي الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَنْظَرَهُ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , فِي شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ . لِأَنَّهُ [ إنَّمَا ] جَعَلَ عَلَيْهِ : الْفَيْئَةَ أَوْ الطَّلَاقَ وَالْفَيْئَةُ : الْجِمَاعُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ . وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ; فَلَا يَتَقَدَّمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ : وَقَدْ ذُكِرَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَمَا يُقَالُ لَهُ : افْدِهِ , أَوْ نَبِيعَهُ عَلَيْكَ بِلَا فَصْلٌ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ , وَبَيَانُ الِاعْتِبَارِ بِالْعَزْمِ . قَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ : وَكَيْفَ يَكُونُ عَازِمًا عَلَى أَنْ يَفِيءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ , فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ , لَزِمَهُ الطَّلَاقُ : وَهُوَ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَتُرَى هَذَا قَوْلًا يَصِحُّ فِي الْعُقُولِ [ لِأَحَدٍ ] ؟ , . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هُوَ لِي مَسْمُوعٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ : وَلِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْفَيْئَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِشَيْءٍ يُحْدِثَهُ مِنْ جِمَاعٍ , أَوْ فِي فَيْءٍ بِلِسَانٍ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجِمَاعِ . وَأَنَّ عَزِيمَةَ الطَّلَاقِ هُوَ مُضِيّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا : شَيْءٌ يُحْدِثُهُ هُوَ بِلِسَانِ , وَلَا فِعْلٍ ؟ أَرَأَيْتَ الْإِيلَاءَ : طَلَاقٌ هُوَ ؟ قَالَ : لَا . قُلْنَا أَفَرَأَيْتَ كَلَامًا قَطُّ : لَيْسَ بِطَلَاقٍ جَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ فَجَعَلَتْهُ طَلَاقًا ؟ , وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ نَقَلْتُهُ إلَى ( الْمَبْسُوطِ ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } الْآيَة .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى : [ مِنْ ] أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَذْكُرُ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ( كَانُوا ) يُطَلِّقُونَ بِثَلَاثٍ : الظِّهَارِ , وَالْإِيلَاءِ , وَالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الطَّلَاقَ : طَلَاقًا ; وَحَكَمَ فِي الْإِيلَاءِ بِأَنَّ أَمْهَلَ الْمُولِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ , ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِ : أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَحَكَمَ فِي الظِّهَارِ بِالْكَفَّارَةِ , وَ [ أَنْ ] لَا يَقَعَ بِهِ طَلَاقٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاَلَّذِي حَفِظْتُ مِمَّا سَمِعْتُ فِي : { يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } . أَنَّ الْمُتَظَاهِرَ حَرَّمَ [ مَسَّ ] امْرَأَتِهِ بِالظِّهَارِ ; فَإِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ , لَمْ يُحْرِمْهَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي يُحَرَّمُ بِهِ , وَلَا بِشَيْءٍ يَكُونُ لَهُ مَخْرَجٌ مِنْ أَنْ تَحْرُمَ [ عَلَيْهِ ] بِهِ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ . كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ حَلَالٌ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ , فَخَالَفَهُ فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ . قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ لَهُ مَعْنَى أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا , وَلَمْ أَعْلَم مُخَالِفًا فِي أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ : وَإِنْ لَمْ يَعُدْ بِتَظَاهُرٍ آخَرَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالُ مَا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الْآيَةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } وَقْتٌ لِأَنَّ يُؤَدِّيَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ ; [ فِيهَا قَبْلَ الْمُمَاسَّةِ فَإِذَا كَانَتْ الْمُمَاسَّةُ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ ] فَذَهَبَ الْوَقْتُ : لَمْ تَبْطُلْ الْكَفَّارَةُ , [ وَلَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ فِيهَا ] . . وَجَعَلَهَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ; قَالَ : لَا [ يُجْزِيهِ ] تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ فِي الْقَتْلِ : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } . وَكَانَ شَرْطُ اللَّهِ فِي رَقَبَةِ الْقَتْلِ [ إذَا كَانَتْ ] كَفَّارَةً , كَالدَّلِيلِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) عَلَى أَنْ لَا تُجْزِيَ رَقَبَةٌ فِي كَفَّارَةٍ , إلَّا مُؤْمِنَةٌ . كَمَا شَرَطَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) الْعَدْلَ فِي الشَّهَادَةِ , فِي مَوْضِعَيْنِ , وَأَطْلَقَ الشُّهُودَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ . فَلَمَّا كَانَتْ شَهَادَةً كُلُّهَا : اكْتَفَيْنَا بِشَرْطِ اللَّهِ فِيمَا شَرَطَ فِيهِ ; وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ مَا أَطْلَقَ مِنْ الشَّهَادَاتِ ; ( إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى مِثْلِ مَعْنَى مَا شَرَطَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } الْآيَةُ . قَالَ فَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا : [ فِي ] أَنَّ ذَلِكَ إذَا طَلَبَتْ الْمَقْذُوفَةُ الْحَدَّ , وَلَمْ يَأْتِ الْقَاذِفُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يُخْرِجُونَهُ مِنْ الْحَدِّ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ } إلَى آخِرِهَا
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ أَخْرَجَ الزَّوْجَ مِنْ قَذْفِ الْمَرْأَةِ ( يَعْنِي : بِاللِّعَانِ ) . كَمَا أَخْرَجَ قَاذِفَ الْمُحْصَنَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ : بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَشْهَدُونَ عَلَيْهَا , بِمَا قَذَفَهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَكَانَتْ فِي ذَلِكَ , دَلَالَةُ أَنْ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَلْتَعِنَ حَتَّى تَطْلُبَ الْمَرْأَةُ الْمَقْذُوفَةُ حَدّهَا . وَقَاسَهَا ( أَيْضًا ) عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ . قَالَ : وَلِمَا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) اللِّعَانَ عَلَى الْأَزْوَاجِ مُطْلَقًا : كَانَ اللِّعَانُ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ : جَازَ طَلَاقُهُ , وَلَزِمَهُ الْفَرْضُ : وَعَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ : لَزِمَهَا الْفَرْضُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ قَالَ : لَا أَلْتَعِنُ , وَطَلَبَتْ أَنْ يُحَدَّ لَهَا : حُدَّ . قَالَ : وَمَتَى الْتَعَنَ الزَّوْجُ : فَعَلَيْهَا أَنْ تَلْتَعِنَ فَإِنْ أَبَتْ : حُدَّتْ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ } الْآيَةُ وَالْعَذَابُ : الْحَدُّ .
( وَأَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلِمَا حَكَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ , شُهُودَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مَعَ حَدَاثَتِهِ , وَحَكَاهُ ابْنُ عُمَرَ : اسْتَدْلَلْنَا : [ عَلَى ] أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ طَائِفَةٍ : مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ حُدُودِ اللَّهِ يَشْهَدُهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَقَلُّهَا أَرْبَعَة لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا أَقَلُّ مِنْهُمْ وَهَذَا : يُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الزَّانِيَيْنِ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَك } : الطَّائِفَةُ : ثَلَاثَةٌ فَأَكْثَرُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ : لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِهِمْ : حُصُولُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ إقَامَةً : ثَلَاثَةٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا . وَذَكَرَ جِهَةَ اسْتِحْبَابِهِ أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً فِي الْحُدُودِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَوْقِيفٍ , فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:19 | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ في الْعِدّةِ وَفِي الرِّضاعِ وَفِي النَّفَقَاتِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( قَرَأْتَ عَلَيْهِ ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } . قَالَتْ عَائِشَةُ ( رضي الله عنها ) : الْأَقْرَاءُ : الْأَطْهَارُ ; [ فَإِذَا طَعَنَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ ; فَقَدْ حَلَّتْ ] وَقَالَ بِمِثْلِ مَعْنَى قَوْلِهَا , زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . الْأَقْرَاءُ : الْحَيْضُ ; فَلَا تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ : حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ . ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حُجَّةَ الْقَوْلَيْنِ , وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ , وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ : { بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ : حَائِضًا أَنْ يَأْمُرَهُ بِرَجْعَتِهَا وَحَبْسِهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا : طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ] : قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } ; فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْعِدَّةَ : الطُّهْرُ , دُونَ الْحَيْضِ وَاحْتَجَّ : بِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ : ( ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) , وَلَا مَعْنَى لِلْغُسْلِ : لِأَنَّ الْغُسْلَ رَابِعٌ . وَاحْتَجَّ : بِأَنَّ الْحَيْضَ , هُوَ أَنْ يُرْخِيَ الرَّحِمُ الدَّمَ حَتَّى يَظْهَرَ وَالطُّهْرُ هُوَ أَنْ يَقْرِيَ الرَّحِمُ الدَّمَ , فَلَا يَظْهَرُ . فَالْقُرْءُ : الْحَبْسُ لَا : الْإِرْسَالُ . فَالطُّهْرُ : إذَا كَانَ يَكُونَ وَقْتًا . أَوْلَى فِي اللِّسَانِ , بِمَعْنَى الْقُرْءِ ; لِأَنَّهُ : حَبْسُ الدَّمِ , وَأَطَالَ الْكَلَامُ فِي شَرْحِهِ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } الْآيَةُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ بِالتَّنْزِيلِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُطَلَّقَةِ : أَنْ تَكْتُمَ مَا فِي رَحِمِهَا مِنْ الْمَحِيضِ , فَقَدْ يَحْدُثُ لَهُ عِنْدَ خَوْفِهِ انْقِضَاءَ عِدَّتُهَا رَأَى فِي نِكَاحِهَا أَوْ يَكُونُ طَلَاقُهُ إيَّاهَا : أَدَبًا [ لَهَا ] . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ : الْحَمْلَ مَعَ الْمَحِيضِ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ مِمَّا خَلْقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ فَإِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ أَحَامِلٌ هِيَ ؟ أَوْ هَلْ حَاضَتْ ؟ : فَهِيَ عِنْدِي , لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَكْتُمَهُ وَلَا أَحَدًا رَأَتْ أَنْ يُعْلِمَهُ . [ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهَا وَلَا أَحَدٌ يُعْلِمُهُ إيَّاهُ ] فَأَحَبُّ إلَيَّ : لَوْ أَخْبَرَتْهُ بِهِ ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَلَوْ كَتَمَتْهُ بَعْدَ الْمَسْأَلَةِ , [ الْحَمْلَ وَالْأَقْرَاءَ ] حَتَّى خَلَتْ عِدَّتُهَا : كَانَتْ عِنْدِي , آثِمَةً بِالْكِتْمَانِ [ إذَا سُئِلَتْ وَكَتَمَتْ ] وَخِفْتُ عَلَيْهَا الْإِثْمَ إذَا كَتَمَتْ وَإِنْ لَمْ تُسْأَلْ . وَلَمْ يَكُنْ [ لَهُ . ] عَلَيْهَا رَجْعَةٌ : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا جَعَلَهَا لَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي ذَلِكَ قَوْلَ عَطَاءٍ , وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي كِتَابِ ( الْمَبْسُوطِ ) وَ ( الْمَعْرِفَةِ ) .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ الْعِدَدِ { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } ; فَلَمْ يَعْلَمُوا مَا عِدَّةُ الْمَرْأَةِ [ الَّتِي ] لَا قُرْءَ لَهَا ؟ وَهِيَ : الَّتِي لَا تَحِيضُ , وَالْحَامِلُ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنَّ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ } ; فَجَعَلَ عِدَّةَ الْمُؤَيَّسَةِ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ : [ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ . ] وَقَوْلُهُ { إنْ ارْتَبْتُمْ } فَلَمْ تَدْرُوا مَا تَعْتَدُّ غَيْرُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ ؟ وَقَالَ : { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) يُشْبِهُ مَا قَالُوا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ , وَأَنَّ الْمَسِيسَ [ هُوَ ] الْإِصَابَةُ [ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي هَذَا ] . وَذَكَرَ الْآيَاتِ فِي الْعِدَّةِ , ثُمَّ قَالَ : فَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ يَوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ , وَتَكُونُ الْوَفَاةُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } . وَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ , وَأَنَّ الْمَسِيسَ [ هُوَ ] الْإِصَابَةُ [ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي هَذَا ] . وَذَكَرَ الْآيَاتِ فِي الْعِدَّةِ , ثُمَّ قَالَ : فَكَانَ بَيِّنًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ يَوْمِ يَقَعُ الطَّلَاقُ , وَتَكُونُ الْوَفَاةُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : حَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ . أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ , وَأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ . وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَذْهَبُ : إلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ , وَأَنَّ وَصِيَّةَ الْمَرْأَةِ مَحْدُودَةٌ بِمَتَاعِ سَنَةٍ وَذَلِكَ : نَفَقَتُهَا , وَكِسْوَتُهَا , وَسَكَنُهَا . وَأَنْ قَدْ حُظِرَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا إخْرَاجُهَا , وَلَمْ يَحْظُرْ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ قَالَ : وَكَانَ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا بِالْمَتَاعِ إلَى الْحَوْلِ وَالسُّكْنَى ; مَنْسُوخَةٌ يَعْنِي بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَ [ بَيِّنٌ ] : أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَثْبَت عَلَيْهَا عِدَّةً أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ; لَيْسَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا , وَلَا النِّكَاحُ قَبْلَهَا . إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا ; فَيَكُونُ أَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا : [ بَعُدَ أَوْ قَرُبَ . وَيَسْقُطُ بِوَضْعِ حَمْلِهَا عِدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ . ] وَلَهُ فِي سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَوْلٌ آخَرُ : أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يُسْكِنُوهَا , وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَدْ مَلَكُوا الْمَالَ دُونَهُ وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ , وَرَوَاهُ [ الشَّافِعِيُّ عَنْ ] الشَّعْبِيِّ [ عَنْ عَلِيٍّ ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُطَلَّقَاتِ : { لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْفَاحِشَةُ أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا , فَيَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُخَافُ الشِّقَاقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ فَإِذَا فَعَلَتْ : حَلَّ لَهُمْ إخْرَاجُهَا , وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُنْزِلُوهَا مَنْزِلًا غَيْرَهُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : حَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْأُمَّ وَالْأُخْتَ : مِنْ الرَّضَاعَةِ , وَاحْتَمَلَ تَحْرِيمُهُمَا مَعْنَيَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ , فَأَقَامَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ , مُقَامَ الْأُمِّ وَالْأُخْتِ مِنْ النَّسَبِ . أَنْ تَكُونَ الرَّضَاعَةُ كُلُّهَا , تَقُومُ مُقَامَ النَّسَبِ : فَمَا حَرُمَ بِالنَّسَبِ حَرُمَ بِالرَّضَاعَةِ مِثْلُهُ وَبِهَذَا نَقُولُ بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , وَالْقِيَاسُ عَلَى الْقُرْآنِ . ( وَالْآخَرُ ) أَنْ يَحْرُمَ مِنْ الرَّضَاعِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ , وَلَا يَحْرُمَ سِوَاهُمَا . ثُمَّ ذَكَرَ دَلَالَةَ السُّنَّةِ , لِمَا اخْتَارَ مِنْ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ , يَقَعُ عَلَى الْمَصَّةِ , وَأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى كَمَالِ إرْضَاعِ الْحَوْلَيْنِ وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ رَضَاعٍ : وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَاسْتَدْلَلْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ لَا مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ : رَضَاعٍ . وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ : آيَةَ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ , وَآيَةَ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ وَذَكَرَ الْحُجَّةَ فِي وُقُوعِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ . وَاحْتَجَّ فِي الْحَوْلَيْنِ بِقَوْلِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } . [ ثُمَّ قَالَ ] : فَجَعَلَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) تَمَامَ الرَّضَاعَةِ : حَوْلَيْنِ [ كَامِلَيْنِ ] وَقَالَ : { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَدَلَّ إرْخَاصُهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) : فِي فِصَالِ الْمَوْلُودِ عَنْ تَرَاضِيَ وَالِدَيْهِ وَتَشَاوُرِهِمَا قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ . عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى فِصَالِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ . وَذَلِكَ لَا يَكُونُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمَوْلُودِ مِنْ وَالِدَيْهِ أَنْ يَكُونَا يَرَيَانِ : فِصَالَهُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ خَيْرًا مِنْ إتْمَامِ الرَّضَاعِ لَهُ لِعِلَّةِ تَكُونُ بِهِ , أَوْ بِمُرْضِعِهِ : وَإِنَّهُ لَا يَقْبَل رَضَاعَ غَيْرَهَا وَمَا أَشْبَهَ هَذَا . وَمَا جَعَلَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) لَهُ , غَايَةً فَالْحُكْمُ بَعْدَ مُضِيِّ الْغَايَةِ , فِيهِ : غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } فَحُكْمُهُنَّ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ : غَيْرَ حُكْمِهِنَّ فِيهَا .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ } ; فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا مُسَافِرِينَ , وَكَانَ فِي شَرْطِ الْقَصْرِ لَهُمْ بِحَالٍ مَوْصُوفَةٍ . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ : غَيْرَ الْقَصْرِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( قِرَاءَةً عَلَيْهِ ) : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } قَالَ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } يَدُلُّ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ , نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ . وَقَوْلُهُ : ( أَلَّا تَعُولُوا ) ; أَيْ : لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُوا , إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ عَلَى وَاحِدَةٍ : وَإِنْ أَبَاحَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ اللُّغَوِيُّ ( صَاحِبُ ثَعْلَبٍ ) فِي كِتَابِ : ( يَاقُوتَةِ الصِّرَاطِ ) ; فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَلَّا تَعُولُوا ) أَيْ أَنْ لَا تَجُورُوا , وَ ( تَعُولُوا ) : تَكْثُرُ عِيَالَكُمْ . وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( قِرَاءَةً عَلَيْهِ ) : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } قَالَ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } يَدُلُّ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ , نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ . وَقَوْلُهُ : ( أَلَّا تَعُولُوا ) ; أَيْ : لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُوا , إذَا اقْتَصَرَ الْمَرْءُ عَلَى وَاحِدَةٍ : وَإِنْ أَبَاحَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ اللُّغَوِيُّ ( صَاحِبُ ثَعْلَبٍ ) فِي كِتَابِ : ( يَاقُوتَةِ الصِّرَاطِ ) ; فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَلَّا تَعُولُوا ) أَيْ أَنْ لَا تَجُورُوا , وَ ( تَعُولُوا ) : تَكْثُرُ عِيَالَكُمْ . وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } , وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَائْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفِ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَفِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بَيَانُ أَنَّ الْإِجَارَاتِ جَائِزَةٌ : عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ . إذْ قَالَ اللَّهُ : { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } , وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ صَبِيٌّ أَكْثَرَ رَضَاعًا مِنْ صَبِيٍّ , وَتَكُونُ امْرَأَةٌ أَكْثَرَ لَبَنًا مِنْ امْرَأَةٍ , وَيَخْتَلِفُ لَبَنُهَا فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ . فَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ عَلَى هَذَا : لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَقْرَبُ مِمَّا يُحِيطُ الْعِلْمُ بِهِ : مِنْ هَذَا وَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ : قِيَاسًا عَلَى هَذَا , وَتَجُوزُ فِي غَيْرِهِ : مِمَّا يَعْرِفُ النَّاسُ , قِيَاسًا عَلَى هَذَا قَالَ : وَبَيَانُ : أَنَّ عَلَى الْوَالِدِ : نَفَقَةَ الْوَلَدِ ; دُونَ أُمِّهِ مُتَزَوِّجَةً , أَوْ مُطَلَّقَةً . وَفِي هَذَا , دَلَالَةٌ : [ عَلَى ] أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ وَارِثَةٌ , وَفَرْضُ النَّفَقَةِ وَالرَّضَاعِ عَلَى الْأَبِ , دُونَهَا . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } مِنْ أَنْ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا لَا أَنَّ عَلَيْهَا الرَّضَاعَ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي ( الْإِمْلَاءِ ) :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ رَضَاعُ وَلَدِهَا : كَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا , أَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا إنْ شَاءَتْ وَسَوَاءٌ : كَانَتْ شَرِيفَةً , أَوْ دَنِيَّةً , أَوْ مُوسِرَةً , أَوْ مُعْسِرَةً . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى } . وَزَادَ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فَقَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) الْإِجَارَةَ فِي كِتَابِهِ , وَعَمِلَ بِهَا بَعْضُ أَنْبِيَائِهِ ; قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } الْآيَةُ . فَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : أَنَّ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَجَرَ نَفْسَهُ : حِجَجًا مُسَمَّاةً , يَمْلِكُ بِهَا بُضْعَ امْرَأَةٍ . فَدَلَّ عَلَى تَجْوِيزِ الْإِجَارَةِ , وَعَلَى أَنْ لَا بَأْسَ بِهَا عَلَى الْحِجَجِ إذَا كَانَ عَلَى الْحِجَجِ اسْتَأْجَرَهُ . [ وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى غَيْرِ حِجَجٍ فَهُوَ تَجْوِيزُ الْإِجَارَةِ بِكُلِّ حَالٍ ] وَقَدْ قِيلَ : اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:20 | |
| قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } الْآيَةُ وَقَالَ : { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } , وَقَالَ : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقْتُلُ الْإِنَاثَ مِنْ وَلَدِهِ صِغَارًا : خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ , وَالْعَارِ بِهِنَّ فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ ذَلِكَ : مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ . دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ : فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ : دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ , مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدِينَ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } الْآيَةُ وَقَالَ : { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } , وَقَالَ : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقْتُلُ الْإِنَاثَ مِنْ وَلَدِهِ صِغَارًا : خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ , وَالْعَارِ بِهِنَّ فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ ذَلِكَ : مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ . دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَثْبِيتِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ : فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ : دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ , مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : مِنْ الْعِلْمِ الْعَامِّ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ لَقِيتُهُ فَحَدَّثَنِيهِ , وَبَلَغَنِي عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِ . أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : تُبَايِنُ فِي الْفَضْلِ , وَيَكُونُ بَيْنَهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِيرَانِ مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ . وَكَانَ بَعْضُهَا يَعْرِفُ لِبَعْضٍ الْفَضْلَ فِي الدِّيَاتِ حَتَّى تَكُونُ دِيَةُ الرَّجُلِ الشَّرِيفِ أَضْعَافَ دِيَةِ الرَّجُلِ دُونَهُ فَأَخَذَ بِذَلِكَ بَعْضُ مَنْ بَيْنِ أَظْهُرِهَا مِنْ غَيْرِهَا . بِأَقْصَدَ مِمَّا كَانَتْ تَأْخُذُ بِهِ ; فَكَانَتْ دِيَةُ النَّضِيرِيِّ : ضِعْفُ دِيَةِ الْقُرَظِيِّ . وَكَانَ الشَّرِيفُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا قُتِلَ يُجَاوَزُ قَاتِلُهُ إلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ مِنْ أَشْرَافِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي قَتَلَهُ أَحَدُهَا وَرُبَّمَا لَمْ يَرْضَوْا إلَّا بِعَدَدٍ يَقْتُلُونَهُمْ . فَقَتَلَ بَعْضُ غَنِيٍّ شَأْسُ بْنَ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيَّ فَجَمَعَ عَلَيْهِمْ أَبُوهُ زُهَيْرُ بْنُ جَذِيمَةَ ; فَقَالُوا لَهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ نُدِبَ عَنْهُمْ : سَلْ فِي قَتْلِ شأس ; فَقَالَ إحْدَى ثَلَاثٍ لَا يُرْضِينِي غَيْرُهَا ; فَقَالُوا مَا هِيَ ؟ فَقَالَ : تُحْيُونَ لِي شَأْسًا , أَوْ تَمْلَئُونَ رِدَائِي مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ , أَوْ تَدْفَعُونَ لِي غَنِيًّا بِأَسْرِهَا فَأَقْتُلُهَا , ثُمَّ لَا أَرَى أَنِّي أَخَذْتُ [ مِنْهُ ] عِوَضًا . وَقُتِلَ كُلَيْبُ وَائِلٍ فَاقْتَتَلُوا دَهْرًا طَوِيلًا , وَاعْتَزَلَهُمْ بَعْضُهُمْ فَأَصَابُوا ابْنًا لَهُ يُقَالُ لَهُ : بُجَيْرٌ . فَأَتَاهُمْ , فَقَالَ : قَدْ عَرَفْتُمْ عُزْلَتِي , فَبُجَيْرٌ بِكُلَيْبٍ وَهُوَ أَعَزُّ الْعَرَبِ [ وَكُفُّوا عَنْ الْحَرْبِ ] . فَقَالُوا : بُجَيْرٌ بِشِسْعِ [ نَعْلِ ] كُلَيْبٍ , فَقَاتَلَهُمْ : وَكَانَ مُعْتَزِلًا قَالَ : وَقَالَ إنَّهُ نَزَلَ فِي ذَلِكَ [ وَغَيْرِهِ ] مِمَّا كَانُوا يَحْكُمُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي أَحْكِيهِ [ كُلَّهُ ] بَعْدَ هَذَا , وَحُكْمُ اللَّهُ بِالْعَدْلِ فَسَوَّى فِي الْحُكْمِ بَيْنَ عِبَادِهِ : الشَّرِيفِ مِنْهُمْ , وَالْوَضِيعِ : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } . فَقَالَ إنَّ الْإِسْلَامَ نَزَلَ : وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَطْلُبُ بَعْضًا بِدِمَاءٍ وَجِرَاحٍ ; فَنَزَلَ فِيهِمْ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } الْآيَةُ . قَالَ : وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ فِي حَيَّيْنِ مِنْ الْعَرَبِ : اقْتَتَلُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ , وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ : فَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ : لَيَقْتُلُنَّ بِالْأُنْثَى الذَّكَرَ , وَبِالْعَبْدِ مِنْهُمْ الْحُرَّ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رَضُوا وَسَلَّمُوا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا مِنْ هَذَا , بِمَا قَالُوا : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا أَلْزَمَ كُلَّ مُذْنِبٍ ذَنْبَهُ , وَلَمْ يَجْعَلْ جُرْمَ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ : فَقَالَ : ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) إذَا كَانَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) قَاتِلًا لَهُ ; ( وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ) إذَا كَانَ قَاتِلًا لَهُ ; ( وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً لَهَا . لَا أَنْ يُقْتَلَ بِأَحَدٍ مِمَّنْ [ لَمْ ] يَقْتُلْهُ لِفَضْلِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : { أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ . } وَمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا : فِي أَنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ . دَلِيلُ أَنْ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [ غَيْرَ ] خَاصَّةٍ كَمَا قَالَ مَنْ وَصَفْتُ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ , لَمْ يُقْتَلْ ذَكَرٌ بِأُنْثَى .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ نا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى } . فَكَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا كُتِبَ عَلَى الْبَالِغِينَ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ : لِأَنَّهُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِالْفَرَائِضِ إذَا قَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ . بِابْتِدَاءِ الْآيَةِ , وَقَوْلُهُ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } , وَقَطَعَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ قَالَ : وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى مِثْلِ ظَاهِرِ الْآيَةِ . [
قَالَ الشَّافِعِيُّ ] : قَالَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } الْآيَةُ . [ قَالَ وَلَا يَجُوزُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِي حُكْمِ اللَّهِ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ ] أَنْ كَانَ حُكْمًا بَيِّنًا . إلَّا مَا جَازَ فِي قَوْلِهِ : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ } وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ : كُلُّ نَفْسٍ مُحَرَّمَةِ الْقَتْلِ : فَعَلَى مَنْ قَتَلَهَا الْقَوَدُ . فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقْتَلَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهِدِ , وَالْمُسْتَأْمَنِ , وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ : مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ; [ وَالرَّجُلِ بِعَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ مُسْلِمًا كَانَ , أَوْ كَافِرًا ] , وَالرَّجُلُ بِوَلَدِهِ إذَا قَتَلَهُ . أَوْ يَكُونُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ) مِمَّنْ دَمُهُ مُكَافِئٌ دَمَ مَنْ قَتَلَهُ , وَكُلُّ نَفْسٍ : كَانَتْ تُقَادُ بِنَفْسٍ بِدَلَالَةِ كِتَابِ اللَّهِ , أَوْ سُنَّةٍ , أَوْ إجْمَاعٍ . كَمَا كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى ) : إذَا كَانَتْ قَاتِلَةً خَاصَّةً لَا أَنْ ذَكَرًا [ لَا ] يُقْتَلُ بِأُنْثَى . وَهَذَا أُولَى مَعَانِيهِ بِهِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : لِأَنَّ عَلَيْهِ دَلَائِلَ مِنْهَا : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : { لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ } ; وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلُ الْمَرْءُ بِابْنِهِ إذَا قَتَلَهُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ الرَّجُلُ : بِعَبْدِهِ , وَلَا بِمُسْتَأْمَنٍ : مِنْ أَهْلِ [ دَارِ ] الْحَرْبِ ; وَلَا بِامْرَأَةٍ : مِنْ أَهْل [ دَارِ الْحَرْبِ ] ; وَلَا صَبِيٍّ . قَالَ : وَكَذَلِكَ : وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ بِحَالٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ; قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا مُعَاذُ بْنُ مُوسَى , عَنْ بُكَيْر بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ; قَالَ [ مُعَاذٌ ] : قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ نَفَرٍ حَفِظَ مُعَاذٌ مِنْهُمْ : مُجَاهِدًا , وَالْحَسَنَ , وَالضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ . فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ : قَالَ : كَانَ كُتِبَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ , حَقَّ أَنْ يُقَادَ بِهَا , وَلَا يُعْفَى عَنْهُ , وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الدِّيَةُ وَفُرِضَ عَلَى أَهْلِ الْإِنْجِيلِ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَا يُقْتَلُ وَرُخِّصَ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) إنْ شَاءَ قَتَلَ , وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ , وَإِنْ شَاءَ عَفَى . فَذَلِكَ : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } يَقُولُ : الدِّيَةُ تَخْفِيفٌ مِنْ اللَّهِ إذْ جَعَلَ الدِّيَةَ , وَلَا يُقْتَلُ ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يَقُولُ : فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ : فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } . يَقُولُ : لَكُمْ فِي الْقِصَاصِ , حَيَاةٌ يَنْتَهِي بِهَا بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ , أَنْ يُصِيبَ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ . ( وَأَخْبَرَنَا ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ , وَأَبُو زَكَرِيَّا ; قَالَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ , قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا , يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ , يَقُولُ : كَانَ فِي بَنْيِ إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ ; فَقَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِهَذِهِ الْأُمَّةِ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ } ; فَإِنَّ الْعَفْوَ أَنْ يُقْبَلَ الدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ ; { فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ ; { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : وَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا , كَمَا قَالَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) وَكَذَلِكَ : قَالَ مُقَاتِلٌ وَتَقَصِّي مُقَاتِلٍ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَقَصِّي ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالتَّنْزِيلُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ مُقَاتِلٌ : لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذْ ذَكَرَ الْقِصَاصَ ) , ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } . لَمْ يَجُزْ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يُقَالَ إنْ عُفِيَ إنْ صُولِحَ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ . لِأَنَّ الْعَفْوَ : تَرْكُ حَقٍّ بِلَا عِوَضٍ ; فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ عُفِيَ عَنْ الْقَتْلِ ; فَإِذَا عُفِيَ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ , وَصَارَ لِعَافِي الْقَتْلِ مَالٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَهُوَ : دِيَةُ قَتِيلِهِ فَيَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ , وَيُؤَدِّيَ إلَيْهِ الْقَاتِلُ بِإِحْسَانٍ . وَإِنْ كَانَ إذَا عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ , لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِلْعَافِي أَنْ يَتْبَعَهُ , وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ : شَيْءٌ يُؤَدِّيه بِإِحْسَانٍ . قَالَ : وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مَعَ بَيَانِ الْقُرْآنِ : [ فِي ] مِثْلِ مَعْنَى الْقُرْآنِ . فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ( صلى الله عليه وسلم ) قَالَ : { مَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا , فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا : قَتَلُوهُ , وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } , وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ : مَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِيرَاثًا مِنْهُ .
( وَفِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ذَكَرَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) مَا فَرَضَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ , قَالَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } . قَالَ : وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ , كَمَا حَكَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : [ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ ] بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ . وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فِي النَّفْسِ , وَمَا دُونَهَا مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ بِلَا تَلَفٍ يَخَافُ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَوَدِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنِ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } . فَأَحْكَامَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي تَنْزِيلِ كِتَابِهِ : [ أَنَّ ] عَلَى قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ , دِيَةً مُسَلَّمَةً إلَى أَهْلِهِ . وَأَبَانَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : كَمْ الدِّيَةُ ؟ وَكَانَ نَقْلُ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ; عَنْ عَدَدٍ لَا تَنَازُعَ بَيْنَهُمْ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) قَضَى فِي دِيَةِ الْمُسْلِمِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَكَانَ هَذَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِ الْخَاصَّةِ , وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْخَاصَّةِ [ وَبِهِ نَأْخُذُ ; فَفِي الْمُسْلِمِ يُقْتَلُ خَطَأً مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا يَلْزَمُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ فِي الدِّيَةِ إنَّهَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ . قَدْ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) { أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ : اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . وَزَعَمَ عِكْرِمَةُ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ : { وَمَا نَقَمُوا إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ } } . قَالَ الشَّيْخُ : حَدِيثُ عِكْرِمَةَ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ : مَرَّةً مُرْسَلًا , وَمَرَّةً مَوْصُولًا بِذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ . وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولًا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَمَرَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْمُعَاهَدِ : يُقْتَلُ خَطَأً بِدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ; مَعَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ . فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى قَاتِلِ الْكَافِرِ , [ إلَّا ] بِدِيَةٍ , وَلَا أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا , إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ . وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ( رضي الله عنهما ) فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ , وَالنَّصْرَانِيِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَضَى عُمَرُ ( رضي الله عنه ) فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ , وَذَلِكَ : ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : تَقُومُ الدِّيَةُ : اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فِي دِيَاتِهِمْ بِأَقَلِّ مِنْ هَذَا . وَقَدْ قِيلَ إنَّ دِيَاتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا . فَأَلْزَمْنَا قَاتِلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَقَلَّ مِمَّا اُجْتُمِعَ عَلَيْهِ . وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ , وَنَاقَضَهُمْ : بِالْمُؤْمِنَةِ الْحُرَّةِ , وَالْجَنِينِ , وَبِالْعَبْدِ : وَقَدْ تَكُونُ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ دَرَاهِمِ يَجِبُ فِي قَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ : تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ , وَلَمْ يُسَوَّ بَيْنَهُمْ فِي الدِّيَةِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } إلَى قَوْلِهِ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ قَوْلُهُ مِنْ قَوْمٍ ] يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَفِي التَّنْزِيلِ كِفَايَةٌ عَنْ التَّأْوِيلِ : لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) إذْ حَكَمَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى , فِي الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ , وَحَكَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ , فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا فِي الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِيثَاقٌ , وَقَالَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ : { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ مَعْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : ( مِنْ قَوْمٍ ) يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا , دَارُهُمْ : دَارُ حَرْبٍ مُبَاحَةٌ , وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) إذَا بَلَغَتْ النَّاسَ الدَّعْوَةُ , أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ غَارِّينَ كَانَ فِي ذَلِكَ , دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا يُبِيحَ الْغَارَةَ عَلَى دَارٍ : وَفِيهَا مَنْ لَهُ إنْ قُتِلَ عَقْلٌ , أَوْ قَوَدٌ . وَكَانَ هَذَا : حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ إلَّا فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا . وَذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ : كَانُوا مِنْ قُرَيْشٍ ; وَقُرَيْشٌ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ ; وَقُرَيْشٌ عَدُوٌّ لَنَا . وَكَذَلِكَ : كَانُوا مِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ; وَقَبَائِلُهُمْ أَعْدَاءٌ لِلْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ حَرْبٍ , ثُمَّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ : تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ , وَلَا عَقْلَ لَهُ إذَا قَتَلَهُ : وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ مُسْلِمًا وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : وَكُلُّ قَاتِلِ عَمْدٍ عُفِيَ عَنْهُ , وَأُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فَعَلَيْهِ : الْكَفَّارَةُ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إذْ جَعَلَهَا فِي الْخَطَإِ : الَّذِي وُضِعَ فِي الْإِثْمُ ; كَانَ الْعَمْدُ أَوْلَى . وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ : كِتَابُ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : حَيْثُ قَالَ فِي الظِّهَارِ : { مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا } , وَجَعَلَ فِيهِ كَفَّارَةً . وَمِنْ قَوْلِهِ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ } ; ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ , وَذَكَرَهَا ( أَيْضًا ) فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ دُونَ الْعَفْوِ , وَأَخْذِ الدِّيَةِ .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:26 | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ , وَالْمُرْتَدِّ
( وَفِيمَا أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) : أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنُهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } الْآيَةُ فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى [ اقْتِتَالَ ] الطَّائِفَتَيْنِ , وَالطَّائِفَتَانِ الْمُمْتَنِعَتَانِ : الْجَمَاعَتَانِ : كُلُّ وَاحِدَةٍ تَمْتَنِعُ , وَسَمَّاهُمْ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : الْمُؤْمِنِينَ , وَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ فَحَقَّ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ : دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إذَا افْتَرَقُوا , وَأَرَادُوا الْقِتَالَ . أَنْ لَا يُقَاتِلُوا , حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الصُّلْحِ . قَالَ : وَأَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِقِتَالِ [ الْفِئَةِ ] الْبَاغِيَةِ : وَهِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ : الْإِيمَانِ حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِذَا فَاءَتْ , لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ قِتَالُهَا : لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا أَذِنَ فِي قِتَالِهَا فِي مُدَّةِ الِامْتِنَاعِ بِالْبَغْيِ إلَى أَنْ تَفِيءَ . وَالْفَيْءُ : الرَّجْعَةُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ , [ أَ ] و التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا . وَأَيُّ حَالٍ تَرَكَ بِهَا الْقِتَالَ فَقَدْ فَاءَ . وَالْفَيْءُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ الرُّجُوعُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَى طَاعَتِهِ , وَالْكَفُّ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) . وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ يُعَيِّرُ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ : انْهَزَمُوا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ , فِي وَقْعَةٍ , فَقُتِلَ لَا يَنْسَأُ اللَّهُ مِنَّا مَعْشَرًا شَهِدُوا يَوْمَ الْأُمَيْلِحِ لَا غَابُوا وَلَا جَرَحُوا عَقُّوا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِمْ أَحَدٌ ثُمَّ اسْتَفَاءُوا فَقَالُوا حَبَّذَا الْوَضَحُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَمَرَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنْ فَاءُوا أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ ) , وَلَمْ يَذْكُرْ تَبَاعَةً فِي دَمٍ , وَلَا مَالٍ . وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الصُّلْحُ آخِرًا , كَمَا ذَكَرَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ أَوَّلًا : قَبْل الْإِذْنِ بِقِتَالِهِمْ . فَأَشْبَهَ هَذَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ تَكُونَ التَّبَاعَاتُ فِي الْجِرَاحِ وَالدِّمَاءِ وَمَا فَاتَ . مِنْ الْأَمْوَالِ . سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ . وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ } أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بِالْحُكْمِ إذَا كَانُوا قَدْ فَعَلُوا مَا فِيهِ حُكْمٌ . فَيُعْطَى بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ , مَا وَجَبَ لَهُ . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( بِالْعَدْلِ ) , وَالْعَدْلُ أَخْذُ الْحَقِّ لِبَعْضِ النَّاسِ [ مِنْ بَعْضٍ ] ثُمَّ اخْتَارَ الْأَوَّلَ , وَذَكَرَ حُجَّتَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لِرَسُولِ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } إلَى قَوْلِهِ { فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ } . فَبَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : مِنْ الْقَتْلِ . ثُمَّ أَخْبَرَ بِالْوَجْهِ : الَّذِي اتَّخَذُوا بِهِ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ; فَقَالَ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } بَعْدَ الْإِيمَانِ , كُفْرًا إذَا سُئِلُوا عَنْهُ أَنْكَرُوهُ وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَقَرُّوا بِهِ ; وَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ : وَهُمْ مُقِيمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْكُفْرِ . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ } ; فَأَخْبَرَ : بِكُفْرِهِمْ , وَجَحْدِهِمْ الْكُفْرَ , وَكَذِبِ سَرَائِرِهِمْ بِجَحْدِهِمْ . وَذَكَرَ كُفْرَهُمْ فِي غَيْرِ آيَةٍ , وَسَمَّاهُمْ بِالنِّفَاقِ ; إذْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ : وَكَانُوا عَلَى غَيْرِهِ . قَالَ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } . فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ الْمُنَافِقِينَ بِالْكُفْرِ , وَحَكَمَ فِيهِمْ بِعِلْمِهِ مِنْ أَسْرَارِ خَلْقِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ , وَأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِأَيْمَانِهِمْ , وَحَكَمَ فِيهِمْ [ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ] فِي الدُّنْيَا أَنَّ مَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانُوا [ بِهِ ] كَاذِبِينَ . لَهُمْ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ : وَهُمْ الْمُسِرُّونَ الْكُفْرَ , الْمُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ . وَبَيَّنَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي كِتَابِهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالَ : { قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } فَأَعْلَمَ أَنْ لَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ , وَأَنَّهُمْ أَظْهَرُوهُ , وَحَقَنَ بِهِ دِمَاءَهُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ : ( أَسْلَمْنَا ) أَسْلَمْنَا : مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَجْزِيهِمْ إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَعْنِي إنْ أَحْدَثُوا طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْأَعْرَابُ لَا يَدِينُونَ دِينًا يَظْهَرُ ; بَلْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيَسْتَخْفُونَ : الشِّرْكَ وَالتَّعْطِيلَ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ } . وَقَالَ فِي قوله تعالى : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } . [ فَأَمَّا أَمْرُهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ ] فَإِنَّ صَلَاتَهُ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي صلى الله عليه وسلم مُخَالِفَةٌ صَلَاةَ غَيْرِهِ , وَأَرْجُو : أَنْ يَكُونَ قَضَى إذْ أَمَرَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا غَفَرَ لَهُ , وَقَضَى : أَنْ لَا يَغْفِرَ لِمُقِيمٍ عَلَى شِرْكٍ . فَنَهَاهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ لَا يَغْفِرَ لَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مُسْلِمًا , وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ بَعْدَ هَذَا أَحَدًا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ : [ وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ] : { وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } مَا هُمْ بِمُخْلِصِينَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } . فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسَرَهُ الْعَدُوُّ , فَأُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ لَمْ تَبِنْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ , وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ قَدْ أُكْرِهَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْكُفْرِ , فَقَالَهُ ; ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) , فَذَكَرَ لَهُ مَا عُذِّبَ بِهِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ , وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِاجْتِنَابِ زَوْجَتِهِ , وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا عَلَى الْمُرْتَدِّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَأَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِخَلْقِهِ : أَنَّهُ تَوَلَّى الْحُكْمَ : فِيمَا أَثَابَهُمْ , وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهِ : عَلَى مَا عَلِمَ : مِنْ سَرَائِرِهِمْ : وَافَقَتْ سَرَائِرُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ , أَوْ خَالَفَتْهَا . فَإِنَّمَا جَزَاهُمْ بِالسَّرَائِرِ فَأَحْبَطَ عَمَلَ [ كُلِّ ] مَنْ كَفَرَ بِهِ . ثُمَّ قَالَ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِيمَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } فَطَرَحَ عَنْهُمْ حُبُوطَ أَعْمَالِهِمْ , وَالْمَأْثَمَ بِالْكُفْرِ إذَا كَانُوا مُكْرَهِينَ ; وَقُلُوبُهُمْ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ : بِالْإِيمَانٍ وَخِلَافِ الْكُفْرِ . وَأَمَرَ بِقِتَالِ الْكَافِرِينَ : حَتَّى يُؤْمِنُوا ; وَأَبَانَ ذَلِكَ [ جَلَّ وَعَزَّ : ] حَتَّى يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ . ثُمَّ أَوْجَبَ لِلْمُنَافِقَيْنِ إذَا أَسَرُّوا الْكُفْرَ : نَارَ جَهَنَّمَ ; فَقَالَ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ } .
وَقَالَ تَعَالَى : { إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ } ; إلَى قوله تعالى : { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِنْ الْقَتْلِ . فَمَنَعَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ , وَلَمْ يُزِلْ عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامَ الْإِيمَانِ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْهُ . وَأَوْجَبَ لَهُمْ الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنْ النَّارِ ; بِعِلْمِهِ بِسَرَائِرِهِمْ , وَخِلَافِهَا : لِعَلَانِيَتِهِمْ بِالْإِيمَانِ . وَأَعْلَمَ عِبَادَهُ مَعَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِمْ : [ مِنْ ] الْحُجَّةِ بِأَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ أَحَدٌ فِي شَيْءٍ أَنَّ عِلْمَهُ بِالسَّرَائِرِ وَالْعَلَانِيَةِ , وَاحِدٌ . فَقَالَ : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } ; مَعَ آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ الْكِتَابِ . قَالَ : وَعَرَّفَ جَمِيعَ خَلْقِهِ فِي كِتَابِهِ : أَنْ لَا عِلْمَ لَهُمْ , لَا مَا عَلَّمَهُمْ . فَقَالَ : { وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } وَقَالَ : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ } . ثُمَّ عَلَّمَهُمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ الْعِلْمِ , وَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ , [ وَأَنْ إلَّا يَتَوَلَّوْا غَيْرَهُ إلَّا بِمَا عَلَّمَهُمْ ] . فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } الْآيَةُ ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } . وَذَكَرَ سَائِرَ الْآيَاتِ : الَّتِي وَرَدَتْ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ , وَأَنَّهُ حَجَبَ عَنْ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عِلْمَ السَّاعَةِ . [ ثُمَّ قَالَ ] : فَكَانَ مَنْ جَاوَزَ مَلَائِكَةَ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ , وَأَنْبِيَاءَهُ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ . أَقْصَرَ عِلْمًا , وَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَاطَوْا حُكْمًا عَلَى غَيْبِ أَحَدٍ : [ لَا ] بِدَلَالَةٍ , وَلَا ظَنٍّ . لِتَقْصِيرِ عِلْمِهِمْ عَنْ عِلْمِ أَنْبِيَائِهِ : الَّذِينَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ الْوَقْفَ عَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُهُ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْحُدُودِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا } . قَالَ : فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ عُقُوبَةِ الزَّانِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا ; ثُمَّ نُسِخَ هَذَا عَنْ الزُّنَاةِ كُلِّهِمْ : الْحُرِّ وَالْعَبْدِ , وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ . فَحَدَّ اللَّهُ الْبِكْرَيْنِ : الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ ; فَقَالَ : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } . وَاحْتَجَّ : { بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : { حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } . قَالَ : كَانُوا يُمْسِكُوهُنَّ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْحُدُودِ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا : الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ : جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ , وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ : جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ . } وَاحْتَجَّ فِي إثْبَاتِ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ , وَنَسْخِ الْجَلْدِ عَنْهُ . بِحَدِيثِ عُمَرَ ( رضي الله عنه ) فِي الرَّجْمِ , وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ : { أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ أَنَّ ابْنَهُ زَنَى بِامْرَأَةِ رَجُلٍ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ . فَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا , وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ الْآخَرِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا . فَاعْتَرَفَتْ : فَرَجَمَهَا . }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَ ابْنُهُ بِكْرًا , وَامْرَأَةُ الْآخَرِ : ثَيِّبًا . فَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : حَدَّ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فِي الزِّنَا ; فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا قَالَ [ عُمَرُ ] مِنْ حَدِّ الثَّيِّبِ فِي الزِّنَا . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ( بِهَذَا الْإِسْنَادِ ) : فَثَبَتَ جَلْدُ مِائَةٍ وَالنَّفْيُ عَلَى الْبِكْرَيْنِ الزَّانِيَيْنِ , وَالرَّجْمُ عَلَى الثَّيِّبَيْنِ الزَّانِيَيْنِ . فَإِنْ كَانَا مِمَّنْ أُرِيدَا بِالْجَلَدِ فَقَدْ نُسِخَ عَنْهُمَا الْجَلَدُ مَعَ الرَّجْمِ . وَإِنْ لَمْ يَكُونَا أُرِيدَا بِالْجَلَدِ , وَأُرِيدَ بِهِ الْبِكْرَانِ فَهُمَا مُخَالِفَانِ لِلثَّيِّبَيْنِ , وَرَجْمُ الثَّيِّبَيْنِ بَعْدَ آيَةِ الْجَلْدِ : [ بِمَا ] رَوَى النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) . وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ , وَأَوْلَاهَا بِهِ عِنْدَنَا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي الْمَمْلُوكَاتِ : { فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } . قَالَ : وَالنِّصْفُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجَلْدِ الَّذِي يَتَبَعَّضُ فَأَمَّا الرَّجْمُ : الَّذِي هُوَ : قَتْلٌ فَلَا نِصْفَ لَهُ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَإِحْصَانُ الْأَمَةِ إسْلَامُهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا , اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ , وَإِجْمَاعِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَلِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : { إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ , فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا : فَلِيَجْلِدْهَا . } وَلَمْ يَقُلْ مُحْصَنَةً كَانَتْ , أَوْ غَيْرُ مُحْصَنَةٍ . اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْإِمَاءِ : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ ) إذَا أَسْلَمْنَ لَا إذَا نُكِحْنَ فَأُصِبْنَ بِالنِّكَاحِ , وَلَا إذَا أُعْتِقْنَ وَ [ إنْ ] لَمْ يُصَبْنَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَجِمَاعُ الْإِحْصَانِ أَنْ يَكُونَ دُونَ الْمُحْصَنِ مَانِعٌ مِنْ تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ . وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ , وَكَذَلِكَ : الْحُرِّيَّةُ مَانِعَةٌ , وَكَذَلِكَ : الزَّوْجِيَّةُ , وَالْإِصَابَةُ مَانِعٌ , وَكَذَلِكَ : الْحَبْسُ فِي الْبُيُوتِ مَانِعٌ , وَكُلُّ مَا مَنَعَ أَحْصَنَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ } ; وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ } ; أَيْ مَمْنُوعَةٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَآخِرُ الْكَلَامِ وَأَوَّلُهُ , يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِحْصَانِ الْمَذْكُورِ عَامٌّ فِي مَوْضِعٍ دُونَ غَيْرِهِ ; إذْ الْإِحْصَانُ هَهُنَا : الْإِسْلَامُ ; دُونَ : النِّكَاحِ , وَالْحُرِّيَّةِ , وَالتَّحَصُّنِ بِالْحَبْسِ وَالْعَفَافِ . وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ : الَّتِي يَجْمَعُهَا اسْمُ الْإِحْصَانِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } الْآيَةُ ( 24 4 ) الْمُحْصَنَاتُ هَهُنَا : الْبَوَالِغُ الْحَرَائِرُ الْمُسْلِمَاتُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْتُ عَنْهُ , وَقَرَأْتُهُ فِي كِتَابِهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ أَبُو بَكْرٍ , بِمِصْرَ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ مِنْ النِّسَاءِ ; { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } , { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } عَفَائِفَ غَيْرَ خَبَائِثَ ; ( فَإِذَا أُحْصِنَّ ) قَالَ : فَإِذَا نُكِحْنَ ; { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ } غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا } . وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ مَنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ , وَبَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ . دُونَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَزِمَهُ اسْمُ سَرِقَةٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ : إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ : قُتِّلُوا وَصُلِّبُوا , وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ : قُتِّلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا , وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا : قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ , وَإِذَا هَرَبُوا : طُلِبُوا حَتَّى يُوجَدُوا ; فَتُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ , وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ , وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا : نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَبِهَذَا نَقُولُ , وَهُوَ مُوَافِقٌ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) . وَذَلِكَ : أَنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ أَسْلَمَ ; فَأَمَّا أَهْلُ الشِّرْكِ فَلَا حُدُودَ لَهُمْ , إلَّا : الْقَتْلُ , وَالسَّبْيُ , وَالْجِزْيَةُ . وَاخْتِلَافُ حُدُودِهِمْ بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِهِمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } ; فَمَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ : سَقَطَ حَدُّ اللَّهِ [ عَنْهُ ] , وَأُخِذَ بِحُقُوقِ بَنِي آدَمَ . وَلَا يُقْطَعُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ , إلَّا : مَنْ أَخَذَ قِيمَةِ رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا . قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ فِي السَّارِقِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَنَفْيُهُمْ أَنْ يُطْلَبُوا , فَيُنْفَوْا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ . فَإِذَا ظُفِرَ بِهِمْ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ أَيُّ هَذِهِ الْحُدُودِ كَانَ حَدَّهُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ , عَفْوٌ : لِأَنَّ اللَّهَ حَدَّهُمْ : بِالْقَتْلِ , أَوْ بِالْقَتْلِ وَالصَّلْبِ , أَوْ الْقَطْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَوْلِيَاءَ , كَمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْقِصَاصِ فِي الْآيَتَيْنِ فَقَالَ : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } , وَقَالَ فِي الْخَطَإِ : { وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } . وَذَكَرَ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى , ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } فَذَكَرَ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ أَهْلَ الدَّمِ , وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي الْمُحَارِبَةِ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ قَتْلِ الْمُحَارِبَةِ , مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَتْلِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَوْسٍ ; قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يُؤْخَذُ بِذَنْبِ غَيْرِهِ حَتَّى جَاءَ إبْرَاهِيمُ ( صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ ) فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَاَلَّذِي سَمِعْتُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } أَنْ لَا يُؤْخَذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ , وَذَلِكَ فِي بَدَنِهِ , دُونَ مَالِهِ . فَإِنْ قَتَلَ , أَوْ كَانَ حَدًّا : لَمْ يُقْتَلْ بِهِ غَيْرُهُ , وَلَمْ يُحَدَّ بِذَنْبِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) . [ لِأَنَّ اللَّهَ ] جَزَى الْعِبَادَ عَلَى أَعْمَالِ أَنْفُسِهِمْ , وَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا . وَكَذَلِكَ أَمْوَالُهُمْ : لَا يَجْنِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ , فِي مَالٍ , إلَّا : حَيْثُ خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِأَنَّ جِنَايَةَ الْخَطَإِ مِنْ الْحُرِّ عَلَى الْآدَمِيِّينَ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَأَمَّا [ مَا ] سِوَاهَا فَأَمْوَالُهُمْ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ حُقُوقٌ سِوَى هَذَا مِنْ ضِيَافَةٍ , وَزَكَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَلَيْسَ مِنْ وَجْهِ الْجِنَايَةِ .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:29 | |
| مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي السِّيَرِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ , [ قَالَ ] : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا خَلَقْت الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ : لِعِبَادَتِهِ ; ثُمَّ أَبَانَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّ خِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ : أَنْبِيَاءَهُ ; فَقَالَ تَعَالَى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } ; فَجَعَلَ النَّبِيِّينَ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ ) مِنْ أَصْفِيَائِهِ دُونَ عِبَادِهِ بِالْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ , وَالْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ فِيهِمْ . ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ خَاصَّةِ صَفْوَتِهِ , فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } فَخَصَّ آدَمَ وَنُوحًا بِإِعَادَةِ ذِكْرِ اصْطِفَائِهِمَا . وَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ ( عليه السلام ) , فَقَالَ : { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا } . وَذَكَرَ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ , فَقَالَ : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْمَاعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } . ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ , وَآلِ عِمْرَانَ فِي الْأُمَمِ ; فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاَللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . ثُمَّ اصْطَفَى مُحَمَّدًا ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ خَيْرِ آلِ إبْرَاهِيمَ , وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ قَبْلَ إنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِصِفَةِ فَضِيلَتِهِ , وَفَضِيلَةِ مَنْ اتَّبَعَهُ ; فَقَالَ : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ } الْآيَةَ : وَقَالَ لِأُمَّتِهِ : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } الْآيَةَ فَفَضَّلَهُمْ بِكَيْنُونَتِهِمْ مِنْ أُمَّتِهِ , دُونَ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ . ثُمَّ أَخْبَرَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) : [ أَنَّهُ ] جَعَلَهُ فَاتِحَ رَحْمَتِهِ , عِنْدَ فَتْرَةِ رُسُلِهِ ; فَقَالَ : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وَكَانَ فِي ذَلِكَ , مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ بَعَثَهُ إلَى خَلْقِهِ : لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَأُمِّيِّينَ : وَأَنَّهُ فَتَحَ [ بِهِ ] رَحْمَتَهُ . وَخَتَمَ [ بِهِ ] نُبُوَّتَهُ : قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } . وَقَضَى : أَنْ أَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ فَقَالَ { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } . مُبْتَدَأُ التَّنْزِيلِ , وَالْفَرْضِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; ثُمَّ عَلَى النَّاسِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ; قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم : أَنْزَلَ عَلَيْهِ فَرَائِضَهُ كَمَا شَاءَ : { لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } ; ثُمَّ أَتْبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا , فَرْضًا بَعْدَ فَرْضٍ : فِي حِينٍ غَيْرِ حِينِ الْفَرْضِ قَبْلَهُ . قَالَ : وَيُقَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ أَوَّلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ : مِنْ كِتَابِهِ : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } . ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ [ مَا ] لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ : [ بِأَنْ ] يَدْعُوَ إلَيْهِ الْمُشْرِكِينَ فَمَرَّتْ لِذَلِكَ مُدَّةٌ . ثُمَّ يُقَالُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ ( عليه السلام ) عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِأَنْ يُعْلِمَهُمْ نُزُولَ الْوَحْيِ عَلَيْهِ , وَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ . فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ; وَخَافَ : التَّكْذِيبَ , وَأَنْ يُتَنَاوَلَ . فَنَزَلَ عَلَيْهِ : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغَتْ رِسَالَتَهُ وَاَللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ } فَقَالَ يَعْصِمُكَ مِنْ قَتْلِهِمْ أَنْ يَقْتُلُوكَ حَتَّى تُبَلِّغَ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ . فَبَلَّغَ مَا أُمِرَ بِهِ فَاسْتَهْزَأَ بِهِ قَوْمٌ ; فَنَزَلَ عَلَيْهِ : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } قَالَ : وَأَعْلَمَهُ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ ; فَقَالَ : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا } إلَى قَوْلِهِ : { هَلْ كُنْتُ إلَّا بَشَرًا رَسُولًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله , وَأَنْزَلَ إلَيْهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِيمَا يُثَبِّتُهُ بِهِ إذَا ضَاقَ مِنْ أَذَاهُمْ { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } . فَفَرَضَ عَلَيْهِ إبْلَاغَهُمْ , وَعِبَادَتَهُ . وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَيْهِ قِتَالَهُمْ , وَأَبَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ , وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِعُزْلَتِهِمْ , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } , وَقَوْلَهُ : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } , وَقَوْلَهُ : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ } مَعَ أَشْيَاءَ ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فِي [ مِثْلِ ] هَذَا الْمَعْنَى . وَأَمَرَهُمْ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِأَنْ لَا يَسُبُّوا أَنْدَادَهُمْ ; فَقَالَ : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } الْآيَةَ مَعَ مَا يُشْبِهُهَا . ثُمَّ أَنْزَلَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) بَعْدَ هَذَا فِي الْحَالِ الَّذِي فَرَضَ فِيهَا عُزْلَةَ الْمُشْرِكِينَ ; فَقَالَ : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } . وَأَبَانَ لِمَنْ تَبِعَهُ , مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِمَّا [ فَرَضَ عَلَيْهِ ] ; قَالَ : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ } الْآيَةَ .
الْإِذْنُ بِالْهِجْرَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ , زَمَانًا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِيهِ بِالْهِجْرَةِ مِنْهَا ; ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْهِجْرَةِ , وَجَعَلَ لَهُمْ مَخْرَجًا . فَيُقَالُ : نَزَلَتْ : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } . فَأَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ [ بِالْهِجْرَةِ ] مَخْرَجًا ; قَالَ : { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } الْآيَةَ وَأَمَرَهُمْ بِبِلَادِ الْحَبَشَةِ فَهَاجَرَتْ إلَيْهَا [ مِنْهُمْ ] طَائِفَةٌ . ثُمَّ دَخَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ [ فِي ] الْإِسْلَامِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم طَائِفَةً فَهَاجَرَتْ إلَيْهِمْ : غَيْرَ مُحَرِّمٍ عَلَى مَنْ بَقِيَ , تَرْكُ الْهِجْرَةِ . وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَهْلَ الْهِجْرَةِ , فَقَالَ : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ } , وَقَالَ { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ } , وَقَالَ { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . قَالَ : ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : بِالْهِجْرَةِ مِنْهَا ; فَهَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) إلَى الْمَدِينَةِ . وَلَمْ يُحَرِّمْ فِي هَذَا , عَلَى مَنْ بَقِيَ بِمَكَّةَ , الْمُقَامَ بِهَا : وَهِيَ دَارُ شِرْكٍ . وَإِنْ قَلُّوا بِأَنْ يُفْتَنُوا . [ وَ ] لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ بِجِهَادٍ . ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لَهُمْ بِالْجِهَادِ ; ثُمَّ فَرَضَ بَعْدَ هَذَا عَلَيْهِمْ أَنْ يُهَاجِرُوا مِنْ دَارِ الشِّرْكِ , وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ .
مُبْتَدَأُ الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : فَأُذِنَ لَهُمْ بِأَحَدِ الْجِهَادَيْنِ بِالْهِجْرَةِ ; قَبْلَ [ أَنْ ] يُؤْذَنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا مُشْرِكًا بِقِتَالٍ ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ بِأَنْ يَبْتَدِئُوا الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالٍ ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } , وَأَبَاحَ لَهُمْ الْقِتَالَ , بِمَعْنًى أَبَانَهُ فِي كِتَابِهِ ; فَقَالَ : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } إلَى : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) يُقَالُ : نَزَلَ هَذَا فِي أَهْلِ مَكَّةَ : وَهُمْ كَانُوا أَشَدَّ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي قِتَالِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُقَالُ : نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ , وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ حَتَّى يُقَاتَلُوا , وَالنَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } وَنُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ , وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي مَوْضِعِهَا .
فَرْضُ الْهِجْرَةِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْجِهَادَ , عَلَى رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ; بَعْدَ إذْ كَانَ أَبَاحَهُ ; وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ; فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ , أَوْ مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ . فَعَذَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ الْمَفْتُونِينَ . فَقَالَ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } , وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا . وَفَرَضَ عَلَى مَنْ قَدِرَ عَلَى الْهِجْرَةِ , الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُفْتَتَنُ عَنْ دِينِهِ , وَلَا يُمْنَعُ . فَقَالَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ تُوُفِّيَ : تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ , فَلَمْ يُهَاجِرْ { الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ . وَأَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ , فَقَالَ : { إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ } الْآيَةَ قَالَ : وَيُقَالُ : ( عَسَى ) مِنْ اللَّهِ : وَاجِبَةٌ . وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا , إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ , بِالْبَلْدَةِ الَّتِي يُسْلِمُ بِهَا . لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا , بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ : الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَغَيْرُهُ إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ . وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ , إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ . فَرْضُ الْهِجْرَةِ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله : وَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْجِهَادَ , عَلَى رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ ; بَعْدَ إذْ كَانَ أَبَاحَهُ ; وَأَثْخَنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَرَأَوْا كَثْرَةَ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اشْتَدُّوا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ; فَفَتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ , أَوْ مَنْ فَتَنُوا مِنْهُمْ . فَعَذَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ الْمَفْتُونِينَ . فَقَالَ : { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } , وَبَعَثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ لَكُمْ مَخْرَجًا . وَفَرَضَ عَلَى مَنْ قَدِرَ عَلَى الْهِجْرَةِ , الْخُرُوجَ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُفْتَتَنُ عَنْ دِينِهِ , وَلَا يُمْنَعُ . فَقَالَ فِي رَجُلٍ مِنْهُمْ تُوُفِّيَ : تَخَلَّفَ عَنْ الْهِجْرَةِ , فَلَمْ يُهَاجِرْ { الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ } الْآيَةَ . وَأَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عُذْرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ , فَقَالَ : { إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ } الْآيَةَ قَالَ : وَيُقَالُ : ( عَسَى ) مِنْ اللَّهِ : وَاجِبَةٌ . وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا , إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ فُتِنَ عَنْ دِينِهِ , بِالْبَلْدَةِ الَّتِي يُسْلِمُ بِهَا . لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَذِنَ لِقَوْمٍ بِمَكَّةَ أَنْ يُقِيمُوا بِهَا , بَعْدَ إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ : الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , وَغَيْرُهُ إذْ لَمْ يَخَافُوا الْفِتْنَةَ . وَكَانَ يَأْمُرُ جُيُوشَهُ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أَسْلَمَ إنْ هَاجَرْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فَأَنْتُمْ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ يُخَيِّرُهُمْ , إلَّا فِيمَا يَحِلُّ لَهُمْ .
فَصْلٌ فِي أَصْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَلَمَّا مَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مُدَّةٌ مِنْ هِجْرَتِهِ ; أَنْعَمَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى جَمَاعَاتٍ , بِاتِّبَاعِهِ : حَدَثَتْ لَهُمْ بِهَا , مَعَ عَوْنِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , قُوَّةٌ : بِالْعَدَدِ ; لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا . فَفَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِمْ , الْجِهَادَ بَعْدَ إذْ كَانَ إبَاحَةً لَا فَرْضًا . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ } الْآيَةَ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ } الْآيَةَ , وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } , وَقَالَ : { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } . وَقَالَ تَعَالَى { مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ } إلَى : { وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } الْآيَةَ , وَقَالَ تَعَالَى { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الْآيَةَ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْمًا : تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِمَّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ . فَقَالَ : { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ } الْآيَةَ فَأَبَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ فِيمَا قَرُبَ وَبَعُدَ ; مَعَ إبَانَتِهِ ذَلِكَ فِي [ غَيْرِ ] مَكَان : فِي قَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } إلَى : { أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : سَنُبَيِّنُ مِنْ ذَلِكَ , مَا حَضَرَنَا عَلَى وَجْهِهِ ; إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ } إلَى : { لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } , وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } , وَقَالَ : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . مَعَ مَا ذَكَرَ بِهِ فَرْضَ الْجِهَادِ , وَأَوْجَبَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِ عَنْهُ .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:31 | |
| فَصْلٌ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْجِهَادَ : دَلَّ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنْ لَيْسَ يُفْرَضُ الْجِهَادُ عَلَى مَمْلُوكٍ , أَوْ أُنْثَى بَالِغٍ ; وَلَا حُرٍّ لَمْ يَبْلُغْ . لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ; فَكَانَ حَكَمَ . أَنْ لَا مَالَ لِلْمُلُوكِ , وَلَمْ يَكُنْ مُجَاهِدٌ إلَّا : وَعَلَيْهِ فِي الْجِهَادِ , مُؤْنَةٌ مِنْ الْمَالِ ; وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ . وَقَالَ ( تَعَالَى ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ : الذُّكُورَ , دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْإِنَاثَ : الْمُؤْمِنَاتُ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } , وَقَالَ { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ } , وَكُلُّ هـ ذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ [ بِهِ ] : الذُّكُورَ , دُونَ الْإِنَاثِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ أَمَرَ بِالِاسْتِئْذَانِ : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } ; فَأَعْلَمَ أَنَّ فَرْضَ الِاسْتِئْذَانِ , إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } ; فَلَمْ يَجْعَلْ لِرُشْدِهِمْ حُكْمًا : تَصِيرُ بِهِ أَمْوَالُهُمْ إلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْعَمَلِ , إنَّمَا هُوَ عَلَى الْبَالِغِينَ . وَدَلَّتْ السُّنَّةُ , ثُمَّ مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مِثْلِ مَا وَصَفْتُ . وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي الْجِهَادِ : { لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاَللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ; إلَى : { وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقِيلَ الْأَعْرَجُ : الْمُقْعَدُ . وَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْعَرَجَ فِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ وَقِيلَ : نَزَلَتْ [ فِي ] أَنْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُجَاهِدُوا وَهُوَ أَشْبَهُ مَا قَالُوا , وَغَيْرُ مُحْتَمِلَةٍ غَيْرَهُ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي حَدِّ الضُّعَفَاءِ , وَغَيْرُ خَارِجِينَ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ , وَلَا الصَّلَاةِ , وَلَا الصَّوْمِ , وَلَا الْحُدُودِ . فَلَا يَحْتَمِلُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ , إلَّا : وَضْعُ الْحَرَجِ فِي الْجِهَادِ ; دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ . وَقَالَ فِيمَا بَعُدَ غَزْوُهُ عَنْ الْمَغَازِي وَهُوَ مَا كَانَ عَلَى اللَّيْلَتَيْنِ فَصَاعِدًا . إنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَوِيَّ السَّالِمَ الْبَدَنِ كُلِّهِ : إذَا لَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا وَسِلَاحًا وَنَفَقَةً , وَيَدَعُ لِمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , قُوتَهُ إلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَلْبَثُ فِي غَزْوِهِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } . ( أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ ) , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ) : غَزَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَغَزَا مَعَهُ بَعْضُ مَنْ يُعْرَفُ نِفَاقُهُ فَانْخَزَلَ عَنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ . ثُمَّ شَهِدُوا مَعَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ قَوْلِهِمْ : { مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا } . ثُمَّ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ , فَشَهِدَهَا مَعَهُ مِنْهُمْ , عَدَدٌ فَتَكَلَّمُوا بِمَا حَكَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ قَوْلِهِمْ : { لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } , وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَكَى اللَّهُ مِنْ نِفَاقِهِمْ ثُمَّ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ , فَشَهِدَهَا مَعَهُ مِنْهُمْ , قَوْمٌ : نَفَرُوا بِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ : لِيَقْتُلُوهُ ; فَوَقَاهُ اللَّهُ شَرَّهُمْ . وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ مِنْهُمْ فِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِ , فِي غَزَاةِ تَبُوكَ , أَوْ مُنْصَرَفِهِ مِنْهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي تَبُوكَ قِتَالٌ مِنْ أَخْبَارِهِمْ ; فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ } ; قَرَأَ إلَى قَوْلِهِ : { وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ } . فَأَظْهَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِرَسُولِهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَسْرَارَهُمْ , وَخَبَرَ السَّمَّاعِينَ لَهُمْ , وَابْتِغَاءَهُمْ أَنْ يَفْتِنُوا مَنْ مَعَهُ بِالْكَذِبِ وَالْإِرْجَافِ , وَالتَّخْذِيلِ لَهُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَرِهَ انْبِعَاثَهُمْ , [ فَثَبَّطَهُمْ ] إذْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ , فَكَانَ فِيهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَمَرَ أَنْ يُمْنَعَ مَنْ عُرِفَ بِمَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ أَنْ يَغْزُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ : لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ . ثُمَّ زَادَ فِي تَأْكِيدِ بَيَانِ ذَلِكَ , بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ } ( صلى الله عليه وسلم ) [ قَرَأَ ] إلَى قوله تعالى : { فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ } . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ } . فَفَرَضَ اللَّهُ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ أَبَانَ مَنْ الَّذِينَ نَبْدَأُ بِجِهَادِهِمْ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَأَعْلَمَ أَنَّهُمْ الَّذِينَ يَلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَعْقُولًا فِي فَرْضِ جِهَادِهِمْ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِأَنْ يُجَاهَدَ أَقْرَبُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارًا لِأَنَّهُمْ إذَا قَوُوا عَلَى جِهَادِهِمْ وَجِهَادِ غَيْرِهِمْ : كَانُوا عَلَى جِهَادِ مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ أَقْوَى وَكَانَ مَنْ قَرُبَ , أَوْلَى أَنْ يُجَاهَدَ : لِقُرْبِهِ مِنْ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ نِكَايَةَ مَنْ قَرُبَ أَكْثَرُ مِنْ نِكَايَةِ مَنْ بَعُدَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : فَرَضَ اللَّهُ ( تَعَالَى الْجِهَادَ فِي كِتَابِهِ ) , وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) . ثُمَّ أَكَّدَ النَّفِيرَ مِنْ الْجِهَادِ فَقَالَ { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } وَقَالَ : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } الْآيَةَ ,
وَقَالَ تَعَالَى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } الْآيَةَ . وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : { لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } الْحَدِيثَ . ثُمَّ قَالَ : [ وَقَالَ ] اللَّهُ تَعَالَى : { مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } الْآيَةَ ,
وَقَالَ تَعَالَى : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الْآيَةَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَاحْتَمَلَتْ الْآيَاتُ أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ كُلُّهُ , وَالنَّفِيرُ خَاصَّةً مِنْهُ : [ عَلَى ] كُلِّ مُطِيقٍ [ لَهُ ] لَا يَسَعُ أَحَدًا مِنْهُمْ التَّخَلُّفُ عَنْهُ . كَمَا كَانَتْ الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالزَّكَاةُ فَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ : وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضٌ [ مِنْهَا ] . أَنْ يُؤَدِّيَ غَيْرُهُ الْفَرْضَ عَنْ نَفْسِهِ ; لِأَنَّ عَمَلَ أَحَدٍ فِي هَذَا , لَا يُكْتَبُ لِغَيْرِهِ وَاحْتَمَلَتْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَرْضِهَا , غَيْرَ مَعْنَى فَرْضِ الصَّلَاةِ . وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قُصِدَ بِالْفَرْضِ فِيهَا : قَصْدَ الْكِفَايَةِ ; فَيَكُونُ مَنْ قَامَ بِالْكِفَايَةِ فِي جِهَادِ مَنْ جُوهِدَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُدْرِكًا تَأْدِيَةَ الْفَرْضِ وَنَافِلَةَ الْفَضْلِ وَمُخْرِجًا مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمَأْثَمِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَوَعَدَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجِهَادِ : الْحُسْنَى عَلَى الْإِيمَانِ , وَأَبَانَ فَضِيلَةَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ . وَلَوْ كَانُوا آثِمِينَ بِالتَّخَلُّفِ : إذَا غَزَا غَيْرُهُمْ . كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْإِثْمِ إنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ [ عَنْهُمْ ] أَوْلَى بِهِمْ مِنْ الْحُسْنَى .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } فَأَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ; قَالَ : { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا } ; فَأَخْبَرَ أَنَّ النَّفِيرَ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ [ وَ ] أَنَّ التَّفَقُّهَ إنَّمَا هُوَ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , وَغَزَا مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةٌ , وَخَلَّفَ آخَرِينَ : حَتَّى خَلَّفَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ( رضي الله عنه ) فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ , وَجَعَلَ نَظِيرَ ذَلِكَ : الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ , وَالدَّفْنَ : وَرَدَّ السَّلَامِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ; ( قَالَا : نا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ : ) أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ } ; [ إلَى ] : { إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ; فَكَانَتْ غَنَائِمُ بَدْرٍ , لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ . وَإِنَّمَا نَزَلَتْ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } ; بَعْدَ بَدْرٍ . وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) كُلَّ غَنِيمَةٍ بَعْدَ بَدْرٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ يَرْفَعُ خُمُسَهَا ثُمَّ يَقْسِمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا : وَافِرًا عَلَى مَنْ حَضَرَ الْحَرْبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا : السَّلَبَ ; فَإِنَّهُ سُنَّ : لِلْقَاتِلِ [ فِي الْإِقْبَالِ ] فَكَانَ السَّلَبُ خَارِجًا مِنْهُ . وَإِلَّا : الصَّفِيَّ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) يَأْخُذُهُ : خَارِجًا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَقِيلَ : كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ سَهْمِهِ مِنْ الْخُمُسِ . وَإِلَّا : الْبَالِغِينَ مِنْ السَّبْيِ ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) سَنَّ فِيهِمْ سُنَنًا : فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ , وَفَادَى بِبَعْضِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأَمَّا وَقْعَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ , وَابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ , وَقَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ ( يَعْنِي فِي الْغَنِيمَةِ ) . وَكَانَتْ وَقْعَتُهُمْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ; فَتَوَقَّفُوا فِيمَا صَنَعُوا [ حَتَّى نَزَلَتْ ] : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } الْآيَةَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } ; فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } ; فَخَفَّفَ عَنْهُمْ , وَكَتَبَ أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : هَذَا : كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُسْتَغْنًى فِيهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنْ التَّأْوِيلِ . لَمَّا كَتَبَ اللَّهُ : أَنْ لَا يَفِرَّ الْعِشْرُونَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ ; فَكَانَ هَكَذَا : الْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ . ثُمَّ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَيَّرَ الْأَمْرَ إلَى أَنْ لَا يَفِرَّ الْمِائَةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ . أَنْ لَا يَفِرَّ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلَيْنِ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ : مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ : فَلَمْ يَفِرَّ , وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ : فَقَدْ فَرَّ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَإِذَا فَرَّ الْوَاحِدُ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَقَلَّ : مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ يَمِينًا , وَشِمَالًا , وَمُدْبِرًا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدَةُ لِلْقِتَالِ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ : [ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ] : قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ , كَانَتْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ مَبِينَةً عَنْهُ : فَسَوَاءٌ ; إنَّمَا يَصِيرُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ الْمُتَحَرِّفِ , أَوْ الْمُتَحَيِّزِ فَإِنْ [ كَانَ ] اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَعْلَمُ أَنَّهُ إنَّمَا تَحَرَّفَ : لِيَعُودَ لِلْقِتَالِ , أَوْ تَحَيَّزَ لِذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : فَأَخْرَجَهُ مِنْ سَخَطِهِ فِي التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ . وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَدْ خِفْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ [ عَنْهُ ] . قَالَ : وَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهِمْ لَمْ أُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يُوَلُّوا عَنْهُمْ , وَلَا يَسْتَوْجِبُونَ السَّخَطَ عِنْدِي مِنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ عَلَى غَيْرِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ , أَوْ التَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ . لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) إنَّمَا يُوجِبُ سَخَطَهُ عَلَى مَنْ تَرَكَ فَرْضَهُ , وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ , إنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يُجَاهِدَ الْمُسْلِمُونَ ضِعْفَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي بَنِي النَّضِيرِ حِينَ حَارَبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ } إلَى : { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } فَوَصَفَ إخْرَابَهُمْ مَنَازِلَهُمْ بِأَيْدِهِمْ , وَإِخْرَابَ الْمُؤْمِنِينَ بُيُوتَهُمْ وَوَصْفُهُ إيَّاهُ [ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ] : كَالرِّضَا بِهِ . وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِقَطْعِ نَخْلٍ مِنْ أَلْوَانِ نَخْلِهِمْ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) : رِضًا بِمَا صَنَعُوا . { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } فَرَضِيَ الْقَطْعَ , وَأَبَاحَ التَّرْكَ . وَالْقَطْعُ وَالتَّرْكُ مَوْجُودَانِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَذَلِكَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَتَرَكَ , وَقَطَعَ نَخْلَ غَيْرِهِمْ وَتَرَكَ , وَمِمَّنْ غَزَا : مَنْ لَمْ يَقْطَعْ نَخْلَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَرْبِيِّ : إذَا أَسْلَمَ وَكَانَ قَدْ نَالَ مُسْلِمًا , أَوْ مُعَاهَدًا , [ أَوْ مُسْتَأْمَنًا ] : بِقَتْلٍ , أَوْ جَرْحٍ , أَوْ مَالٍ . لَمْ يَضْمَنْ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } ;
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا سَلَفَ مَا تَقَضَّى وَذَهَبَ . وَقَالَ : { اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا } , وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا مَضَى : [ مِنْهُ ] وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ ( بِهَذَا الْإِسْنَادِ ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ : وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِحُكْمِ اللَّهِ كُلَّ رِبًا : أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ , وَلَمْ يُقْبَضْ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا قَبَضَ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَرُدَّهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ( فِي آخَرِينَ ) ; قَالُوا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ , قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا ( رضي الله عنه ) , يَقُولُ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ . فَقَالَ : انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ; فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخَرَجْنَا تَهَادَى بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ . فَقَالَتْ مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَهَا : لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ , أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ . فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ; فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ : بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَقَالَ مَا هَذَا يَا حَاطِبُ ؟ فَقَالَ : لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ , وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا , وَكَانَ [ مَنْ ] مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قِرْبَاتِهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ فَأَحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا , وَاَللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) إنَّهُ قَدْ صَدَقَ . فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ . فَقَالَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا , وَمَا يُدْرِيكَ : لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ , فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ; فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ . وَنَزَلَتْ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ }
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ : طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَاطِبٌ , كَمَا قَالَ : مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ شَكًّا فِي الْإِسْلَامِ , وَأَنَّهُ فَعَلَهُ : لِيَمْنَعَ أَهْلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَلَّةً لَا : رَغْبَةً عَنْ الْإِسْلَامِ وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَقْبَحَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا احْتَمَلَ فِعْلُهُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) دِينَهُ : الَّذِي بَعَثَ بِهِ ] رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ , وَمَا خَالَفَهُ مِنْ الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ : دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَدِينُ الْأُمِّيِّينَ . فَقَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) الْأُمِّيِّينَ : حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا , وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَسَبَى : حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ , وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ : صَاغِرِينَ , وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ ( صلى الله عليه وسلم ) وَهَذَا : ظُهُورُ الدِّينِ كُلِّهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ يُقَالُ : لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ حَتَّى لَا يُدَانَ اللَّهُ إلَّا بِهِ وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } . قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : فَقِيلَ [ فِيهِ ] : ( فِتْنَةٌ ) : شِرْكٌ , ( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ ) : وَاحِدًا ( لِلَّهِ ) . وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : { لَا أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } . وَذَكَرَ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي الدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ , وَقَوْلَهُ : { فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا إلَى الْإِسْلَامِ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ; فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَدَعْهُمْ , وَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ } . ثُمَّ قَالَ : وَلَيْسَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى , وَلَا وَاحِدٌ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ , وَلَا مُخَالِفًا لَهُ . وَلَكِنَّ إحْدَى الْآيَتَيْنِ وَالْحَدِيثَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي مَخْرَجُهُ عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ , وَمِنْ الْجُمَلِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْمُفَسِّرُ . فَأَمْرُ اللَّهِ ( تَعَالَى ) : بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ; ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَمْرُهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ . وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ : فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ ] ; دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ . وَفَرْضُ اللَّهِ : قِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا . وَكَذَلِكَ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ : [ فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ خَاصَّةً ] فَالْفَرْضُ فِيمَنْ دَانَ وَآبَاؤُهُ دِينَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . أَنْ يُقَاتَلُوا إذْ قُدِرَ عَلَيْهِمْ ; حَتَّى يُسْلِمُوا وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ ; [ بِكِتَابِ اللَّهِ , وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ] . وَالْفَرْضُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ دَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ [ كُلِّهِ ] دِينَهُمْ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ , أَوْ يُسْلِمُوا وَسَوَاءٌ كَانُوا عَرَبًا , أَوْ عَجَمًا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) كُتُبٌ : نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ ; [ الْمَعْرُوفُ ] مِنْهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ : التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ أَنْزَلَ غَيْرَهُمَا ; فَقَالَ : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } . وَلَيْسَ يُعْرَفُ تِلَاوَةُ كِتَابِ إبْرَاهِيمَ وَذِكْرُ زَبُورَ دَاوُد ; فَقَالَ : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ } . قَالَ : وَالْمَجُوسُ : أَهْلُ كِتَابٍ : غَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ; وَقَدْ نَسُوا كِتَابَهُمْ وَبَدَّلُوهُ وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَدَانَ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ . دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِنْ بَعْضِهِمْ , الْجِزْيَةَ وَسَمَّى مِنْهُمْ [ فِي مَوْضِعٍ ] آخَرَ : أُكَيْدِرَ دُومَةَ , وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ مِنْ غَسَّانَ أَوْ كِنْدَةَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : حَكَمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي الْمُشْرِكِينَ , حُكْمَيْنِ . فَحَكَمَ أَنْ يُقَاتَلَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ : حَتَّى يُسْلِمُوا ; وَأَهْلُ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ : إنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَأَحَلَّ اللَّهُ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَطَعَامَهُمْ فَقِيلَ : طَعَامُهُمْ : ذَبَائِحُهُمْ فَاحْتَمَلَ : كُلَّ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَكُلَّ مَنْ دَانَ دِينَهُمْ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ . وَكَانَتْ دَلَالَةُ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) , ثُمَّ [ مَا ] لَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ دُونَ الْمَجُوسِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ , وَفَرَّقَ بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ , وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ . بِمَا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ . فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ; وَمَا آتَاهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ دَهْرِهِمْ . فَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ . قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ إلَّا : لِمَعْنًى ; لَا أَهْلَ كِتَابٍ مُطْلَقٍ فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ , وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ , وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ : كَالْمَجُوسِ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا أَحَلَّ لَنَا ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ وَذَكَرَ الرِّوَايَةَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاَلَّذِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ ; وَأَنَّهُ تَلَا : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } فَهُوَ لَوْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : كَانَ الْمَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ( رضي الله عنهما ) أَوْلَى , وَمَعَهُ الْمَعْقُولُ . فَأَمَّا : { مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } ; فَمَعْنَاهَا عَلَى غَيْرِ حُكْمِهِمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِنْ كَانَ الصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ : مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ , وَدَانُوا دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : نُكِحَتْ نِسَاؤُهُمْ , وَأُكِلَتْ ذَبَائِحُهُمْ : وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي فَرْعٍ مِنْ دِينِهِمْ . لِأَنَّهُمْ [ فُرُوعٌ ] قَدْ يَخْتَلِفُونَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي أَصْلِ الدَّيْنُونَةِ لَمْ تُؤْكَلْ ذَبَائِحُهُمْ , وَلَمْ تُنْكَحْ نِسَاؤُهُمْ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } ; فَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ أَمَرَ بِأَخْذِهَا مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهَا عَنْ يَدٍ صَاغِرًا . قَالَ : وَسَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ : الصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ . وَمَا أَشْبَهَ , مَا قَالُوا , بِمَا قَالُوا : لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ ; فَإِذَا جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فَقَدْ أُصْغِرُوا بِمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّ الَّذِينَ فُرِضَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ : الَّذِينَ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِالْبُلُوغِ : فَتَرَكُوا دِينَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , وَأَقَامُوا عَلَى مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ عَلَيْهَا : الَّذِينَ فِيهِمْ الْقِتَالُ , وَهُمْ : الرِّجَالُ الْبَالِغُونَ . ثُمَّ أَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) مِثْلَ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : فَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمُحْتَلِمِينَ , دُونَ مَنْ دُونَهُمْ وَدُونَ النِّسَاءِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } الْآيَةَ فَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ , يَقُولُ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ : الْحَرَمُ وَسَمِعْتُ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي يَرْوُونَ أَنَّهُ كَانَ فِي رِسَالَةِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : { لَا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ فِي الْحَرَمِ , بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا . }
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : قِتَالَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا , وَأَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَقَالَ : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } . فَبِذَا فُرِضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا أَطَاقُوهُ ; فَإِذَا عَجَزُوا عَنْهُ فَإِنَّمَا كُلِّفُوا مِنْهُ مَا أَطَاقُوهُ ; فَلَا بَأْسَ : أَنْ يَكُفُّوا عَنْ قِتَالِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَأَنْ يُهَادِنُوهُمْ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : فَهَادَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) ( يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ) فَكَانَتْ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ , وَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي سَفَرِهِ فِي أَمْرِهِمْ : { إنَّا فَتَحْنَا لَك فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَمَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمَ مِنْهُ وَذَكَرَ : دُخُولَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ : حِينَ أَمِنُوا . وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي مُهَادَنَةِ مَنْ يَقْوَى عَلَى قِتَالِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ : عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ . لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَمَّا قَوِيَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ أَنْزَلَ اللَّهُ ( تَعَالَى ) عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ : { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : فَقِيلَ : كَانَ الَّذِينَ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ) : قَوْمًا مُوَادِعِينَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَجَعَلَهَا اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ; ثُمَّ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) كَذَلِكَ . وَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي قَوْمٍ عَاهَدَهُمْ إلَى مُدَّةٍ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنْ يُتِمَّ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ مَا اسْتَقَامُوا لَهُ , وَمَنْ خَافَ مِنْهُ خِيَانَةً مِنْهُمْ نَبَذَ إلَيْهِ . فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَأْنَفَ مُدَّةٌ , بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ : وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ . إلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:33 | |
| وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَنْ جَاءَ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ ; فَحَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَهُ : حَتَّى يَتْلُوَ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , وَيَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَرْجُو أَنْ يُدْخِلَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ . لِقَوْلِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } وَإِبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهَدِينَ مَا كَانَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ , أَوْ حَيْثُ مَا يَتَّصِلُ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ . قَالَ : وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } ; [ يَعْنِي ] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْكَ أَوْ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ عَلَى دِينِكَ ; [ أَوْ ] مِمَّنْ يُطِيعُكَ لَا أَمَانَهُ [ مِنْ ] غَيْرِكَ مِنْ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِ : الَّذِي لَا يَأْمَنُهُ , وَلَا يُطِيعُكَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : جِمَاعُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ , وَالْعَهْدِ : كَانَ بِيَمِينٍ , أَوْ غَيْرِهَا . فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } , وَفِي وقوله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) الْوَفَاءَ بِالْعُقُودِ : بِالْأَيْمَانِ ; فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ ; [ مِنْهَا ] : قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ } ; ثُمَّ : { وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } إلَى قَوْلِهِ : { تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ } الْآيَةَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } ; مَعَ مَا ذَكَرَ بِهِ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : هَذَا مِنْ سَعَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ الَّذِي خُوطِبَتْ بِهِ , فَظَاهِرُهُ عَامٌّ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ . وَيُشْبِهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) أَرَادَ : [ أَنْ ] يُوفُوا بِكُلِّ عَقْدٍ : كَانَ بِيَمِينٍ , أَوْ غَيْرِ يَمِينٍ . وَكُلِّ عَقْدِ نَذْرٍ إذَا كَانَ فِي الْعَقْدَيْنِ لِلَّهِ طَاعَةٌ , أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا أَمَرَ بِالْوَفَاءِ مِنْهَا مَعْصِيَةٌ . وَاحْتَجَّ : بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) فِي امْرَأَةٍ جَاءَتْهُ مِنْهُمْ مُسْلِمَةً ; ( سَمَّاهَا فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ : أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ) . : { إذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } إلَى : { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ } الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ : { وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا } فَفَرَضَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَرُدُّوا النِّسَاءَ , وَقَدْ أَعْطَوْهُمْ : رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ , وَهُنَّ مِنْهُمْ فَحَبَسَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : عَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ ; فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَيْهِ : { بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي صُلْحِ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ , وَمَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانَ صُلْحُهُ لَهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ ; إمَّا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ بِمَا صَنَعَ ; نَصًّا , وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ [ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ لِمَنْ رَأَى بِمَا رَأَى ; ثُمَّ أَنْزَلَ قَضَاءَهُ عَلَيْهِ فَصَارُوا إلَى قَضَاءِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ] , وَنَسَخَ [ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ] فِعْلَهُ , بِفِعْلِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ . وَكُلٌّ كَانَ : طَاعَةً لِلَّهِ فِي وَقْتِهِ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ : مَنْعُ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ , مِنْ أَنْ يَرْدُدْنِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ , وَقَطْعُ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ . بَيْنَهُنَّ , وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ . وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ قَطْعَ الْعِصْمَةِ : إذَا انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ وَلَمْ يُسْلِمْ أَزْوَاجُهُنَّ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَكَانَ بَيِّنًا فِي الْآيَةِ أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ نَفَقَاتُهُمْ , وَمَعْقُولٌ فِيهَا أَنَّ نَفَقَاتِهِمْ الَّتِي تُرَدُّ : نَفَقَاتُ اللَّاتِي مَلَكُوا عَقْدَهُنَّ , وَهِيَ : الْمُهُورُ ; إذَا كَانُوا قَدْ أَعْطَوْهُنَّ إيَّاهَا . وَبَيِّنٌ أَنَّ الْأَزْوَاجَ : الَّذِينَ يُعْطَوْنَ النَّفَقَاتِ : لِأَنَّهُمْ الْمَمْنُوعُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ . وَأَنَّ نِسَاءَهُمْ : الْمَأْذُونُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إذَا آتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ . لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِمْ فِي أَنْ يَنْكِحُوا غَيْرَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ; إنَّمَا كَانَ الْإِشْكَالُ فِي نِكَاحِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ ; حَتَّى قَطَعَ اللَّهُ عِصْمَةَ الْأَزْوَاجِ بِإِسْلَامِ النِّسَاءِ , وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَزْوَاجِ فَلَا يُؤَدِّي أَحَدٌ نَفَقَةً فِي امْرَأَةٍ فَاتَتْ , إلَّا ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لِلْمُسْلِمِينَ : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } فَأَبَانَهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ . وَكَانَ الْحُكْمُ فِي إسْلَامِ الزَّوْجِ , الْحُكْمَ فِي إسْلَامِ الْمَرْأَةِ : لَا يَخْتَلِفَانِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ; { وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا } . يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّ أَزْوَاجَ الْمُشْرِكَاتِ : مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; إذَا مَنَعَهُنَّ الْمُشْرِكُونَ إتْيَانَ أَزْوَاجِهِنَّ : بِالْإِسْلَامِ أَدَّوْا مَا دَفَعَ إلَيْهِنَّ الْأَزْوَاجُ مِنْ الْمُهُورِ ; كَمَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ مَا دَفَعَ أَزْوَاجُ الْمُسْلِمَاتِ مِنْ الْمُهُورِ . وَجَعَلَهُ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) حُكْمًا بَيْنَهُمْ . ثُمَّ حَكَمَ [ لَهُمْ ] فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى حُكْمًا ثَانِيًا ; فَقَالَ : { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ } كَأَنَّهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) يُرِيدُ فَلَمْ تَعْفُوا عَنْهُمْ إذَا لَمْ يَعْفُوا عَنْكُمْ مُهُورَ نِسَائِكُمْ ; { فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا } . كَأَنَّهُ يَعْنِي مِنْ مُهُورِهِمْ ; إذَا فَاتَتْ امْرَأَةُ مُشْرِكٍ : أَتَتْنَا مُسْلِمَةً ; قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً فِي مَهْرِهَا ; وَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ إلَى الْكُفَّارِ , قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً حُسِبَتْ مِائَةُ الْمُسْلِمِ , بِمِائَةِ الْمُشْرِكِ . فَقِيلَ : تِلْكَ الْعُقُوبَةُ . قَالَ : وَيُكْتَبُ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ : [ حَتَّى ] يُعْطَى الْمُشْرِكُ مَا قَصَصْنَاهُ مِنْ مَهْرِ امْرَأَتِهِ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي فَاتَتْ امْرَأَتُهُ إلَيْهِمْ : لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى [ هَذَا ] الْقَوْلِ فِي مَوْضُوعِ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي صُلْحِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِالْحُدَيْبِيَةِ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَإِنَّمَا ذَهَبْتُ إلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ; بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَدُّهُنَّ فِي الصُّلْحِ لَمْ يُعْطَ أَزْوَاجُهُنَّ فِيهِنَّ عِوَضًا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } . نَزَلَتْ فِي أَهْلِ هُدْنَةٍ بَلَغَ النَّبِيَّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْهُمْ , شَيْءٌ : اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى خِيَانَتِهِمْ فَإِذَا جَاءَتْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوفِ أَهْلُ الْهُدْنَةِ , بِجَمِيعِ مَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ . وَمَنْ قُلْتَ : لَهُ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِ ; فَعَلَيْهِ أَنْ يُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ ; ثُمَّ لَهُ أَنْ يُحَارِبَهُ ; كَمَا يُحَارِبُ مَنْ لَا هُدْنَةَ لَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي أَهْلِ الْكِتَابِ : { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ , بَيَانٌ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) جَعَلَ لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) الْخِيَارَ : فِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ , أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ وَجَعَلَ عَلَيْهِ إنْ حَكَمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ . وَالْقِسْطُ : حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمَحْضُ الصَّادِقُ , أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ عَهْدًا بِاَللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } الْآيَةَ . قَالَ : وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ , مَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) لَهُ , بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ قَالَ : وَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } إنْ حَكَمْت لَا عَزْمًا أَنْ تَحْكُمَ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ , إلَى أَنْ قَالَ : أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ : وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ , تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ ؟ , أَلَمْ يُخْبِرْكُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَبَدَّلُوا , وَكَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ , فَقَالُوا : { هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } ؟ , أَلَا يَنْهَاكُمْ الْعِلْمُ الَّذِي جَاءَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ ؟ , وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ . هَذَا : قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ , وَبِمَعْنَاهُ أَجَابَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ , وَقَالَ فِيهِ : فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ , يَقُولُ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ } إنْ حَكَمْتَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ : { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } فَتِلْكَ مُفَسِّرَةٌ , وَهَذِهِ : جُمْلَةٌ . وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } ; دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ تَوَلَّوْا : لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ . وَلَوْ كَانَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } ; إلْزَامًا مِنْهُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ : أَلْزَمَهُمْ الْحُكْمَ مُتَوَلِّينَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَوَلَّوْنَ بَعْدَ الْإِتْيَانِ ; فَأَمَّا مَا لَمْ يَأْتُوا ; فَلَا يُقَالُ لَهُمْ : تَوَلَّوْا . وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ : نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ : وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ ; [ وَ ] أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : { فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } ; إنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ الْمُوَادَعِينَ : الَّذِينَ لَمْ يُعْطُوا جِزْيَةً , وَلَمْ يُقِرُّوا بِأَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا . قَالَ : وَاَلَّذِي قَالُوا , يُشْبِهُ مَا قَالُوا ; لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ } وَقَالَ : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَإِنْ تَوَلَّوْا } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : فَإِنْ تَوَلَّوْا عَنْ حُكْمِكَ [ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ ] فَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ أَتَاكَ : غَيْرَ مَقْهُورٍ عَلَى الْحُكْمِ . وَاَلَّذِينَ حَاكَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي امْرَأَةٍ مِنْهُمْ وَرَجُلٍ : زَنَيَا مُوَادَعُونَ ; فَكَانَ فِي التَّوْرَاةِ : الرَّجْمُ , وَرَجَوْا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فَجَاءُوا بِهِمَا : فَرَجْمَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا : مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ : أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ ; ثُمَّ جَاءُوهُ مُتَحَاكِمِينَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ : بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ , أَوْ يَدَعَ الْحُكْمَ فَإِنْ اخْتَارَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ : حَكَمَ بَيْنَهُمْ حُكْمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ امْتَنَعُوا بَعْدَ رِضَاهُمْ بِحُكْمِهِ : حَارَبَهُمْ . قَالَ : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي أَحَدٍ : [ مِنْ ] الْمُعَاهَدِينَ : الَّذِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ . إذَا جَاءُوهُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ . قَالَ : وَإِذَا أَبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ , مَا فِيهِ [ لَهُ ] حَقٌّ عَلَيْهِ ; فَأَتَى طَالِبُ الْحَقِّ إلَى الْإِمَامِ , يَطْلُبُ حَقَّهُ فَحَقٌّ لَازِمٌ لِلْإِمَامِ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَحْكُمَ [ لَهُ ] عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ : مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ الْمَطْلُوبُ : رَاضِيًا بِحُكْمِهِ , وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرَ السَّخَطَ لِحُكْمِهِ . لِمَا وَصَفْتُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } . فَكَانَ الصَّغَارُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّفْرِيعِ وَكَأَنَّهُ وَقَفَ حِينَ صَنَّفَ كِتَابَ الْجِزْيَةِ أَنَّ آيَةَ الْخِيَارِ وَرَدَتْ فِي الْمُوَادِعِينَ ; فَرَجَعَ عَمَّا قَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْمُعَاهَدِينَ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا .
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ : ( السُّنَنِ ) رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ الشَّافِعِيِّ : قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَكَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : إذَا أَذِنَ فِي أَكْلِ مَا أَمْسَكَ الْجَوَارِحُ أَنَّهُمْ إنَّمَا اتَّخَذُوا الْجَوَارِحَ , لِمَا لَمْ يَنَالُوهُ إلَّا بِالْجَوَارِحِ : وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } . قَالَ : وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَمْرَهُ بِالذَّبْحِ , وَقَالَ : { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } : كَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ فِيمَا فِيهِ الذَّبْحُ وَالذَّكَاةُ ; وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَلَمَّا كَانَ مَعْقُولًا فِي حُكْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , مَا وَصَفْتُ : انْبَغَى لِأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي , أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ مَا حَلَّ مِنْ الْحَيَوَانِ فَذَكَاةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ [ مِنْهُ ] مِثْلُ الذَّبْحِ , أَوْ النَّحْرِ ; وَذَكَاةُ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا يُقْتَلُ بِهِ : جَارِحٌ , أَوْ سِلَاحٌ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ : الَّذِي إذَا أُشْلِيَ : اسْتَشْلَى , وَإِذَا أَخَذَ : حَبَسَ , وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ : كَانَ مُعَلَّمًا , يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ مَا لَمْ يَأْكُلْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ : لِأَنَّهَا تَجْرَحُ ; فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُحِلَّ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ : الَّذِي إذَا أُشْلِيَ : اسْتَشْلَى , وَإِذَا أَخَذَ : حَبَسَ , وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ : كَانَ مُعَلَّمًا , يَأْكُلُ صَاحِبُهُ مِمَّا حَبَسَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ مَا لَمْ يَأْكُلْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ : لِأَنَّهَا تَجْرَحُ ; فَيَكُونُ اسْمًا لَازِمًا وَأُحِلَّ مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَحَلَّ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) : طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَكَانَ طَعَامُهُمْ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ حَفِظْتُ عَنْهُ : مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ وَكَانَتْ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ ذَبَائِحُهُمْ يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ; فَهِيَ : حَلَالٌ . وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ آخَرُ يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) ; مِثْلَ : اسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ يَذْبَحُونَهُ بِاسْمٍ دُونَ اللَّهِ لَمْ يَحِلَّ هَذَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ [ وَلَا أُثْبِتُ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا . ]
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَدْ يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا : وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ , دُونَ بَعْضٍ فَإِذَا زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَ : إنْ نَسِيَ اسْمَ اللَّهِ : أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ , وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ : وَهُوَ لَا يَدَعُهُ لِشِرْكٍ كَانَ مَنْ يَدَعُهُ عَلَى الشِّرْكِ ; أَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) لُحُومَ الْبُدْنِ مُطْلَقَةً ; فَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا } , وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ , يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ مِنْ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ نَذْرٌ , وَلَا جَزَاءُ صَيْدٍ وَلَا فِدْيَةٌ . فَلَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذَهَبْنَا إلَيْهِ , وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ لَا أَنَّهَا بِخِلَافِ الْقُرْآن وَلَكِنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ وَمَعْقُولٌ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ ; لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَهَكَذَا : ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ مُشْبِهَةٌ لِمَا قُلْنَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاجِبُ مَنْ أَهْدَى نَافِلَةً أَنْ يُطْعِمَ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } , وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } . وَالْقَانِعُ هُوَ : السَّائِلُ ; وَالْمُعْتَرُّ هُوَ : الزَّائِرُ , وَالْمَارُّ بِلَا وَقْتٍ فَإِذَا أَطْعَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاحِدًا : كَانَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ وَأَحَبُّ إلَيَّ مَا أَكْثَرَ أَنْ يُطْعِمَ ثُلُثًا , وَأَنْ يُهْدِيَ ثُلُثًا , وَيَدَّخِرَ ثُلُثًا : يَهْبِطُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ . قَالَ : وَالضَّحَايَا فِي هَذِهِ السَّبِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ : وَالْقَانِعُ : الْفَقِيرُ ; وَالْمُعْتَرُّ : الزَّائِرُ وَقَدْ قِيلَ : الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلْعَطِيَّةِ مِنْهُمَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ , أَوْ مَنْ سَمِعْتُ [ مِنْهُ ] مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ . فَإِنَّ الْعَرَبَ : قَدْ كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ , وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا . وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ , أَوْ مَنْ سَمِعْتُ [ مِنْهُ ] مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا } يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ . فَإِنَّ الْعَرَبَ : قَدْ كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ , وَتُحِلُّ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا . وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثُ عِنْدَهُمْ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ } , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } . فَكَانَ شَيْئَانِ حَلَالَانِ ; فَأَثْبَتَ تَحْلِيلَ أَحَدِهِمَا وَهُوَ : صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَالِحُهُ وَكُلُّ مَا قَذَفَهُ : [ وَهُوَ ] حَيٌّ ; مَتَاعًا لَهُمْ يَسْتَمْتِعُونَ بِأَكْلِهِ . وَحَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِأَكْلِهِ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم . يَعْنِي فِي حَالِ الْإِحْرَامِ . قَالَ : وَهُوَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ [ فِيمَا حُرِّمَ , وَلَمْ يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ ] : { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ } الْآيَةَ , , وَقَالَ فِي ذِكْرِ مَا حُرِّمَ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَيَحِلُّ مَا حُرِّمَ : مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ; وَكُلُّ مَا حُرِّمَ : مِمَّا لَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ : مِنْ الْخَمْرِ لِلْمُضْطَرِّ . وَالْمُضْطَرُّ : الرَّجُلُ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ : لَا طَعَامَ مَعَهُ فِيهِ , وَلَا شَيْءَ يَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ مِنْ لَبَنٍ , وَمَا أَشْبَهَهُ . وَيُبَلِّغُهُ الْجُوعُ مَا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ , أَوْ الْمَرَضَ : وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْمَوْتَ أَوْ يُضْعِفُهُ , أَوْ يَضُرُّهُ أَوْ يَعْتَلُّ أَوْ يَكُونُ مَاشِيًا : فَيَضْعُفُ عَنْ بُلُوغِ حَيْثُ يُرِيدُ أَوْ رَاكِبًا فَيَضْعُفُ عَنْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ ; أَوْ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ . فَأَيُّ هَذَا نَالَهُ : فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمُحَرَّمِ , وَكَذَلِكَ يَشْرَبُ مِنْ الْمُحَرَّمِ : غَيْرِ الْمُسْكِرِ ; مِثْلِ : الْمَاءِ : [ تَقَعُ ] فِيهِ الْمَيْتَةُ , وَمَا أَشْبَهَهُ . وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ آكِلُهُ إنْ أَكَلَ , وَشَارِبُهُ إنْ شَرِبَ أَوْ جَمَعَهُمَا : فَعَلَى مَا يَقْطَعُ عَنْهُ الْخَوْفَ , وَيَبْلُغُ [ بِهِ ] بَعْضَ الْقُوَّةِ . وَلَا يَبِينُ : أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْبَعَ وَيَرْوَى , وَإِنْ أَجْزَأَهُ دُونَهُ : لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ . وَإِذَا بَلَغَ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ ; لِأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ : حِينَئِذٍ إلَى الضَّرَرِ , أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى النَّفْعِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَمَنْ خَرَجَ سَفَرًا : عَاصِيًا لِلَّهِ ; لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ : مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ . بِحَالٍ : لِأَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) إنَّمَا أَحَلَّ مَا حَرَّمَ , بِالضَّرُورَةِ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ : غَيْرَ بَاغٍ , وَلَا عَادٍ , وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ . وَلَوْ خَرَجَ : عَاصِيًا ; ثُمَّ تَابَ , فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ : رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ . وَلَوْ خَرَجَ : غَيْرَ عَاصٍ ; ثُمَّ نَوَى الْمَعْصِيَةَ ; ثُمَّ أَصَابَتْهُ ضَرُورَةٌ : وَنِيَّتُهُ الْمَعْصِيَةُ خَشِيتُ أَنْ لَا يَسَعَهُ الْمُحَرَّمُ ; لِأَنِّي أَنْظُرُ إلَى نِيَّتِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ لَا فِي حَالٍ تَقَدَّمَتْهَا , وَلَا تَأَخَّرَتْ عَنْهَا .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّ مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ , يَحْرُمُ : بِمَالِكِهِ ; حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ مَالِكُهُ . ( يَعْنِي : وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ) أَنَّ اللَّهَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) قَالَ : { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } , وَقَالَ : { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } , وَقَالَ : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } الْآيَةَ . مَعَ آيٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ حُظِرَ فِيهَا أَمْوَالُ النَّاسِ , إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا : بِمَا فَرَضَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ , ثُمَّ سَنَّهُ نَبِيُّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) وَجَاءَتْ بِهِ حُجَّةٌ .
قَالَ : وَلَوْ اُضْطُرَّ رَجُلٌ , فَخَافَ الْمَوْتَ ; ثُمَّ مَرَّ بِطَعَامٍ لِرَجُلٍ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَا يَرُدُّ مِنْ جُوعِهِ , وَيَغْرَمُ لَهُ ثَمَنَهُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
قَالَ : وَقَدْ قِيلَ إنَّ مِنْ الضَّرُورَةِ : أَنْ يَمْرَضَ الرَّجُلُ , الْمَرَضَ : يَقُولُ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ يَكُونُ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ : قَلَّمَا يَبْرَأُ مَنْ كَانَ بِهِ مِثْلُ هَذَا , إلَّا : أَنْ يَأْكُلَ كَذَا , أَوْ يَشْرَبَهُ أَوْ يُقَالُ [ لَهُ ] إنَّ أَعْجَلَ مَا يُبْرِيكَ أَكْلُ كَذَا , أَوْ شُرْبُ كَذَا . فَيَكُونُ لَهُ أَكْلُ ذَلِكَ وَشُرْبُهُ مَا لَمْ يَكُنْ خَمْرًا إذَا بَلَغَ مِنْهَا أَسْكَرَتْهُ . أَوْ شَيْئًا يُذْهِبُ الْعَقْلَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ غَيْرِهَا ; فَإِنَّ إذْهَابَ الْعَقْلِ مُحَرَّمٌ . وَذَكَرَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ فِي بَوْلِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا , وَإِذْنَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي شُرْبِهَا , لِإِصْلَاحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ } الْآيَةَ , وَقَالَ : { فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } يَعْنِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : طَيِّبَاتٍ : كَانَتْ أُحِلَّتْ لَهُمْ .
وَقَالَ تَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : الْحَوَايَا مَا حَوَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ , فِي الْبَطْنِ . فَلَمْ يَزَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى بَنِي إسْرَائِيلٍ : الْيَهُودِ خَاصَّةً , وَغَيْرِهِمْ عَامَّةً . مُحَرَّمًا مِنْ حِينَ حَرَّمَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ ( تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) مُحَمَّدًا ( صلى الله عليه وسلم ) فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ , وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ نَبِيِّ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) وَطَاعَةِ أَمْرِهِ : وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَتُهُ وَأَنَّ دِينَهُ : الْإِسْلَامُ الَّذِي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ : وَجَعَلَ مَنْ أَدْرَكَهُ وَعَلِمَ دِينَهُ فَلَمْ يَتْبَعْهُ . كَافِرًا بِهِ فَقَالَ : { إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } . وَأَنْزَلَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا } الْآيَةَ إلَى : { مُسْلِمُونَ } , وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا , وَأَنْزَلَ فِيهِمْ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ } الْآيَةَ . فَقِيلَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَوْزَارَهُمْ , وَمَا مُنِعُوا بِمَا أَحْدَثُوا . قَبْلَ مَا شُرِعَ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كِتَابِيٌّ , وَلَا وَثَنِيٌّ , وَلَا حَيٌّ بِرُوحٍ مِنْ جِنٍّ , وَلَا إنْسٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ دِينِهِ , وَكَانَ مُؤْمِنًا : بِاتِّبَاعِهِ , وَكَافِرًا بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ . وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ : آمَنَ بِهِ , أَوْ كَفَرَ . تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمِلَلِ أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ . وَإِحْلَالُ مَا أَحَلَّ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) : كَانَ حَرَامًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمِلَلِ ; [ أَوْ غَيْرَ حَرَامٍ ] وَأَحَلَّ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَقَدْ وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ , وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا . فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ , وَفِي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ : مِمَّا كَانَ حَرُمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ) . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ . وَكَذَلِكَ : لَوْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ لِنَفْسِهِ , وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ شَحْمِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ مِنْهَا , شَيْءٌ . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا مِنْ جِهَةِ الذَّكَاةِ . لِأَحَدٍ , حَرَامًا عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَبَاحَ مَا ذُكِرَ عَامَّةً لَا خَاصَّةً .
وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ , مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ [ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ] : مِنْ هَذِهِ الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَدْ قِيلَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُؤْمِنُوا . وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرِّمًا عَلَيْهِمْ وَقَدْ نُسِخَ مَا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وسلم ) بِدِينِهِ . كَمَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْخَمْرُ حَلَالًا لَهُمْ , إلَّا أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ إذْ حُرِّمَتْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ : مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ أَبَانَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : أَنَّهَا لَيْسَتْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ وَذَلِكَ مِثْلُ : الْبَحِيرَةِ , وَالسَّائِبَةِ , وَالْوَصِيلَةِ , وَالْحَامِ كَانُوا : يَتْرُكُونَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ : كَالْعِتْقِ ; فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا , وَلُحُومَهَا , وَمِلْكَهَا . وَقَدْ فَسَّرْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ }
وَقَالَ تَعَالَى : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَهُوَ يَذْكُرُ مَا حَرَّمُوا : { وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } , وَقَالَ : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ } إلَى قَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } , وَالْآيَةَ بَعْدَهَا . [ فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ] أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ بِمَا حَرَّمُوا . قَالَ : وَيُقَالُ : نَزَلَ فِيهِمْ : { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ } . فَرَدَّ إلَيْهِمْ مَا أَخْرَجُوا مِنْ الْبَحِيرَةِ , وَالسَّائِبَةِ , وَالْوَصِيلَةِ , وَالْحَامِ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ مَا حَرَّمُوا : بِتَحْرِيمِهِمْ .
وَقَالَ تَعَالَى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } ; [ يَعْنِي ] ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِنْ الْمَيْتَةِ . وَيُقَالُ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } . وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ يَعْنِي : { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ } مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ . مُحَرَّمًا , إلَّا مَيْتَةً , أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا مِنْهَا : وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ ذَبِيحَةَ [ كَافِرٍ ] , وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْخِنْزِيرِ مَعَهَا وَقَدْ قِيلَ مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا .
وَقَالَ تَعَالَى : { فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } . وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ : الذَّبَائِحَ , وَمَا سِوَاهَا مِنْ طَعَامِهِمْ الَّذِي لَمْ نَعْتَقِدْهُ مُحَرَّمًا عَلَيْنَا . فَآنِيَتُهُمْ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ فِي النَّفْسِ مِنْهَا , شَيْءٌ إذَا غُسِلَتْ . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ : فِي إبَاحَةِ طَعَامِهِمْ الَّذِي يَغِيبُونَ عَلَى صَنْعَتِهِ إذَا لَمْ نَعْلَمْ فِيهِ حَرَامًا , وَكَذَلِكَ الْآنِيَةُ إذَا لَمْ نَعْلَمْ نَجَاسَةً ثُمَّ قَالَ فِي هَذَا , وَفِي مُبَايَعَةِ الْمُسْلِمِ : يَكْتَسِبُ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ ; وَالْأَسْوَاقِ : يَدْخُلُهَا ثَمَنُ الْحَرَامِ وَلَوْ تَنَزَّهَ امْرُؤٌ عَنْ هَذَا , وَتَوَقَّاهُ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَانَ حَسَنًا . لِأَنَّهُ قَدْ يَحِلُّ لَهُ تَرْكُ مَا لَا يَشُكُّ فِي حَلَالِهِ وَلَكِنِّي أَكْرَهُ أَ | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:39 | |
| رَجُلٍ حَلَفَ : أَنْ لا يَنْفَعَ رجلاً
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ : أَنْ لَا يَنْفَعَ رَجُلًا ; فَأَمَرَهُ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَنْ يَنْفَعَهُ . قَالَ الشَّيْخُ : وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ( رضي الله عنه ) : حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا لِمَا كَانَ مِنْهُ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ ( رضي الله عنها ) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ : قُلْت لِلشَّافِعِيِّ مَا لَغْوُ الْيَمِينِ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ ; أَمَّا الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ فَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ ( رضي الله عنها ) ; أَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ ( رضي الله عنها ) أَنَّهَا قَالَتْ : لَغْوُ الْيَمِينِ : قَوْلُ الْإِنْسَانِ : لَا وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : اللَّغْوُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ : الْكَلَامُ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَلْبُهُ ; وَجِمَاعُ اللَّغْوِ يَكُونُ فِي الْخَطَإِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَغْوُ الْيَمِينِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ ( رضي الله عنها ) , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : قَوْلُ الرَّجُلِ : لَا وَاَللَّهِ , وَبَلَى وَاَللَّهِ . وَذَلِكَ إذَا كَانَ : اللَّجَاجُ , وَالْغَضَبُ , وَالْعَجَلَةُ لَا يَعْقِدُ عَلَى مَا حَلَفَ [ عَلَيْهِ ] وَعَقْدُ الْيَمِينِ : أَنْ يَعْنِيَهَا عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ الشَّيْءَ ; فَيَفْعَلُهُ أَوْ لَيَفْعَلَنَّهُ ; فَلَا يَفْعَلُهُ أَوْ لَقَدْ كَانَ , وَمَا كَانَ . فَهَذَا : آثِمٌ ; وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ [ أَنَّ ] اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَدْ جَعَلَ الْكَفَّارَاتِ فِي عَمْدِ الْمَأْثَمِ . قَالَ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } , وَقَالَ { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } إلَى قَوْلِهِ : { هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } . وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي الظِّهَارِ : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا } ; ثُمَّ أَمَرَ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَيُجْزِي : بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حِنْطَةٍ قَالَ : وَمَا يَقْتَاتُ أَهْلُ الْبُلْدَانِ مِنْ شَيْءٍ . أَجْزَأَهُمْ مِنْهُ مُدٌّ . [ قَالَ ] : وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي : مِنْ الْكِسْوَةِ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ مِنْ عِمَامَةٍ , أَوْ سَرَاوِيلَ , أَوْ إزَارٍ أَوْ مِقْنَعَةٍ , وَغَيْرِ ذَلِكَ : لِلرَّجُلِ , وَالْمَرْأَةِ , وَالصَّبِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) أَطْلَقَهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ . [ قَالَ ] : وَلَيْسَ لَهُ إذَا كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ أَنْ يُطْعِمَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ بِالْكِسْوَةِ أَنْ يَكْسُوَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ [ قَالَ ] وَإِذَا أَعْتَقَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ ; وَيُجْزِي كُلُّ ذِي نَقْصٍ بِعَيْبٍ لَا يُضِرُّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } فَجَعَلَ قَوْلَهُمْ الْكُفْرَ : مَغْفُورًا لَهُمْ , مَرْفُوعًا عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَكَانَ الْمَعْنَى الَّذِي عَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَ الْمُكْرَهِ , كَمَا لَمْ يَقُلْ : فِي الْحُكْمِ , وَعَقَلْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُوَ أَنْ يُغْلَبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ . فَإِذَا تَلِفَ مَا حَلَفَ : لَيَفْعَلَنَّ فِيهِ شَيْئًا ; فَقَدْ غُلِبَ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ . وَهَذَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ . وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) الْقَوْلَ فِيهِ , وَاخْتَارَ : أَنَّ يَمِينَ الْمُكْرَهِ : غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَلَيْهِ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ [ وَالسُّنَّةِ ] .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَ [ هُوَ ] قَوْلُ عَطَاءٍ إنَّهُ يُطْرَحُ عَنْ النَّاسِ , الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا ; فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا , أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا : فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ , وَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَحْنَثُ . لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ , غَيْرُ الْكَلَامِ : وَإِنْ كَانَ يَكُونُ كَلَامًا فِي حَالٍ وَمَنْ حَنَّثَهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) قَالَ : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } . وَقَالَ : إنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ , فِي الْمُنَافِقِينَ : { قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } ; وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ ( عليه السلام ) عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) , وَيُخْبِرُهُمْ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) بِوَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَمَنْ قَالَ : لَا يَحْنَثُ ; قَالَ : لِأَنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ : بِالْمُوَاجَهَةِ ; أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ هَجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا كَانَتْ الْهِجْرَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ , أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ : وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى كَلَامِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا مِنْ هِجْرَتِهِ : الَّتِي يَأْثَمُ بِهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ : لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ ; فَجَمَعَهَا , فَضَرَبَهُ بِهَا : فَإِنْ كَانَ يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ بِهَا , مَاسَّتْهُ كُلُّهَا فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ مُغَيَّبًا , [ فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً ] لَمْ يَحْنَثْ فِي الْحُكْمِ , وَيَحْنَثْ فِي الْوَرَعِ . وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } , وَذَكَرَ خَبَرَ الْمُقْعَدِ الَّذِي ضُرِبَ فِي الزِّنَا بِإِثْكَالِ النَّخْلِ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْقَضَايَا وَالشَّهَادَاتِ
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } , وَقَالَ : { إذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَمَرَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) مَنْ يُمْضِي أَمْرَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ : أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْبِتًا قَبْلَ أَنْ يُمْضِيَهُ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } , { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ الْحَسَنُ إنْ كَانَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَنْ مُشَاوَرَتِهِمْ , لَغَنِيًّا وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِذَا نَزَلَ بِالْحَاكِمِ أَمْرٌ : يَحْتَمِلُ وُجُوهًا ; أَوْ مُشْكِلٌ : انْبَغَى لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ مَنْ جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْأَمَانَةَ , وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( قِرَاءَةً عَلَيْهِ ) نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ } ; الْآيَةَ وَقَالَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ : { وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ } وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } الْآيَةَ , وَقَالَ : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) : أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ , وَعَلَى مَنْ قَبْلَهُ , وَالنَّاسِ : إذَا حَكَمُوا أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ , وَالْعَدْلُ : اتِّبَاعُ حُكْمِهِ الْمُنْزَلِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } . يَحْتَمِلُ تَسَاهُلَهُمْ فِي أَحْكَامِهِمْ وَيَحْتَمِلُ مَا يَهْوَوْنَ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ وَأُمِرَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ : لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَرَأَيْتُ أَنَّ الْحُكَّامَ قَدْ هَلَكُوا , وَلَكِنَّ اللَّهَ ( تَعَالَى ) : حَمِدَ هَذَا بِصَوَابِهِ وَأَثْنَى عَلَى هَذَا بِاجْتِهَادِهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ فِيمَا عَلِمْتُ أَنَّ ( السُّدَى ) هُوَ : الَّذِي لَا يُؤْمَرُ , وَلَا يُنْهَى .
وَمِمَّا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ } . فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ ; أَمْرَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ بِالشَّهَادَةِ ; وَمُبَاحٌ تَرْكُهَا . لَا : حَتْمًا يَكُونُ مَنْ تَرَكَهُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ . ( وَاحْتَمَلَ ) أَنْ يَكُونَ حَتْمًا مِنْهُ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ . وَاَلَّذِي أَخْتَارُ : أَنْ لَا يَدَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْإِشْهَادَ , وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا لَمْ يَبْقَ فِي أَنْفُسِهِمَا شَيْءٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ حَتْمًا فَقَدْ أَدَّيَاهُ , وَإِنْ كَانَ دَلَالَةً فَقَدْ أَخَذَا بِالْحَظِّ فِيهَا . قَالَ : وَكُلُّ مَا نَدَبَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) إلَيْهِ مِنْ فَرْضٍ , أَوْ دَلَالَةٍ فَهُوَ بَرَكَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ . أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ , إذَا كَانَ دَلَالَةً : كَانَ فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ , أَوْ أَحَدَهُمَا إنْ أَرَادَ ظُلْمًا : قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ ; فَيُمْنَعُ مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ . وَإِنْ كَانَ تَارِكًا : لَا يُمْنَعُ مِنْهُ . وَلَوْ نَسِيَ , أَوْ وَهِمَ فَجَحَدَ مُنِعَ مِنْ الْمَأْثَمِ عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ , وَكَذَلِكَ : وَرَثَتُهُمَا بَعْدَهُمَا ؟ , أَوْ لَا تَرَى أَنَّهُمَا , أَوْ أَحَدَهُمَا : لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا : أَنْ يَبِيعَ ; فَبَاعَ هُوَ رَجُلًا , وَبَاعَ وَكِيلُهُ آخَرَ : وَلَمْ يُعْرَفْ : أَيُّ الْبَيْعَيْنِ أَوَّلُ ؟ : لَمْ يُعْطَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ ; بِقَوْلِ الْبَائِعِ . وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ , فَأَثْبَتَتْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ ؟ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ ؟ , فَالشَّهَادَةُ : سَبَبُ قَطْعِ الْمَظَالِمِ , وَتَثْبِيتِ الْحُقُوقِ . وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) , ثُمَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْخَيْرُ الَّذِي لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ مَنْ تَرَكَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاَلَّذِي يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ , وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ التَّوْفِيقَ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ بِالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ ; دَلَالَةً لَا : حَتْمًا لَهُ . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } ; فَذَكَرَ أَنَّ الْبَيْعَ حَلَالٌ , وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ بَيِّنَةً . وَقَالَ فِي آيَةِ الدَّيْنِ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ } , وَالدَّيْنُ : تَبَايُعٌ , وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ فِيهِ بِالْإِشْهَادِ ; فَبَيَّنَ الْمَعْنَى : الَّذِي أَمَرَ لَهُ بِهِ . فَدَلَّ مَا بَيَّنَ اللَّهُ فِي الدَّيْنِ , عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ عَلَى النَّظَرِ وَالِاخْتِيَارِ لَا عَلَى الْحَتْمِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } ; ثُمَّ قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ : { وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } ; فَلَمَّا أَمَرَ إذَا لَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا بِالرَّهْنِ ; ثُمَّ أَبَاحَ : تَرْكَ الرَّهْنِ ; وَقَالَ : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي } فَدَلَّ عَلَى [ أَنَّ ] الْأَمْرَ الْأَوَّلَ دَلَالَةٌ عَلَى الْحَظِّ لَا فَرْضٌ مِنْهُ , يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْخَبَرِ , وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }
وَقَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } . فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْنَيَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ . وَهُوَ مِثْلُ مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِنْ أَنْ [ يَكُونَ الْأَمْرُ ] بِالْإِشْهَادِ : دَلَالَةً لَا : حَتْمًا . وَفِي قَوْلِ اللَّهِ : { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } ; كَالدَّلِيلِ عَلَى الْإِرْخَاصِ فِي تَرْكِ الْإِشْهَادِ ; لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { وَكَفَى بِاَللَّهِ حَسِيبًا } ; أَيْ إنْ لَمْ يُشْهِدُوا , ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) . ( وَالْمَعْنَى الثَّانِي ) أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ : الْمَأْمُورُ : بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مَالُهُ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ يَبْرَأُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ : إنْ جَحَدَهُ الْيَتِيمُ , وَلَا يَبْرَأُ بِغَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ مَأْمُورًا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عَلَى الدَّلَالَةِ وَقَدْ يَبْرَأُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ إذَا صَدَّقَهُ الْيَتِيمُ . وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا . وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيّ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الْوَكِيلِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَى مَنْ أَمْرِهِ الْمُوَكِّلُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ; لَمْ يَقْبَلْ [ مِنْهُ ] إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ ; لَيْسَ هُوَ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَى الْمَالِ ; كَمَا أَنَّ الْيَتَامَى لَيْسُوا الَّذِينَ ائْتَمَنُوهُ عَلَى الْمَالِ فَأَمَرَ بِالْإِشْهَادِ . وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُ , وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِمَنْ ائْتَمَنَهُ : قَدْ دَفَعْتُهُ إلَيْكَ ; فَيَقْبَلُ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ . وَذَكَرَ ( أَيْضًا ) فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بِمَعْنَاهُ .
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ , قَالَ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } . فَسَمَّى اللَّهُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْفَاحِشَةِ هَا هُنَا ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : الزِّنَا أَرْبَعَةَ شُهُودٍ . فَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ , لَا امْرَأَةَ فِيهِمْ : لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الشُّهَدَاءِ : الرِّجَالُ خَاصَّةً ; دُونَ النِّسَاءِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي الْحُجَّةِ عَلَى هَذَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } . فَأَمَرَ اللَّهُ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ بِالشَّهَادَةِ , وَسَمَّى فِيهَا عَدَدَ الشَّهَادَةِ ; فَانْتَهَى إلَى شَاهِدَيْنِ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَمَالَ الشَّهَادَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ : شَاهِدَانِ لَا نِسَاءَ فِيهِمَا ; لِأَنَّ شَاهِدَيْنِ لَا يَحْتَمِلُ بِحَالٍ , أَنْ يَكُونَا إلَّا رَجُلَيْنِ . وَدَلَّ أَنِّي لَمْ أَلْقَ مُخَالِفًا : حَفِظْتُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حَرَامًا أَنْ يُطَلِّقَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : دَلَالَةُ اخْتِيَارٍ . وَاحْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّجْعَةِ مِنْ هَذَا . مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقُ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَالِاخْتِيَارُ فِي هَذَا , وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا أَمَرَ فِيهِ [ بِالشَّهَادَةِ ] : الْإِشْهَادُ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ : { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } الْآيَةَ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا : , وَقَالَ فِي سِيَاقِهَا : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ فَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) شُهُودَ الزِّنَا , وَذَكَرَ شُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ , وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ يَعْنِي : [ فِي ] قوله تعالى : { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } . فَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُمْ امْرَأَةً . فَوَجَدْنَا شُهُودَ الزِّنَا عَلَى حَدٍّ , لَا مَالٍ : وَشُهُودَ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى تَحْرِيمٍ بَعْدَ تَحْلِيلٍ , وَتَثْبِيتِ تَحْلِيلٍ لَا مَالَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا . وَذَكَرَ شُهُودَ الْوَصِيَّةِ وَلَا مَالَ لِلْمَشْهُودِ أَنَّهُ وَصِيٌّ . ثُمَّ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَالَفَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الزِّنَا إلَّا الرِّجَالُ . وَعَلِمْتُ أَكْثَرَهُمْ قَالَ : وَلَا فِي طَلَاقٍ وَلَا رَجْعَةٍ إذَا تَنَاكَرَ الزَّوْجَانِ , وَقَالُوا ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ . فَكَانَ مَا حَكَيْتُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ . دَلَالَةً عَلَى مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) , وَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ , وَيُصَارَ إلَيْهِ . وَذَكَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) شُهُودَ الدَّيْنِ فَذَكَرَ فِيهِمْ النِّسَاءَ , وَكَانَ الدَّيْنُ أَخْذَ مَالٍ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ . فَالْأَمْرُ عَلَى مَا فَرَّقَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بَيْنَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الشَّهَادَاتِ أَنْ يُنْظَرَ : كُلُّ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ , فَكَانَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ نَفْسِهَا مَالٌ , وَكَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ بِهَا حَقٌّ غَيْرِ مَالٍ أَوْ شَهِدَ بِهِ لِرَجُلٍ : كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَالًا لِنَفْسِهِ ; إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ غَيْرَ مَالٍ مِثْلُ الْوَصِيَّةِ , وَالْوَكَالَةِ , وَالْقِصَاصِ , وَالْحُدُودِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ . وَيُنْظَرُ : كُلُّ مَا شُهِدَ بِهِ مِمَّا أَخَذَ بِهِ الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ , مَالًا فَتُجَازَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازَهُنَّ اللَّهُ فِيهِ فَيَجُوزُ قِيَاسًا لَا يَخْتَلِفُ هَذَا الْقَوْلُ , وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } . فَأَمَرَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) بِضَرْبِهِ , وَأَمَرَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ ; وَسَمَّاهُ فَاسِقًا ثُمَّ اسْتَثْنَى [ لَهُ ] إلَّا أَنْ يَتُوبَ . وَالثُّنْيَا فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ ; فِي جَمِيعِ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ خَبَرٌ . وَرَوَى الشَّافِعِيُّ قَبُولَ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ : إذَا تَابَ ; عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ( رضي الله عنه ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ( رضي الله عنه ) ; ثُمَّ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ . قَالَ : وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ الْقَاذِفِ فَقَالَ : يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ .
أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } , وَحُكِيَ أَنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ ( عليهم السلام ) وَصَفُوا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ كَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ ; فَحُكِيَ أَنَّ كَبِيرَهُمْ قَالَ : { ارْجِعُوا إلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إنَّ ابْنَك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَلَا يَسَعُ شَاهِدًا , أَنْ يَشْهَدَ إلَّا بِمَا عَلِمَ . وَالْعِلْمُ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ : ( مِنْهَا ) مَا عَايَنَهَا الشَّاهِدُ فَيَشْهَدُ بِالْمُعَايَنَةِ ( وَمِنْهَا ) مَا سَمِعَهُ ; فَيَشْهَدُ أَثْبَتَ سَمْعًا مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ . ( وَمِنْهَا ) مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ : مِمَّا لَا يُمْكِنُ فِي أَكْثَرِ الْعِيَانِ . وَثَبَتَتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقُلُوبِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَجْهِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ . وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ : مِنْ الْقِيَامِ بِشَهَادَتِهِ ; إذَا شَهِدَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ } الْآيَة . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } الْآيَةَ وَقَالَ { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ } , وَقَالَ : { وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } الْآيَةَ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : الَّذِي أَحْفَظُ عَنْ كُلِّ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ; فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّهُ فِي الشَّاهِدِ : قَدْ لَزِمَتْهُ الشَّهَادَةُ , وَأَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ , وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ , وَلِلْبَغِيضِ : [ الْبَعِيدِ ] وَالْقَرِيبِ , وَلَا يَكْتُمَ عَنْ أَحَدٍ , وَلَا يُحَابِيَ بِهَا , وَلَا يَمْنَعَهَا أَحَدًا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) ; قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ } : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا عَلَى مَنْ دُعِيَ لِكِتَابٍ ; فَإِنْ تَرَكَهُ تَارِكٌ : كَانَ عَاصِيًا . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ [ عَلَى ] مَنْ حَضَرَ مِنْ الْكُتَّابِ أَنْ لَا يُعَطِّلُوا كِتَابَ حَقٍّ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ; فَإِذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ . كَمَا حُقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الْجَنَائِزِ وَيَدْفِنُوهَا ; فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ يَكْفِيهَا أَخْرَجَ ذَلِكَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِنْ الْمَأْثَمِ . وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ بِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ : وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } يَحْتَمِلُ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنْ لَا يَأْبَى كُلُّ شَاهِدٍ : اُبْتُدِئَ , فَيُدْعَى : لِيَشْهَدَ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا عَلَى مَنْ حَضَرَ أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لِلشَّهَادَةِ ; فَإِذَا شَهِدُوا أَخْرَجُوا غَيْرَهُمْ مِنْ الْمَأْثَمِ , وَإِنْ تَرَكَ مَنْ حَضَرَ الشَّهَادَةَ : خِفْتُ حَرَجَهُمْ ; بَلْ لَا شَكَّ فِيهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَهَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ [ بِهِ ] , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ فَأَمَّا مَنْ سَبَقَتْ شَهَادَتُهُ : بِأَنْ شَهِدَ ; أَوْ عَلِمَ حَقًّا : لِمُسْلِمٍ , أَوْ مُعَاهِدٍ فَلَا يَسَعْهُ التَّخَلُّفُ عَنْ تَأْدِيَةِ الشَّهَادَةِ مَتَى طُلِبَ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ مَقْطَعِ الْحَقِّ .
( أَنْبَأَنِي ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ حَدَّثَهُمْ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله تَعَالَى ) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } . فَكَانَ الَّذِي يَعْرِفُ مَنْ خُوطِبَ بِهَذَا , أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ : الْأَحْرَارُ , الْمَرْضِيُّونَ , الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِبَلِ : أَنَّ رِجَالَنَا وَمَنْ نَرْضَى مِنْ أَهْلِ دِينِنَا لَا : الْمُشْرِكُونَ ; لِقَطْعِ اللَّهِ الْوِلَايَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِالدِّينِ وَرِجَالُنَا أَحْرَارُنَا لَا : مَمَالِيكُنَا الَّذِينَ يَغْلِبُهُمْ مَنْ تَمَلَّكَهُمْ , عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِمْ : وَأَنَّا لَا نَرْضَى أَهْلَ الْفِسْقِ مِنَّا , وَأَنَّ الرِّضَا إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْعُدُولِ مِنَّا , وَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْبَالِغِينَ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ : الْبَالِغُونَ ; دُونَ : مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } إلَى : { مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } , وقوله تعالى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } ; دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ) إنَّمَا عَنَى : الْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ . ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إلَى أَنْ قَالَ : وَمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ , فَأَعْدَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ بِاَللَّهِ شِرْكًا : أَسْجَدُهُمْ لِلصَّلِيبِ , وَأَلْزَمُهُمْ لِلْكَنِيسَةِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أَيْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ فَقَدْ ] سَمِعْت مَنْ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ , عَلَى مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالتَّنْزِيلُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ } , وَالصَّلَاةُ الْمُوَقَّتَةُ : لِلْمُسْلِمِينَ . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } وَإِنَّمَا الْقَرَابَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : مِنْ الْعَرَبِ أَوْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ . لَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ . وَقَوْلُ [ اللَّهِ ] : { وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ } ; فَإِنَّمَا يَتَأَثَّمُ مِنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ [ لِلْمُسْلِمِينَ ] : الْمُسْلِمُونَ لَا أَهْلُ الذِّمَّةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يَذْكُرُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ثُمَّ جَرَى فِي سِيَاقِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ( رحمه الله ) أَنَّهُ قَالَ : قُلْت لَهُ إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ ; أَفَتُجِيزُهَا فِي وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ فِي السَّفَرِ ؟ قَالَ : لَا . قُلْتُ أَوْ تُحَلِّفُهُمْ إذَا شَهِدُوا ؟ قَالَ : لَا . قُلْتُ : وَلِمَ وَقَدْ تَأَوَّلْت أَنَّهَا فِي وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ ؟ , قَالَ : لِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قُلْتُ فَإِنْ نُسِخَتْ فِيمَا أُنْزِلَتْ فِيهِ فَلِمَ تُثْبِتُهَا فِيمَا لَمْ تُنْزَلْ فِيهِ ؟ , وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) عَنْ الْآيَةِ بِجَوَابٍ آخَرَ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ , وَغَيْرِهِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ . وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو , قَالَ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ . أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيدٍ مُعَاذُ بْنُ مُوسَى الْجَعْفَرِيُّ عَنْ بُكَيْر بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ ( قَالَ بُكَيْر : قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مُجَاهِدٍ , وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } الْآيَةَ . أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلِ دَارِينَ ; أَحَدُهُمَا تَمِيمِيٌّ ; وَالْآخَرُ يَمَانِيٌّ ; ( وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ دَارِينَ أَحَدُهُمَا . تَمِيمٌ , وَالْآخَرُ : عَدِيٌّ ) . : صَحِبَهُمَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ فِي تِجَارَةٍ , فَرَكِبُوا الْبَحْرَ : وَمَعَ الْقُرَشِيِّ مَالٌ مَعْلُومٌ , قَدْ عَلِمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ بَيْنِ آنِيَةٍ وَبَزٍّ وَرِقَةٍ وَغَيْرِهَا فَمَرِضَ الْقُرَشِيُّ فَجَعَلَ وَصِيَّتَهُ إلَى الدَّارِيَيْنِ ; فَمَاتَ , وَقَبَضَ الدَّارِيَانِ الْمَالَ وَالْوَصِيَّةَ : فَدَفَعَاهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ , وَجَاءَا بِبَعْضِ مَالِهِ فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ قِلَّةَ الْمَالِ , فَقَالُوا لِلدَّاريِّينَ إنَّ صَاحِبَنَا قَدْ خَرَجَ : وَمَعَهُ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا أَتَيْتُمُونَا بِهِ ; فَهَلْ بَاعَ شَيْئًا , أَوْ اشْتَرَى [ شَيْئًا ] فَوَضَعَ فِيهِ أَوْ هَلْ طَالَ مَرَضُهُ فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ ؟ قَالَا : لَا قَالُوا فَإِنَّكُمَا خُنْتُمُونَا فَقَبَضُوا الْمَالَ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمَا إلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ . فَلَمَّا نَزَلَتْ : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ } أَمَرَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) الدَّارِيَيْنِ ; فَقَامَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ مَا تَرَكَ مَوْلَاكُمْ مِنْ الْمَالِ , إلَّا مَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ , وَإِنَّا لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنْ الدُّنْيَا { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ } . فَلَمَّا حَلَفَا : خَلَّى سَبِيلَهُمَا . ثُمَّ إنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ إنَاءً مِنْ آنِيَةِ الْمَيِّتِ ; فَأَخَذَ الدَّارِيَانِ , فَقَالَا : اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ , وَكَذَبَا ; فَكُلِّفَا الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَيْهَا . فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنْ عُثِرَ } يَقُولُ : فَإِنْ اُطُّلِعَ { عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا } يَعْنِي : الدَّارِيَيْنِ ; [ أَيْ ] : كَتَمَا حَقًّا ; { فَآخَرَانِ } مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ ; { يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ إنَّ مَالَ صَاحِبِنَا كَانَ كَذَا وَكَذَا , وَإِنَّ الَّذِي نَطْلُبُ قِبَلَ الدَّارِيَيْنِ لَحَقٌّ ; { وَمَا اعْتَدَيْنَا إنَّا إذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ } . فَهَذَا : قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا } يَعْنِي : الدَّارِيَيْنِ وَالنَّاسَ ; [ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ ] . [ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَعْنِي مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِ الدَّارِيَيْنِ ] مِنْ النَّاسِ . وَلَا أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى : غَيْرَ جُمْلَةِ مَا قَالَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } أَيْمَانُ بَيْنِكُمْ ; كَمَا سُمِّيَتْ أَيْمَانُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ شَهَادَةً , وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ إلَى أَنْ قَالَ : وَلَيْسَ فِي هَذَا رَدُّ الْيَمِينِ , إنَّمَا كَانَتْ يَمِينُ الدَّارِيَيْنِ عَلَى مَا ادَّعَى الْوَرَثَةُ مِنْ الْخِيَانَةِ , وَيَمِينُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ عَلَى مَا ادَّعَى الدَّارِيَانِ أَنَّهُ صَارَ لَهُمَا مِنْ قِبَلِهِ . وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } , فَذَلِكَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) أَنَّ الْأَيْمَانَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ بِدَعْوَى الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ اخْتَانُوا ; ثُمَّ صَارَ الْوَرَثَةُ حَالِفِينَ : بِإِقْرَارِهِمْ أَنَّ هَذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ , وَادِّعَائِهِمْ شِرَاءَهُ مِنْهُ . فَجَازَ أَنْ يُقَالَ : { أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } [ تُثَنَّى عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ . بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إنْ صَارَتْ لَهُمْ الْأَيْمَانُ ; كَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَهُمْ ] . وَذَلِكَ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : { يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } فَيَحْلِفَانِ كَمَا أُحْلِفَا . وَإِذَا كَانَ هَذَا كَمَا وَصَفْتُ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةً , وَلَا مَنْسُوخَةً . قَالَ الشَّيْخُ : وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , مَا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ } : الشَّهَادَةَ نَفْسَهَا . وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّعِي اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . يَشْهَدَانِ لَهُمْ بِمَا ادَّعُوا عَلَى الدَّارِيَيْنِ مِنْ الْخِيَانَةِ . ثُمَّ قَالَ : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِينَ مِنْكُمْ ; بَيِّنَةٌ فَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ يَعْنِي : فَالدَّارِيَّانِ اللَّذَانِ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمَا يُحْبَسَانِ مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ . { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } يَعْنِي يَحْلِفَانِ عَلَى إنْكَارِ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا حَكَاهُ مُقَاتِلٌ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ ,
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْتُ : مِنْ أَنْ يَسْتَحْلِفَ النَّاسُ : فِيمَا بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ , وَعَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } , وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : [ هِيَ ] صَلَاةُ الْعَصْرِ , ثُمَّ ذَكَرَ شَهَادَةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ , وَغَيْرَهَا .
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ , أَنَّهُ قَالَ : زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } : مَا جَعَلَ لِرَجُلٍ : مِنْ أَبَوَيْنِ ; فِي الْإِسْلَامِ .
يتبع | |
| | | الفارس مشرف
عدد الرسائل : 525 العمر : 29 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : جوجل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:50 | |
| قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاسْتَدَلَّ بِسِيَاقِ الْآيَةِ : قوله تعالى { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } . قَالَ الشَّيْخُ : قَدْ رَوَيْنَا هَذَا عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ , وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْقُرْعَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوَلَاءِ
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ( إجَازَةً ) عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( رحمه الله ) , قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إذْ أَبَقَ إلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ } . فَأَصْلُ الْقُرْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فِي قِصَّةِ الْمُقْتَرِعِينَ [ عَلَى مَرْيَمَ ] , وَالْمُقَارِعِينَ يُونُسَ ( عليه السلام ) مُجْتَمِعَةٌ وَلَا تَكُونُ الْقُرْعَةُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) . إلَّا بَيْنَ الْقَوْمِ مُسْتَوِينَ فِي الْحُجَّةِ . وَلَا يَعْدُو ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) الْمُقْتَرِعُونَ عَلَى مَرْيَمَ ( عليها السلام ) , أَنْ يَكُونُوا : كَانُوا سَوَاءً فِي كَفَالَتِهَا ; فَتَنَافَسُوهَا لَمَّا كَانَ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ وَاحِدٍ , أَرْفَقَ بِهَا . لِأَنَّهَا لَوْ صُيِّرَتْ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ , وَعِنْدَ غَيْرِهِ مِثْلِ ذَلِكَ : أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَضَرَّ بِهَا ; مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْكَافِلَ إذَا كَانَ وَاحِدًا : كَانَ أَعَطَفَ لَهُ عَلَيْهَا , وَأَعْلَمَ لَهُ ] بِمَا فِيهِ مُصْلِحَتُهَا : لِلْعِلْمِ : بِأَخْلَاقِهَا , وَمَا تَقْبَلُ , وَمَا تَرُدُّ , وَ [ مَا ] يَحْسُنُ [ بِهِ ] اغْتِذَاؤُهَا . وَكُلُّ مَنْ اعْتَنَفَ كَفَالَتَهَا , كَفَلَهَا : غَيْرَ خَابِرٍ بِمَا يُصْلِحُهَا , وَلَعَلَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى صَلَاحِهَا : حَتَّى تَصِيرَ إلَى غَيْرِهِ ; فَيَعْتَنِفُ مِنْ كَفَالَتِهَا ; [ مَا اعْتَنَفَ ] غَيْرُهُ . وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ يَصِحُّ , وَذَلِكَ أَنَّ وِلَايَةَ وَاحِدٍ إذَا كَانَتْ صَبِيَّةً غَيْرَ مُمْتَنِعَةٍ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْهُ مَنْ عَقَلَ يَسْتُرُ مَا يَنْبَغِي سِتْرُهُ كَانَ أَكْرَمَ لَهَا , وَأَسْتَرَ عَلَيْهَا أَنْ يَكْفُلَهَا وَاحِدٌ , دُونَ الْجَمَاعَةِ . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كَافِلٍ , وَيَغْرَمُ مَنْ بَقِيَ مُؤْنَتَهَا : بِالْحِصَصِ كَمَا تَكُونُ الصَّبِيَّةُ عِنْدَ خَالَتِهَا , وَعِنْدَ أُمِّهَا : وَمُؤْنَتُهَا : عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا . قَالَ : وَلَا يَعْدُو الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عليها السلام أَنْ يَكُونُوا تَشَاحُّوا عَلَى كَفَالَتِهَا فَهُوَ : أَشْبَهُ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَوْ يَكُونُوا تَدَافَعُوا كَفَالَتَهَا ; فَاقْتَرَعُوا : أَيُّهُمْ تَلْزَمُهُ ؟ فَإِذَا رَضِيَ مَنْ شَحَّ عَلَى كَفَالَتِهَا , أَنْ يَمُونَهَا لَمْ يُكَلِّفْ غَيْرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا ; . شَيْئًا . بِرِضَاهُ بِالتَّطَوُّعِ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ قَالَ : وَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ فَالْقُرْعَةُ تُلْزِمُ أَحَدَهُمْ مَا يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ تُخَلِّصُ لَهُ مَا تَرْغَبُ فِيهِ نَفْسُهُ , وَتَقْطَعُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ . وَهَكَذَا [ مَعْنَى ] قُرْعَةِ يُونُسَ ( عليه السلام ) لَمَّا وَقَفَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ , فَقَالُوا مَا يَمْنَعُهَا أَنْ تَجْرِيَ إلَّا عِلَّةٌ بِهَا , وَمَا عِلَّتُهَا إلَّا : ذُو ذَنْبٍ فِيهَا ; فَتَعَالَوْا : نَقْتَرِعُ . فَاقْتَرَعُوا فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونُسَ ( عليه السلام ) فَأَخْرَجُوهُ مِنْهَا , وَأَقَامُوا فِيهَا . وَهَذَا مِثْلُ مَعْنَى الْقُرْعَةِ فِي الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عليها السلام ; لِأَنَّ حَالَةَ الرُّكْبَانِ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حُكْمٌ يُلْزِمُ أَحَدَهُمْ فِي مَالِهِ , شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ , وَيُزِيلُ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا : كَانَ يَلْزَمُهُ فَهُوَ يَثْبُتُ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ , وَيُبَيِّنُ فِي بَعْضٍ : أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ كَمَا كَانَ فِي الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عليها السلام : غُرْمٌ , وَسُقُوطُ غُرْمٍ . قَالَ : وَقُرْعَةُ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقْرَعَ فِيهِ : [ فِي ] مِثْلِ مَعْنَى الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ عليها السلام , سَوَاءً : لَا يُخَالِفُهُ . وَذَلِكَ : أَنَّهُ ( عليه السلام ) أَقْرَعَ بَيْنَ مَمَالِيكَ أُعْتِقُوا مَعًا فَجَعَلَ الْعِتْقَ : تَامًّا لِثُلُثِهِمْ , وَأَسْقَطَ عَنْ ثُلُثَيْهِمْ بِالْقُرْعَةِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتِقَ فِي مَرَضِهِ أَعْتَقَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ فَجَازَ عِتْقُهُ فِي مَالِهِ . وَلَمْ يَجُزْ فِي مَالِ غَيْرِهِ . فَجَمَعَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) الْعِتْقَ فِي ثَلَاثَةٍ , وَلَمْ يُبَعِّضْهُ كَمَا يُجْمَعُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ , وَلَا يُبَعِّضُ عَلَيْهِمْ . وَكَذَلِكَ : كَانَ إقْرَاعُهُ لِنِسَائِهِ أَنْ يَقْسِمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي الْحَضَرِ ; فَلَمَّا كَانَ فِي السَّفَرِ : كَانَ مَنْزِلَةً يَضِيقُ فِيهَا الْخُرُوجُ بِكُلِّهِنَّ ; فَأَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا : خَرَجَ بِهَا , وَسَقَطَ حَقُّ غَيْرِهَا فِي غِيبَتِهِ بِهَا ; فَإِذَا حَضَرَ عَادَ لِلْقَسْمِ لِغَيْرِهَا , وَلَمْ يَحْسِبْ عَلَيْهَا أَيَّامَ سَفَرِهَا وَكَذَلِكَ : قَسَمَ خَيْبَرَ : [ فَكَانَ ] أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ حَضَرَ ; ثُمَّ أَقْرَعَ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى جُزْءٍ مُجْتَمِعٍ : كَانَ لَهُ بِكَمَالِهِ , وَانْقَطَعَ مِنْهُ حَقُّ غَيْرِهِ , وَانْقَطَعَ حَقُّهُ عَنْ غَيْرِهِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ , قَالَ : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا } الْآيَةَ , وَقَالَ : { وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ } ; فَنَسَبَ إبْرَاهِيمَ عليه السلام ) إلَى أَبِيهِ : وَأَبُوهُ كَافِرٌ , وَنَسَبَ [ ابْنَ ] نُوحٍ إلَى أَبِيهِ : وَابْنُهُ كَافِرٌ . وَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ { اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } ; فَنَسَبَ الْمَوَالِيَ إلَى نَسَبَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) إلَى الْآبَاءِ ; ( وَالْآخَرُ ) إلَى الْوَلَاءِ . وَجَعَلَ الْوَلَاءَ بِالنِّعْمَةِ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) { : إنَّمَا الْوَلَاءُ : لِمَنْ أَعْتَقَ } فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ : لِمُتَقَدِّمِ فِعْلٍ مِنْ الْمُعْتِقِ ; كَمَا يَكُونُ النَّسَبُ بِمُتَقَدِّمِ وِلَادٍ [ مِنْ الْأَبِ ] . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي امْتِنَاعِهِمْ مِنْ تَحْوِيلِ الْوَلَاءِ عَنْ الْمُعْتِقِ , إلَى غَيْرِهِ : بِالشَّرْطِ : كَمَا يَمْتَنِعُ تَحْوِيلُ النَّسَبِ بِالِانْتِسَابِ إلَى غَيْرِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ النَّسَبُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ , قَالَ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . { وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ } ; دَلَالَةٌ : عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ : أَنْ يُكَاتَبَ مَنْ يَعْقِلُ ; مَا يَطْلُبُ لَا مَنْ لَا يَعْقِلُ أَنْ يَبْتَغِيَ الْكِتَابَةَ مِنْ صَبِيٍّ , وَلَا : مَعْتُوهٍ أَنَا ) أَبُو سَعِيدٍ نَا أَبُو الْعَبَّاسِ , أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ مَا الْخَيْرُ ؟ الْمَالُ ؟ أَوْ الصَّلَاحُ ؟ أَمْ كُلُّ ذَلِكَ ؟ قَالَ مَا نَرَاهُ إلَّا الْمَالَ ; قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ : وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ ؟ قَالَ مَا أَحْسَبُ مَا خَيْرًا إلَّا : ذَلِكَ الْمَالَ لَا : الصَّلَاحَ . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِدٌ { إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } الْمَالَ ; كَائِنَةً أَخْلَاقُهُمْ وَأَدْيَانُهُمْ مَا كَانَتْ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْخَيْرُ كَلِمَةٌ يُعْرَفُ مَا أُرِيدَ بِهَا , بِالْمُخَاطَبَةِ بِهَا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } ; فَعَقَلْنَا أَنَّهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ : بِالْإِيمَانِ وَعَمَلِ الصَّالِحَاتِ لَا بِالْمَالِ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } ; فَعَقَلْنَا أَنَّ الْخَيْرَ : الْمَنْفَعَةُ بِالْأَجْرِ لَا أَنَّ فِي الْبُدْنِ لَهُمْ مَالًا . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا } ; فَعَقَلْنَا أَنَّهُ إنْ تَرَكَ مَالًا ; لِأَنَّ الْمَالَ : الْمَتْرُوكُ , وَلِقَوْلِهِ : { الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } . فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } كَانَ أَظْهَرَ مَعَانِيهَا بِدَلَالَةِ مَا اسْتَدْلَلْنَا بِهِ مِنْ الْكِتَابِ . قُوَّةً عَلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ , وَأَمَانَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ : قَوِيًّا فَيَكْسِبُ ; فَلَا يُؤَدِّي إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا أَمَانَةٍ . وَأَمِينًا , فَلَا يَكُونُ قَوِيًّا عَلَى الْكَسْبِ فَلَا يُؤَدِّي . وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) فِي قوله تعالى : { إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } . إلَّا هَذَا . وَلَيْسَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ إنْ عَلِمْت فِي عَبْدِك مَالًا ; لِمَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْمَالَ لَا يَكُونُ فِيهِ ; إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَهُ لَا فِيهِ . وَلَكِنْ يَكُونُ فِيهِ الِاكْتِسَابُ : الَّذِي يُفِيدُهُ الْمَالَ . ( وَالثَّانِي ) أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ : فَكَيْفَ يُكَاتِبُهُ بِمَالِهِ ؟ , إنَّمَا يُكَاتِبُهُ بِمَا يُفِيدُ الْعَبْدَ : بَعْدَ الْكِتَابَةِ . لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ , يُمْنَعُ مَا [ أَفَادَ ] الْعَبْدُ : لِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ . وَلَعَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْخَيْرَ : الْمَالُ ; [ أَرَادَ ] أَنَّهُ أَفَادَ بِكَسْبِهِ مَالًا لِلسَّيِّدِ فَيَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ مَالًا يُعْتِقُ بِهِ ; كَمَا أَفَادَ أَوَّلًا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِذَا جَمَعَ الْقُوَّةَ عَلَى الِاكْتِسَابِ , وَالْأَمَانَةَ : فَأَحَبُّ إلَيَّ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ . وَلَا يُبَيِّنُ لِي أَنْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ يَكُونَ إرْشَادًا , أَوْ إبَاحَةً ; [ لَا : حَتْمًا ] . وَقَدْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ , عَدَدٌ : مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ , وَاحْتَجَّ فِي جُمْلَةِ مَا ذَكَرَ : بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ . وَاجِبًا : لَكَانَ مَحْدُودًا بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكِتَابَةِ أَوْ لِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ , نا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ نا الشَّافِعِيُّ : أَنَا الثِّقَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا ; وَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسَةَ آلَافٍ . أَحْسِبُهُ قَالَ مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَهَذَا عِنْدِي ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ } . فَيُجْبَرُ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ . شَيْئًا ; [ وَإِذَا وَضَعَ عَنْهُ شَيْئًا ] مَا كَانَ : [ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ ] . وَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْكِتَابَةَ كُلَّهَا , فَعَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا , وَيُعْطِيَهُ مِمَّا أَخَذَ مِنْهُ : لِأَنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } ; يُشْبِهُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : آتَاكُمْ مِنْهُمْ ; فَإِذَا أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ .
مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي التَّفْسِيرِ فِي آيَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ سِوَى مَا مَضَى
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ : الْمُسْتَدْرَكِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ ( مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ) أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ نا ابْنُ جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَةَ , قَالَ : دَخَلْت عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهُ , وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْت مَا يَبْكِيك يَا أَبَا عَبَّاسٍ ؟ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك . فَقَالَ : هَلْ تَعْرِفُ ( أَيْلَةَ ) ؟ قُلْت : وَمَا ( أَيْلَةُ ) ؟ قَالَ : قَرْيَةٌ كَانَ بِهَا نَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ ; فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْحِيتَانَ يَوْمَ السَّبْتِ ; فَكَانَتْ حِيتَانُهُمْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ : شُرَّعًا بِيضٌ سِمَانٌ : كَأَمْثَالِ الْمَخَاضِ بِأَفْنِيَاتِهِمْ وَأَبْنِيَاتِهِمْ ; فَإِذَا كَانَ فِي غَيْرِ يَوْمِ السَّبْتِ لَمْ يَجِدُوهَا , وَلَمْ يُدْرِكُوهَا إلَّا فِي مَشَقَّةٍ وَمُؤْنَةٍ شَدِيدَةٍ ; فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ : لَعَلَّنَا : لَوْ أَخَذْنَاهَا يَوْمَ السَّبْتِ , وَأَكَلْنَاهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ السَّبْتِ ؟ , فَفَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْهُمْ فَأَخَذُوا فَشَوَوْا فَوَجَدَ جِيرَانُهُمْ رِيحَ الشَّوِيِّ , فَقَالُوا : وَاَللَّهِ مَا نُرَى إلَّا أَصَابَ بَنِي فُلَانٍ شَيْءٌ . فَأَخَذَهَا آخَرُونَ : حَتَّى فَشَا ذَلِكَ فِيهِمْ فَكَثُرَ ; فَافْتَرَقُوا فِرَقًا ثَلَاثًا فِرْقَةً أَكَلَتْ ; وَفِرْقَةً : نَهَتْ , وَفِرْقَةً قَالَتْ ; { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } فَقَالَتْ الْفِرْقَةُ الَّتِي نَهَتْ إنَّا نُحَذِّرُكُمْ غَضَبَ اللَّهِ , وَعِقَابَهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ : بِخَسْفٍ , أَوْ قَذْفٍ أَوْ بِبَعْضِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَذَابِ , وَاَللَّهِ : لَا نُبَايِتُكُمْ فِي مَكَان : وَأَنْتُمْ فِيهِ . ( قَالَ ) فَخَرَجُوا مِنْ الْبُيُوتِ ; فَغَدَوْا عَلَيْهِمْ مِنْ الْغَدِ فَضَرَبُوا بَابَ الْبُيُوتِ فَلَمْ يُجِبْهُمْ أَحَدٌ ; فَأَتَوْا بِسُلَّمٍ : فَأَسْنَدُوهُ إلَى الْبُيُوتِ ; ثُمَّ رَقَى مِنْهُمْ رَاقٍ عَلَى السُّوَرِ , فَقَالَ يَا عِبَادَ اللَّهِ ; قِرَدَةٌ ( وَاَللَّهِ ) : لَهَا أَذْنَابٌ , تَعَاوَى ( ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) . ثُمَّ نَزَلَ مِنْ السُّوَرِ فَفَتَحَ الْبُيُوتَ ; فَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ فَعَرَفَتْ الْقُرُودُ أَنْسَابَهَا مِنْ الْإِنْسِ , وَلَمْ يَعْرِفْ الْإِنْسُ أَنْسَابَهَا مِنْ الْقُرُودِ . ( قَالَ ) فَيَأْتِي الْقِرْدُ إلَى نَسِيبِهِ وَقَرِيبِهِ مِنْ الْإِنْسِ ; فَيَحْتَكُّ بِهِ وَيَلْصَقُ , وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَنْتَ فُلَانٌ ؟ فَيُشِيرُ بِرَأْسِهِ أَيْ : نَعَمْ . وَيَبْكِي . وَتَأْتِي الْقِرْدَةُ إلَى نَسِيبِهَا وَقَرِيبِهَا مِنْ الْإِنْسِ ; فَيَقُولُ لَهَا الْإِنْسَانُ أَنْتِ فُلَانَةُ ؟ فَتُشِيرُ بِرَأْسِهَا أَيْ : نَعَمْ : وَتَبْكِي فَيَقُولُ لَهَا الْإِنْسَانُ : إنَّا حَذَّرْنَاكُمْ غَضَبَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ بِخَسْفٍ , أَوْ مَسْخٍ أَوْ بِبَعْضِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَذَابِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَاسْمَعْ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { فَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } فَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَتْ الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ مُنْكِرٍ ; فَلَمْ نَنْهَ عَنْهُ . قَالَ عِكْرِمَةُ : أَلَا تَرَى ( جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك ) أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وَكَرِهُوا ; حِينَ قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } فَأَعْجَبَهُ قَوْلِي ذَلِكَ وَأَمَرَ لِي بِبُرْدَيْنِ غَلِيظَيْنِ ; فَكَسَانِيهِمَا .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ : ( فِي آخَرِينَ ) ; قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ : أَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ ; قَالَ : لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : يَسْأَلُ عَنْ السَّاعَةِ ; حَتَّى أَنْزَلَ عَلَيْهِ : { فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا } ; فَانْتَهَى .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الطُّوسِيُّ ) نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ , قَالَ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ } . قَالَ : يُقَالُ : هُوَ الْغِنَاءُ ; بِالْحِمْيَرِيَّةِ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : غِضَابٌ مُبَرْطِمُونَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : [ مِنْ ] السُّمُودِ [ وَ ] كُلُّ مَا يُحَدَّثُ الرَّجُلُ [ بِهِ ] : فَلَهَى عَنْهُ , وَلَمْ يَسْتَمِعْ إلَيْهِ فَهُوَ : السُّمُودُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مُقَسِّمٍ ( بِبَغْدَادَ ) , يَقُولُ : سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارَ , يَقُولُ : سَمِعْت أَبَا ثَوْرٍ يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : الْفَصَاحَةُ إذَا اسْتَعْمَلْتهَا فِي الطَّاعَةِ . أَشْفَى وَأَكْفَى فِي الْبَيَانِ وَأَبْلَغُ فِي الْإِعْذَارِ . لِذَلِكَ : [ دَعَا ] مُوسَى رَبَّهُ , فَقَالَ : { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي } , وَقَالَ : { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا } لِمَا عَلِمَ أَنَّ الْفَصَاحَةَ أَبْلَغُ فِي الْبَيَانِ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ , سَمِعْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي عَمْرٍو الْبَلْخِيَّ , يَقُولُ : سَمِعْت عَبْدَ الْمُنْعِمِ بْنَ عُمَرَ الْأَصْفَهَانِيَّ , [ يَقُولُ ] : نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ , وَالْحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ , وَالزَّعْفَرَانِيّ , وَأَبُو ثَوْرٍ ; كُلُّهُمْ قَالُوا : سَمِعْنَا مُحَمَّدَ بْنَ إدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ , يَقُولُ : نَزَّهَ اللَّهُ ( عَزَّ وَجَلَّ ) نَبِيَّهُ , وَرَفَعَ قَدْرَهُ وَعِلْمَهُ وَأَدَبَهُ , وَقَالَ : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } . وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي أَحْوَالٍ شَتَّى : مُتَوَكِّلٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ أَوْ عَلَى زَرْعِهِ أَوْ عَلَى سُلْطَانٍ أَوْ عَلَى عَطِيَّةِ النَّاسِ . وَكُلُّ مُسْتَنِدٍ إلَى حَيٍّ يَمُوتُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ يَفْنَى يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِ . فَنَزَّهَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وسلم ) ; وَأَمَرَهُ : أَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاسْتَنْبَطْت الْبَارِحَةَ آيَتَيْنِ فَمَا أَشْتَهِي , بِاسْتَنْباطِهِمَا , الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا : { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إلَّا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ } , وَفِي كِتَابِ اللَّهِ هَذَا كَثِيرٌ : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } ; فَتَعَطَّلَ الشُّفَعَاءُ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ . وَقَالَ فِي سُورَةِ هُودٍ عليه السلام : { وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } ; فَوَعَدَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ تَابَ : مُسْتَغْفِرًا التَّمَتُّعَ إلَى الْمَوْتِ ; ثُمَّ قَالَ : { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أَيْ : فِي الْآخِرَةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَلَسْنَا نَحْنُ تَائِبِينَ عَلَى حَقِيقَةٍ , وَلَكِنْ عِلْمٌ عَلِمَهُ اللَّهُ مَا حَقِيقَةُ التَّائِبِينَ : وَقَدْ مُتِّعْنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا تَمَتُّعًا حَسَنًا ؟ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاسْتَنْبَطْت الْبَارِحَةَ آيَتَيْنِ فَمَا أَشْتَهِي , بِاسْتَنْباطِهِمَا , الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا : { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إلَّا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ } , وَفِي كِتَابِ اللَّهِ هَذَا كَثِيرٌ : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } ; فَتَعَطَّلَ الشُّفَعَاءُ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ . وَقَالَ فِي سُورَةِ هُودٍ عليه السلام : { وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } ; فَوَعَدَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ تَابَ : مُسْتَغْفِرًا التَّمَتُّعَ إلَى الْمَوْتِ ; ثُمَّ قَالَ : { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أَيْ : فِي الْآخِرَةِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : فَلَسْنَا نَحْنُ تَائِبِينَ عَلَى حَقِيقَةٍ , وَلَكِنْ عِلْمٌ عَلِمَهُ اللَّهُ مَا حَقِيقَةُ التَّائِبِينَ : وَقَدْ مُتِّعْنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا تَمَتُّعًا حَسَنًا ؟ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , قَالَ : وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَخْبَرْت عَنْهُ , وَقَرَأْتُهُ فِي كِتَابِهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى , قَالَ : وَقَالَ لِي الشَّافِعِيُّ : مَا بَعْدَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ نَزَلَتْ فِي أُحُدٍ فِي أَمْرِهَا , وَسُورَةُ الْأَنْفَالِ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ , وَسُورَةُ الْأَحْزَابِ نَزَلَتْ فِي الْخَنْدَقِ , وَهِيَ : الْأَحْزَابُ , وَسُورَةُ الْحَشْرِ نَزَلَتْ فِي النَّضِيرِ . قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : إنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ لَمْ تُخَمَّسْ أَلْبَتَّةَ , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ آيَةُ الْخُمُسِ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ بَدْرٍ , وَقَسْمِ الْغَنَائِمِ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قوله تعالى : { لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ } يَعْنِي : لَا تَسْتَحِلُّوهَا , [ وَهِيَ ] : كُلُّ مَا كَانَ لِلَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) : مِنْ الْهَدْيِ وَغَيْرِهِ .
[ وَفِي قَوْلِهِ ] : { وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } : مَنْ أَتَاهُ : تَصُدُّونَهُمْ عَنْهُ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { شَنَآنُ قَوْمٍ } عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ .
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَاةِ مِنْ هَذَا فَهُوَ ذَكِيٌّ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْأَزْلَامُ لَيْسَ لَهَا مَعْنًى إلَّا : الْقِدَاحُ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } إنَّهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لَا تُمَلِّكْهُمْ مَا أَعْطَيْتُك مِنْ ذَلِكَ وَكُنْ أَنْتَ النَّاظِرَ لَهُمْ فِيهِ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } الْحَرَائِرُ : مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ; غَيْرُ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ . { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } : عَفَائِفَ غَيْرَ فَوَاسِقَ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا } الْآيَةَ قَالَ : إذَا اتَّقَوْا لَمْ يَقْرُبُوا مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ .
قَالَ : وَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } قَالَ : هَذَا مِثْلُ قوله تعالى { لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ } , وَمِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَلْفَاظٍ .
قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } قَالَ : هَذَا مِثْلُ قوله تعالى { لَيْسَ عَلَيْك هُدَاهُمْ } , وَمِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } . وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَلْفَاظٍ .
قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ } ذَكَرُوا فِيهَا مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ مَنْ عَصَى فَقَدْ جَهِلَ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ . ( وَالْآخَرُ ) أَنَّهُ لَا يَتُوبُ أَبَدًا : حَتَّى يَعْلَمَهُ , وَحَتَّى يَعْمَلَهُ : وَهُوَ لَا يَرَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَاهُمَا .
قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , [ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ] : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً } . مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَقْتُلَ أَخَاهُ إلَّا خَطَأً .
قَالَ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ } الْآيَةَ قَوْلُ عَائِشَةَ ( رضي الله عنها ) , أَثْبَتُ شَيْءٍ فِيهِ . وَذَكَرَ لِي فِي قَوْلِهَا : حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ .
قَالَ : وَقَالَ [ الشَّافِعِيُّ ] فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوْلُ عَائِشَةَ : حَلِفُ الرَّجُلِ عَلَى الشَّيْءِ : يَسْتَيْقِنُهُ , ثُمَّ يَجِدُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ . قُلْت : وَهَذَا بِخِلَافِ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ . وَرِوَايَةِ الرَّبِيعِ أَصَحُّ فَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ يُونُسُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ إنَّمَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ . وَعُمَرَ بْنِ قَيْسٍ ضَعِيفٌ . وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ : كَالْمُنْقَطِعِ . وَالصَّحِيحُ عَنْ عَطَاءٍ وَعُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَا رَوَاهُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ ; وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا مَا أَجَازَهُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ .
( قَرَأْت ) فِي كِتَابِ : ( السُّنَنِ ) رِوَايَةَ حَرْمَلَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله : قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } ,
وَقَالَ تَعَالَى : { أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك } وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } وَقَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ : { فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } فَقِيلَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ . وَقَالَ : { مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ } ; فَقِيلَ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) : نُطْفَةُ الرَّجُلِ مُخْتَلِطَةٌ بِنُطْفَةِ الْمَرْأَةِ . ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) : وَمَا اخْتَلَطَ سَمَّتْهُ الْعَرَبُ أَمْشَاجًا . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ } ; الْآيَةَ فَأَخْبَرَ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّ كُلَّ آدَمِيٍّ مَخْلُوقٌ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى , وَسَمَّى الذَّكَرَ أَبًا وَالْأُنْثَى أُمًّا . وَنَبَّهَ أَنَّ مَا نُسِبَ : مِنْ الْوَلَدِ . إلَى أَبِيهِ : نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِهِ ; فَقَالَ : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } , وَقَالَ : { يَا زَكَرِيَّا إنَّا نُبَشِّرُك بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ثُمَّ كَانَ بَيِّنًا فِي أَحْكَامِهِ ( جَلَّ ثَنَاؤُهُ ) أَنَّ نِعْمَتَهُ لَا تَكُونُ مِنْ جِهَةِ مَعْصِيَتِهِ ; فَأَحَلَّ النِّكَاحَ , فَقَالَ : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } , وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { : فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } . وَحَرَّمَ الزِّنَا , فَقَالَ : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } ; مَعَ مَا ذَكَرَهُ : فِي كِتَابِهِ . فَكَانَ مَعْقُولًا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا يَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى أَبِيهِ : الزَّانِي بِأُمِّهِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ نِعْمَتَهُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ جِهَةِ طَاعَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ مَعْصِيَتِهِ . ثُمَّ أَبَانَ ذَلِكَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ , قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ ( بِبَغْدَادَ ) : نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ ; حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ : حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ; قَالَ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : نَظَرْت بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ : فَعَرَفْت مُرَادَ اللَّهِ ( عَزَّ وَجَلَّ ) فِي جَمِيعِ مَا فِيهِ , إلَّا حَرْفَيْنِ : ( ذَكَرَهُمَا , وَأُنْسِيت أَحَدَهُمَا ) ; وَالْآخَرُ : قوله تعالى { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } , فَلَمْ أَجِدْهُ : فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; فَقَرَأْت لِمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهَا : لُغَةُ السُّودَانِ , وَأَنَّ ( دَسَّاهَا ) أَغْوَاهَا . قَوْلُهُ : فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; أَرَادَ : لُغَتَهُ أَوْ أَرَادَ فِيمَا بَلَغَهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ . وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مُقَاتِلٌ : لُغَةَ السُّودَانِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ; وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَرَأْت فِي كِتَابِ ( السُّنَنِ ) رِوَايَةَ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ } , الْآيَتَيْنِ . قَالَ يُقَالُ ( وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَأْثَمُ مِنْ صِلَةِ الْمُشْرِكِينَ أَحْسَبُ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَ فَرْضُ جِهَادِهِمْ , وَقَطَعَ الْوِلَايَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ , وَنَزَلَ : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ فَلَمَّا خَافُوا أَنْ تَكُونَ [ الْمَوَدَّةُ ] : الصِّلَةَ بِالْمَالِ , أَنْزَلَ : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ }
قَالَ الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) : وَكَانَتْ الصِّلَةُ بِالْمَالِ , وَالْبِرُّ وَالْإِقْسَاطُ وَلِينُ الْكَلَامِ , وَالْمُرَاسَلَةُ بِحُكْمِ اللَّهِ غَيْرَ مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ الْوِلَايَةِ لِمَنْ نُهُوا عَنْ وِلَايَتِهِ : مَعَ الْمُظَاهَرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَذَلِكَ : أَنَّهُ أَبَاحَ بِرَّ مَنْ لَمْ يُظَاهِرْ عَلَيْهِمْ : مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَالْإِقْسَاطُ إلَيْهِمْ , وَلَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ إلَى مَنْ أَظْهَرَ عَلَيْهِمْ ; بَلْ : ذَكَرَ الَّذِينَ ظَاهَرُوا عَلَيْهِمْ , فَنَهَاهُمْ عَنْ وِلَايَتِهِمْ وَكَانَ الْوِلَايَةُ : غَيْرَ الْبِرِّ وَالْإِقْسَاطِ . وَكَانَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) فَادَى بَعْضَ أَسَارَى بَدْرٍ , وَقَدْ كَانَ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ : وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَدَاوَتِهِ , وَالتَّأْلِيبِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَلِسَانِهِ . وَمَنَّ بَعْدَ بَدْرٍ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ : وَكَانَ مَعْرُوفًا : بِعَدَاوَتِهِ , وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ; ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِ بَعْدَ إسَارِهِ . وَأَسْلَمَ ثُمَامَةُ , وَحَبَسَ الْمِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ : فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) , أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَمِيرَهُمْ ; فَأَذِنَ لَهُ فَمَارَهُمْ . وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } , وَالْأَسْرَى يَكُونُونَ مِمَّنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ ( إجَازَةً ) , قَالَ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَهْدِيُّ : سَمِعْت الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ , يَقُولُ : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ ( رحمه الله ) , يَقُولُ : مَنْ زَعَمَ : مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ أَبْطَلْتُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ اللَّهَ ( عَزَّ وَجَلَّ ) يَقُولُ : { إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } إلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَبِي عَمْرٍو قَالَ : ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ ( رحمه الله ) , قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُحَرَّمِ : صَفَرٌ ; [ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ : الْمُحَرَّمُ . ] [ وَإِنَّمَا كَرِهْت أَنْ يُقَالَ لِلْمُحَرَّمِ : صَفَرٌ ; مِنْ قِبَلِ : أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ ] كَانُوا يَعُدُّونَ , فَيَقُولُونَ : صَفِرَانِ ; لِلْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ ; وَيَنْسَئُونَ : فَيَحُجُّونَ عَامًا فِي شَهْرٍ , وَعَامًا فِي غَيْرِهِ . وَيَقُولُونَ : إنْ أَخْطَأْنَا مَوْضِعَ الْمُحَرَّمِ , فِي عَامٍ أَصَبْنَاهُ فِي غَيْرِهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } الْآيَةَ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ; السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ; مِنْهَا أَرْبَعٌ حُرُمٌ : ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقِعْدَةِ , وَذُو الْحِجَّةِ , وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ) .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَلَا شَهْرَ يُنْسَأُ , وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وسلم ) : الْمُحَرَّمَ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
| |
| | | الغيث النافع عضو فعال
عدد الرسائل : 379 العمر : 34 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : صديق تاريخ التسجيل : 06/07/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 16 ديسمبر - 12:57 | |
| بارك الله فيك خوي الفارس
وأكيد راح نستفيد من هذه الأحكام
جزاك الله ألف خير | |
| | | السراج المنير عضو شرف
عدد الرسائل : 436 العمر : 32 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : الهوتميل تاريخ التسجيل : 15/04/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة 17 ديسمبر - 14:00 | |
| ما شاء الله عليك
بارك الله فيك خوي
يعطيك العافيــة
| |
| | | منير عضو فعال
عدد الرسائل : 217 العمر : 36 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : صديق تاريخ التسجيل : 23/03/2009
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة 17 ديسمبر - 14:45 | |
| جزاك الله خيراً
وجعل مثواك الجنة | |
| | | سيف الله مشرف
عدد الرسائل : 507 العمر : 31 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : صديق تاريخ التسجيل : 24/05/2010
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الجمعة 17 ديسمبر - 21:23 | |
| جزاك الله ألف خير وبارك فيك
حفظك الله ورعاك
| |
| | | زيدان حمد عضو فعال
عدد الرسائل : 205 العمر : 33 إحترام المنتدى : كيــف تعـــرفت إلينــا : صديق تاريخ التسجيل : 28/04/2009
| موضوع: رد: أحكام القرآن للشافعي الخميس 23 ديسمبر - 23:13 | |
| الفارس يعطيك العافية طرح جميل تقديري لك دمت بود | |
| | | | أحكام القرآن للشافعي | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |